#علي شمدين#
لقد استطاع مام جلال خلال وجوده في الشام أواسط الخمسينات من القرن المنصرم، أن يؤسس لعلاقات واسعة مع الوسط العربي، فكان ميدان نشاطه المتواصل يمتد بشكل رئيسي من الشام نحو بيروت والقاهرة، فضلاً عن ليبيا والجزائر أيضاً، وقد بات في هذا الميدان شخصية كاريزمية مؤثرة، ولاعباً سياسياً ماهراً في طرح قضية شعبه، وكسب الدعم والتأييد إلى جانبها، فهو لم ينقطع عن التردد إلى هذه الساحة كلما ضاق به المكان في العراق وكردستان.
فبعد توقيع اتفاقية الحادي عشر من آذار عام (1970)، بين الحكومة العراقية آنذاك والحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة (الملا مصطفى البارزاني)، أعلن جناح المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني، عن تأييده لهذه الاتفاقية، وقرر إبراهيم أحمد ورفاقه (مام جلال، علي عسكري وعمر دبابة..)، حل حزبهم والإنضمام إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبعد توحيد جناحي الحزب، شعر مام جلال بالتهميش والإهمال، فقرر الابتعاد عن الساحة السياسية في كردستان والخروج منها بهدوء، فطلب من البارزاني الإستئذان له بمرافقة زوجته (هيرو خان)، لمعالجتها في الخارج، وبعد أن وصل مام جلال إلى فرنسا في آذار عام (1972)، قرر البقاء في مدينة (ليون)، والإنصراف لدراسته ومتابعة حياته الاعتيادية، فيقول مام جلال في كتاب (لقاء العمر)، بأنه كتب إلى الملا مصطفى رسالة يقول فيها: (أريد أن أعلمكم بأنني سأبقى في الخارج، وسوف لن أحاربكم، وسأنشغل بدراستي وحياتي، ورجائي هو أن لا تصدقوا كل كلام يقال عني، فإذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.. ولا يسرني أن اختلف معكم، فقد كان مقرراً القيام ببعض الإصلاحات بين ستة أشهر والسنة، وها قد مرت سنتان ولم يتم شيء من هذا القبيل، ولهذا سأظل في الخارج، وسأقوم بكل ما تطلبه مني أنت وقيادة الثورة وسوف لن أقصر في ذلك أبداً..).
وبعد أقل من شهرين ينتقل مام جلال من فرنسا إلى الشام ومن هناك إلى بيروت، ليقيم بين أصدقائه الفلسطينيين (جورج حبش، نايف حواتمة وأحمد جبريل..)، الذين تجمعهم وإياه علاقات قوية منذ عام (1967)، ويعمل معهم في الكثير من المجالات وخاصة المجال الإعلامي، وبعد استهدافه من جانب النظام العراقي وغيره، وتعرضه لأكثر من محاولة اغتيال، نصحه الفلسطينيون بمغادرة لبنان، فاستقر مام جلال في القاهرة في ربيع (1973)، التي كانت أكثر أماناً حينذاك، وكان يتنقل أحياناً بين الشام وبيروت أيضاً.
هذا وقد انتقل مام جلال من القاهرة إلى لبنان في صيف عام (1974)، للعمل في مكتب الشؤون العربية للحزب الديمقراطي الكردستاني هناك، لغاية انهيار الثورة الكردية عام (1975)، ليتوجه بعد ذلك إلى الشام، حيث يقول مام جلال في كتاب (لقاء العمر): (بقيت في مصر إلى أن جاءني ذات يوم عزيز شيخ رضا، يحمل إلي رسالة من مسعود وإدريس بارزاني، طلبوا مني أن أعمل معهم، فأجبتهم: أهلاً وسهلاً، ولكن ماذا سأعمل؟ قالوا بأنهم أسسوا مكتباً للشؤون العربية في الخارج، يتألف مني والدكتور فؤاد، ويكون مسؤولنا عزيز شيخ رضا، فوافقت وقلت أهلاً وسهلاً، وبدأنا بالعمل.. وقد قمنا بعمل جيد حينذاك، وأنشأنا العلاقات باسم الثورة الكردية مع المصريين، وبقيت في لبنان في مكتب الشؤون العربية إلى أن انهارت الثورة الكردية..).
كان مام جلال يتواصل مع الرئيس المصري أنور السادات عن طريق محمد حسنين هيكل، الذي كان قبل ذلك رئيساً لجريدة (الإهرام)، والذي كان قد ترك موقعه ليحل مكانه أحمد بهاء الدين المقرب من أنور السادات، والذي تربطه أيضاً علاقة صداقة مع مام جلال الذي يقول في كتاب (لقاء العمر)، بأنه اتصل مع أحمد بهاء الدين، ليقول له بهاء الدين بأنه كان يبحث عنه، طالباً منه الحضور إليه حالاً لأمر ضروري، فذهب إليه مام جلال، وقال له بهاء الدين: (لقد كنت الیوم عند الرئیس السادات وسألني عنك، وقال: ھل جلال ما زال ھنا؟ فأجبته: نعم هو موجود هنا، فقال: حسنا أبلغه بأن علاقاتنا سوف تستمر وبأنك ستحل محل ھیكل كحلقة الوصل بیني وبينه، وقل له بأن العراق بصدد التصالح مع إیران، وأنه سیطرح ھذا الموضوع على القمة العربیة، واقتراحي ھو أن یأتي وفد كردي يضم أحد أبناء البارزاني، ولذلك قال الرئيس: فلیأت جلال وابنا البارزاني، وسآخذ الثلاثة معي إلى القمة العربیة، فإن طرح العراق موضوع التصالح مع شاه إیران سأقول لھم: ولماذا لا نتصالح نحن العرب مع إخواننا الكرد؟ وحينها سأقول لهم بأنني جلبت معي وفداً كردياً، ولنجلس معھم..)، فأجابه مام جلال: (والله إنه لأمر جید..)، ويتابع مام جلال قوله: (لقد عدت إلى المكتب وأبلغت عزیز شيخ رضا والدكتور فؤاد بذلك، ففرحا جدا، وكتبت حول ذلك رسالة إلى إدریس ومسعود بارزاني، ولكنني لم أتلق منهما أي رد..).
وفي هذا الإطار أيضاً يقول مام جلال في (لقاء العمر)، بأنه كان في ليبيا في شهر كانون الثاني من عام (1975)، لحضور مؤتمر الشباب الناصري، وبأن القذافي، أخبره حينذاك، قائلاً: (جلال! أحمل إليك خبراً سيئاً، وهو أن وزير الخارجية العراقي سعدون حمادي، سوف يلتقي وزير الخارجية الإيراني خلعت بري في استنبول، وأن إتفاقهما بات قريباً جداً..).
وبعد انهيار الثورة الكردية في كردستان العراق، ينتقل مام جلال من بيروت إلى الشام، لتبدأ هناك مرحلة تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني في (1/6/1975)، والإنطلاق منها نحو إشعال الثورة الجديدة في جبال كردستان بعد عام من هذا التاريخ أي في عام (1976)، ومن ثم عودة مام جلال إلى كردستان العراق عام (1977)، ليقود الثورة في جبالها حتى إسقاط صدام حسين الذي قال حينذاك مستهزءاً بقرار مام جلال بإشعال الثورة الجديدة: (لو تطلع نخلة براس جلال طالباني ما راح يقدر يصعد ستة مقاتلين للجبل..).[1]