#مؤيد عبد الستار#
اود ان اشير هنا لامر لا مناص منه ، وهو وجود عراقيين من اصول فارسية في العراق مثلما يوجد في ايران ايرانيون من اصول عراقية، ومثلما يوجد في العراق عراقيون من اصول تركية وسعودية وفلسطينية وغير ذلك ، وهذا ليس عارا على العراقيين او على العراق ، فلطالما شهد العراق هجرات حملت اليه مختلف صنوف البشر من بلدان الجوار وابعد من بلدان الجوار ، ولا نعدم اناسا في العراق من اصول قوقازية او مغولية او باكستانية ... الخ .
ولكن هذا لايعني عدم وجود قوميات وشعوب عراقية اصيلة ، وجدت في العراق منذ فجر التاريخ ، فساهمت في تشكيل هويته وفي بناء حضاراته ومجتمعه المعروف حاليا. ولا احد يستطيع ان ينكر وجود الشعب الكردي في العراق ، والذي رافق وجود الشعب العربي ، الذي اتسع وامتد ليشمل اغلب مناطق العراق بعد الفتح الاسلامي .
ان عدم الاقرار بهذه الحقيقة ومحاولة اللعب على حبال العنصرية تجاه مكونات الشعب العراقي تجعل بلادنا نهبا لصراعات ومعارك لاتحمد عقباها ولانجني منها سوى الخسران والاحزان.
لايجهل احد ان الشعب الكردي في العراق له موطنه الذي تقلص بعد الفتوحات فانحسر بمناطق تحدها جبال حمرين ، وشرق دجلة ، وبما ان تلك المناطق مقسمة بين ايران والعراق وتركيا وسوريا ، فسيكون هناك لامحالة تداخل بين انتماء الشعب الكردي الذي يعيش في هذه المناطق ، فالقبيلة الكردية التي تعيش قرب الحدود بين ايران والعراق ، تكون مقسمة او موزعة بين البلدين ، ومادامت الاوراق الشخصية ، مثل الهوية والجنسية وجواز السفر ، اصبحت لازمة تصدرها الدول حسب المناطق الجغرافية التي تحد حدودها، فلا بد ان يحمل ابناء العشيرة الواحدة من الشعب الواحد اوراقا وهويات مختلفة حسب مناطق عيشهم ووجودهم ، خاصة وان هذه الاوراق ، اصدارات حديثة لم تكن معروفة سابقا ولم يكن الناس بحاجة اليها ، ومثلما يحدث بين العراق وايران ، كذلك يحدث بين العراق وتركيا ، والعراق والسعودية ... الخ ، ولذلك لا نعدم ان نجد عشيرة عربية مقسمة بين العراق وسورية او بين العراق والسعودية ، ومنها من يحمل جنسية البلدين .
ولذلك فان تحديد الدستور لوجود اناس في العراق ينتمون لفارس ، ليس عيبا ، ومن حق من عاش وولد منهم في العراق ، ان يحصل على حقوقه كعراقي وفق القوانين التي يجب ان تكون قوانين حضارية انسانية لا قوانين شوفينية عنصرية تحارب كل من عاش وترعرع في العراق لان اصوله فارسية او تركية او مغولية وهلم جرا.
ولكن المعيب في الامر اعتبار الكرد الفيليين العراقيين ، فرسا ، وهم ليسوا كذلك ، وهم الذين انتقم منهم نظام صدام، بسبب انتمائهم الكردي ، اضافة الى انتمائهم الى المذهب الشيعي ، وحاول عبثا ابادتهم عن طريق تهجيرهم وقتلهم وسلب اموالهم وحجز شبابهم ، فجعلهم شواهد على جرائمه المعروفة بالمقابر الجماعية.
ان الفرس امة جديرة بالاحترام ، وقد قدرها العرب حق قدرها ، وهي التي علمتهم اساليب الحكم والادارة ، فكان جل خلفاء المسلمين يعيشون بين اساطين علماء وادباء ووزراء فارس ، ولن يكون الصاق صفة( فارسي) عارا مثلما اراد صدام حين اطلق على الفرس: الفرس المجوس ، ظانا انه بذلك ينتقص منهم ، غير عارف وهو الجاهل الاحمق ، بان المجوسية دين له تعاليم انسانية معروفة ، لم يستح الاسلام ان يقتبس منها ماوجده اهلا للاقتباس .
الا ان تقديرنا واحترامنا للفرس وبلاد فارس لايعني ان يشملنا كتبة الدستور بهذه المكرمة ، لان لتاريخنا حقا علينا ، فالكرد لهم تاريخهم الذي يفخرون به ،تماما مثلما يفخر العرب والترك والعجم بتاريخهم ، فالجميع قرأ التاريخ وعرف ماله وما عليه ، ولا نريد ان يأتي اليوم من يعيد قصة عزة الدوري التي ذهب فيها الى ان صلاح الدين الايوبي عربي ، فمثل هذا الراي يدل على خطل صاحبه ، ولا ينتقص من الكرد ان يسلبهم احد الادعياء علما من اعلامهم يعرفه كل من قرأ الفباء التاريخ، ولا ينتقص من الكرد ان يسميهم الدستور فرسا ، لان كلمة الحق لايمكن طمسها بعباءة الجهل ، فكثيرا ماقال العنصريون ان الاكراد هم اتراك الجبال، فمن ياترى يصدقهم ، وهل بالامكان الغاء شعب له تاريخه ولغته ويعد بالملايين من على وجه البسيطة، وحتى لو تم ابادة الكرد جميعا ، فكيف يستطيعون الغاء تاريخهم ، مع احترامنا لتاريخ جميع الشعوب التي تقاسمنا معها الاحزان والمسرات ، وعشنا معها العسر واليسر.
يخطأ من يحسب ان كتابة الدستور مغنم ، يستطيع فرض بنوده من حصل على اعلى نسبة من اصوات ابناء شعبنا ، فان تلك الاصوات لم تكن لزيد من الناس ولا لعمر ، حتى وان كانت لصالح جهة معينة ، وهي الائتلاف الشيعي ، فما حاول العراقي اثباته بالتصويت هو ارادته في انجاح الانتخابات ليس الا ، لان الصراع كان يومها ، انتخابات ام لا انتخابات ، مثلما هو قول شكسبير : ان تكون او لاتكون تلك هي المسألة ، ولم يكن الناس يرون امامهم سوى صندوق عليهم ان يتوجهوا نحوه اولا ، وان يجتازوا العقبات الارهابية والوصول اليه ، ولا يهم ان يصوتوا لي او لك ، لانهم حسبوا ان جميع القوائم ، قوائم عراقية ، معظمها يعمل لصالح العراقيين ، لذلك صوتوا لاكبر ائتلاف ، تسربل بعباءة الدين الحنيف وعمامة المرجعية الشريفة ، واليوم ان اثبت هؤلاء عدم امانتهم في احترام من صوت لهم ، فستنقلب الاية عليهم ، ولطالما دارت على الباغي الدوائر .
ان المناورات الصغيرة لاتليق بالاهداف الكبيرة ، فمحاولة اخراج الكرد الفيليين من دائرة الشعب الكردي من اجل اضعاف التحالف الكردستاني في الانتخابات القادمة ، وشق صفوف الكرد ، للاستحواذ على اصوات قسم منهم ، مناورة بائسة ، نربأ بقائمة التحالف ان تلجأ اليها ، لان الخسارة لن تكون في الجانب الكردي فقط ، بل ستشمل الجميع ، فالعراق الان بمثابة القارب الذي يبحر في موج متلاطم ، ان لم يكن ربابنته على مستوى المسؤولية ، سيكون مصير هذا القارب الغرق الاكيد ، وهو بالتأكيد مصير لااحد يريده لشعبه ووطنه .[1]