سجاد سالم حسين/ يصادف الرابع من نيسان من كل عام ذكرى يوم الشهيد الكوردي الفيلي, وهي مناسبة هامة لإستذكار عطاءات الفيليون ومآسيهم التي يبدو ان لا حلول لها مهما اختلف شكل الحكم في العراق. الفيليون جرح نازف منذ تأسيس الدولة العراقية ومنذ اول تشريع مشوه في الدولة وهو قانون الجنسية العراقي رقم 42 لسنة 1924 والذي شُرعَ حتى قبل سن القانون الأساسي عام 1925 (الدستور العراقي), ويذكر الدكتور محمد تقي جون في كتابه (قصة الكورد الفيليون, محنة الانتماء وإعادة البناء ) ان السبب وراء ذلك سياسي, يعود الى عداء البريطانيين للكورد الفيليين وهم السكان الأصليين لشرق دجلة لمواقفهم ضد البريطانيين آنذاك .
كان قانون الجنسية الاول مجحفاً والإرادة السياسية التي وقفت خلف تشريعه قاصدة الاضرار بالكورد الفيليين الذين يقطنون المناطق الحدودية بين العراق وايران وهذه المنطقة التي كانت معارضة للحكم العثماني الطائفي القومي اضطر الكثير من قاطنيها الى التجنس بالجنسية الايرانية لأسباب تعود الى تجنب الخدمة الالزامية وطبيعة عملهم الذي يتطلب الترحال بين ايران والعراق حيث لم تكن آنذاك الحدود مرسومة بالشكل الذي هي عليه اليوم ومن المعروف ان أبناء العمومة من الكورد الفيليين متجاورين على طرفي الحدود بين العراق وايران كما هو الحال بين الانبار والبوكمال والبصرة والكويت وكوردستان العراق التي تحاذي اشقائهم الكورد من ثلاثة جوانب . إضافة الى ذلك فان الجانب الإيراني كان نشطا في التجنيس حيث كانت فرقه الجوالة تجوب هذه المناطق وتمنح الراغبين الجنسية الإيرانية , هذا المزاج السياسي البريطاني وعصبيتهم تجاه الكورد الفيليون ورثوه الى الحكام الجدد في الدولة العراقية والذين حملوا هذه المهمة ( بأمانة ) ليخلقوا من هذا القانون وحرمان الفيليون من الجنسية مرضاً مزمنا الى ان كبر في فترة البعث واصبح إبادة جماعية ولغاية الان وبعد سقوط البعث وتشريع جملة قوانين لإنصاف الكورد الفيليون ما زالت مشكلة المسفرين والجيل الثاني من المسفرين المولودين في ايران وملكيتهم المصادرة وعديمي الجنسية منهم بلا حلول قريبة ومنصفة تختصر عذاب البيروقراطية .
كان قانون الجنسية عام 1924 اقصائياً, فكما هو معروف ان دولتين كانتا لهم نفوذ في العراق وهما ايران وتركيا ( الإمبراطورية العثمانية ) وطبيعي عند نشوء الدولة العراقية ان تبني معظم مفاصلها الإدارية والقانونية على الإرث الإداري والقانوني لهاتين الامبراطوريتين لحين اكتمال بناءها القانوني والمؤسساتي, لكن الخلل الكبير في قانون الجنسية هو اعتباره ضمناً ان الإرث العثماني عراقي والإيراني اجنبي, وصراحة ان حامل الجنسية العثمانية يكتسب الجنسية العراقية تلقائيا بينما حامل الجنسية الإيرانية ينبغي الموافقة على وجوده واقامته القانونية والتثبت من حسن سيرته واخلاقه وموافقة الدولة على سلوكه, فكان بذلك باكورة التشريعات التي أوجدت مواطني الدرجة الثانية !
اعتبر القانون بموجب المادة الثالثة منه ان كل من كان في اليوم السادس من اب عام 1924 من الجنسية العثمانية وساكنا في العراق عادة تزول عنه الجنسية العثمانية ويعد حائزا الجنسية العراقية , ولرسم صورة أدق عن هذه المادة القانونية وتحديد مصطلح الساكن في العراق بابعاده ودلالته السياسية والاثنية التي يراد منها تجريد الكورد الفيليون من مواطنتهم عرفَ القانون بموجب المادة الثانية /ه الساكن في العراق بأنه كل من كان محل اقامته المعتادة في العراق منذ يوم الثالث والعشرين من اب سنة 1921 , نعرف ان كل تشريع ابن بيئته وحتى مبادئ الجنسية تطورت اليوم عما كانت عليه سابقاً وخاصة بعد تأسيس منظمة الأمم المتحدة وصدور إعلانات حقوق الانسان وعولمتها وكل هذا التطور والفرق بين الفكر القانوني آنذاك وما هو عليه اليوم لا يبرر حتى بمنظور ذلك الوقت الفكري والقانوني هذا الحرمان التعسفي لاسباب سياسية ومذهبية واثنية لمواطنين عراقيين من جنسيتهم وشعورهم بالمواطنة الذي لم يك يوماً محل شك, وللإمعان في تكريس هذا التجريد من المواطنة بحكم القانون استعمل قانون الجنسية كذلك عبارة من كان يختلف عنصرا عن أكثرية اهل العراق وهذا اقتباس مشوه من معاهدة لوزان عام 1923 وأُطلقت هذه العبارة في محل إعطاء الحق للشخص الذي ينطبق عليه هذا الوصف وحصل على الجنسية العراقية باختيار جنسية البلد الذي فيه أكثرية من عنصره وهذه العبارة فيها من المطاطية ما جعلتها محل اشكال, فأي أكثرية, قومية او دينية او مذهبية, وهل هنالك أكثرية واقلية في العراق ومن يحدد الأكثرية والأقلية, علماً ان نظام البعث استفاد كثيراً من هذا المبدأ وطوره بما عُرف وحدة العائلة خلف الحدود .
من جانب اخر كان للقانون (الفضل) على كل الأنظمة الشمولية اللاحقة في اختراع مادة ذهبية وهي المادة الثالثة عشر التي استعملت في نسف ومصادرة كل الاحكام والمبادئ القانونية الواردة فيه, حين منحت وزير الداخية الخيار المطلق في قبول او رفض منح الجنسية لطالب التجنس وسنلاحظ تكرر هذه المادة القانونية في كل قوانين الجنسية العراقية لغاية عام 2003 فما الغاية من دبج مبادئ احكام قانونية ثم بالاخير يصار الى وضع التشريع كاملا في سلة وزير الداخلية ورهن موافقته, والذي يكون له خياراً مطلقاً بل ولا اعتراض على حكمه خلافا للمنطق القانوني وخلافا لكل ما ورد في التشريعات المقارنة في حالة رفض الوزير طلب التجنس وخلافا لمبدأ حق التقاضي والشكوى من حكم مجحف وظالم .
لكن هل كان هذا القانون يعد استثناءا؟ هل شرع في لحظة فقدت فيها السلطة زمام المبادرة وكانت مرتهنة بيد البريطانيين ؟ فعدلت السلطة فيمت بعد بعض مواده ورفعت عن الفيليين هذا الظلم والاجحاف خاصة ان قانون الجنسية لا يبعد الا سنة واحدة عن إقرار القانون الأساسي ؟
كان المفترض في القانون الأساسي للدولة العراقية عام 1925 (الدستور العراقي) ان يكرس مبادئ عامة سامية في الحقوق والحريات كما ورد في المادة الخامسة حيث نصت تعين الجنسية العراقية وتكتسب وتفقد وفقا لاحكام قانون خاص هذا القانون المفترض ان يسترشد بالمادة السادسة من القانون الأساس للدولة التي نصت على انه لا فرق بين العراقيين في الحقوق امام القانون, وان اختلفوا في القومية , والدين , واللغة ولكن هذا القانون الأساس الذي نص فيما بعد في المادة 19 على ان سيادة المملكة العراقية الدستورية للأمة, وهي وديعة الشعب للملك فيصل بن الحسين, ثم لورثته من بعده ! وفي المادة 25 الملك مصون وغير مسؤول ! كرس في المناصب العليا وشروط توليها التفرقة بين التبعية العثمانية والإيرانية اشد ما يكون حيث نص في المادة 30 / الفقرة الأولى بانه لا يكون عضوا في المجلسين (الاعيان والنواب ) من لم يكن عراقياً، اكتسب جنسيته العراقية بالولادة أو بموجب معاهدة (لوزان) أو بالتجنس على أن يكون المتجنس منتمياً إلى عائلة عثمانية كانت تسكن عادة في العراق قبل سنة 1914 ومر على تجنسه عشر سنوات. ثم عاد في المادة الرابعة والستون ليكرس نفس الشرط للوزراء وبدل ان يلغي قانون الجنسية هذا أيد في المادة 113 و114 جميع القوانين العثمانية والبيانات والنظامات والقوانين التي أصدرها القائد العام للقوات البريطانية في العراق والحاكم الملكي العام والمندوب السامي البريطاني قبل تأسيس الدولة العراقية !
ينبغي التنبيه الى انه تعتبر هذه القوانين غير نافذة حالياً فقد تم الغائها وإلغاء قوانين كُثُر بعدها وصولاً الى الدستور العراقي عام 2005 وقانون الجنسية العراقي الحالي رقم 26 لسنة 2006 ولكنها كانت الحلقة الأولى في سلسلة ألم عاش الفيليون احكامها وقوانينها المجحفة, ابتدأت بمواطنتهم اولاً عند تأسيس الدولة العراقية وانتهت بالإبادة إبان حكم البعث..وعقابيلها ما زالت مستمرة متمثلة بهذا الإخفاق المخزي في تعويضهم وانصافهم [1]..