الفكر الوطني الكوردستاني (7) (الحلقة الأخيرة)
د. مهدي كاكه يي
في الحلقة السابقة، تمّ الحديث عن 6 مجاميع من المجاميع الكوردستانية التي ترفع شعار العيش المشترك بين الكورد و الشعوب المغتصِبة لِكوردستان في كل من إيران و تركيا والعراق و سوريا، و الإبقاء على الشعب الكوردستاني مجزأً و مقسّماً، فاقداً لهويته. في هذه الحلقة نواصل الحديث عن القسم الثاني من هذه المجاميع والتي مكرّسة لأصحاب مشروع الأمة الديمقراطية.
7. أصحاب مشروع الأمة الديمقراطية: في الآونة الأخيرة، ظهر مصطلح الأمة الديمقراطية الذي هو عبارة عن مشروع لإقامة إتحاد كونفيدرالي بين شعوب منطقة الشرق الأوسط، بضمنها شعب كوردستان. هذا المشروع هو مشروع غير واقعي وسابق لأوانه وغير قابل للتطبيق في الوقت الحاضر وعلى المدى المنظور والمتوسط والبعيد، لأنه لا يراعي تخلّف شعوب المنطقة، من ضمنها شعب كوردستان و شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان ولا يأخذ في الحسبان التراكمات التاريخية والثقافية في هذه المجتمعات والتربية العنصرية والعدائية المترسخة في فكر شعوب المنطقة. مجتمعات منطقة الشرق الأوسط المتخلفة التي تتألف من شعوب وقوميات وإثنيات وأديان ومذاهب متنافرة ومتعادية، لا تجمع بينها وحدة المصالح والأهداف والمصير والثقافة لأسباب تاريخية وسياسية وثقافية متراكمة. لذلك فأن أي محاولة للجمع بين هذه المجتمعات المتضادة، ستفشل لأنها لا تستند على البُنية الفكرية والثقافية والسياسية المتنافرة لهذه المجتمعات. الهجمة الوحشية لإرهابيي داعش في هذه الأيام على غربي وجنوبي كوردستان وسوريا والعراق والفوضى السائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتطاحن والحروب المندلعة بين الشعوب والقوميات والأديان والمذاهب فيها والخراب والدمار اللذان تعرضت لهما بلدان المنطقة بسبب هذه الحروب، تكشف بِوضوح عن العلاقة العدائية بين إثنيات وقوميات وطوائف المنطقة و سيادة الفكر القومي والديني والمذهبي في هذه المجتمعات وهذا يُثبت سذاجة النظرية القائلة بِإمكانية العيش المشترك بين المكونات القومية والدينية والمذهبية ضمن كيانات سياسية واحدة.
المجتمعات المتحضرة الهجينة عرقياً أو مذهبياً، تعاني من مشاكل كبيرة نتيجة التعدد القومي أو المذهبي فيها. حيث نرى أن دولاً متقدمة و متحضرة تعاني من المشكلة القومية، على سبيل المثال، يطالب كل من الشعب الباسكي و الكتلاني بالإستقلال عن إسبانيا. في بلجيكا، الخلاف مستمر بشكل متواصل بين سكان القوميتين الرئيسيتين الناطقتين بالهولندية و الفرنسية اللتين تعيشان في إقليمَي فلاندرز و والونيا. إفتقار القوميتين للإنسجام و التفاهم على العيش المشترك، يجعل الظروف السياسية في بلجيكا أن تكون غير مستقرة بإستمرار. حزب التحالف الفلمنكي الجديد (N-VA) للسكان الناطقين بالهولندية، الذي هدفه إستقلال فلاندر عن بلجيكا، حصل في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة على حوالي 20 بالمائة من أصوات المقترعين (30 مقعد من مجموع 150 مقعد في مجلس العموم البلجيكي) و بذلك يصبح أكبر حزب في البلاد، مما ستجعل البلد أن تتجه نحو التقسيم. يتكهن بعض المؤرخين و المحللين السياسيين بأن بلجيكا ستنشأ منها دولتان مستقلتان خلال 10 الى 15 سنة القادمة. في بريطانيا، هناك أحزاب أسكتلندية و إيرلندية شمالية و ويلزية تناضل من أجل إستقلال كل من أسكتلندا و إيرلندا الشمالية و ويلز على التوالي. في الوقت الحاضر يقود الحزب القومي الأسكتلندي، الذي يرفع شعار إستقلال أسكتلندا، الحكومة الأسكتلندية. في كندا، هناك حركة مستمرة في إقليم كيوبك، الذي سكانه من الناطقين باللغة الفرنسية، تطالب بالإستقلال. لا تزال إيرلندا الشمالية تواجه مشكلة العداء بين الكاثوليك والبروتستانت و التي تتسبب في حوادث الإقتتال بين الجانبَين ووقوع الضحايا بينهما. في هذه البلدان الديمقراطية المتحضرة توجد أحزاب و حركات تعمل من أجل إستقلال أوطانهم عن تلك الدول بسبب الإختلاف القومي والمذهبي، بالرغم من الحقوق التي تتمتع بها هذه الشعوب الطامحة في الإستقلال. كيف يكون الأمر بالنسبة للشعب الكوردي في الدول المُغتصِبة لبلاده الذي تعرض و يتعرض للإبادة الجماعية و الإلغاء و التعريب و التتريك و التفريس؟!
لذلك يجب أن يستوعب شعب كوردستان و خاصة أحزابه و قياداته بأن القبول بإغتصاب كوردستان و الإعتقاد بإمكانية العيش المشترك لشعب كوردستان مع الشعوب المُغتصِبة لكوردستان ضمن الكيانات السياسية المصطنعة لتلك الشعوب، هو إعتقاد خاطئ مبني على الوهم و بعيد جداً عن الواقع و أنهم في حالة إصرارهم في المضي في هذه السياسة، فأنهم يقومون بالعمل على إستمرارية العبودية التي يعيشها شعب كوردستان و سيلعنهم التأريخ و يطيح بهم الشعب الكوردستاني و يستلم زمام قراره بنفسه.
إن طرح هذه الفكرة يشبه تماماً الطرح الشيوعي لنشر أفكاره في المجتمعات الزراعية القبلية المتخلفة التي تفتقر الى الطبقة العاملة بسبب عيشها في المرحلة الإقطاعية وشبه الإقطاعية والتي فشلت فشلاً ذريعاً في أوروبا الشرقية و في العالم بأسره بسبب عدم أخذها بِنظر الإعتبار لِواقع المجتمعات المعنية. كذلك فأن فكرة الكونفدرالية الديمقراطية تلعب دوراً تخريبياً مماثلاً لِشعار الإخوة الإسلامية الذي يرفعه العرب و الفرس و الأتراك، خدمةً لمشاريعهم القومية الشوفينية للإستمرار في إغتصاب بلدان الشعوب الأخرى و من ضمنها كوردستان وذلك عن طريق التخفّي وراء مثل هذه الشعارات الخادعة.
إن رفع شعار الكونفدرالية الديمقراطية قد يكون صحيحاً على المدى البعيد جداً (بعد مئات السنين) عندما تتقدم شعوب المنطقة فكرياً وثقافياً وإجتماعياً وإقتصادياً وتكنولوجياً، وبعد أن تتحرر كوردستان من الإحتلال وتحقق إستقلالها ويتمتّع شعبها بهويته الثقافية والسياسية. عندئذ قد تحتاج شعوب المنطقة الى التعاون والتنسيق والتكامل فيما بينها لأسباب إقتصادية وأمنية وسياسية، فتقوم بإنشاء علاقة متكافئة بينها من خلال تأسيس إتحاد كونفدرالي. خير مثال على تطبيق الكونفدرالية الديمقراطية هو الإتحاد الأوروبي الذي ترتبط دولها ببعضها بنظام كونفدرالي، حيث أن هذه الدول متقدمة صناعياً وعلمياً وإقتصادياً، وتتمتع بِنظام رأسمالي ويسود فيها حكم القانون وحق المواطنة وأن شعوب هذه الدول متحضرة ومتخطية للعلاقات القبلية والأفكار العنصرية والطائفية.
إن رفع شعار الكونفدرالية الديمقراطية في الوقت الحاضر، قبل نضوج شعوب المنطقة وتقدمها وتوفر الظروف الذاتية والموضوعية لتطبيقها، يشكّل خطراً جدّياً على نضال شعب كوردستان ويُحرّف النضال الكوردستاني ويعرقله ويعمل على إفشال تحقيق إستقلال كوردستان. قبل كل شئ، يجب أن تتحرر كوردستان من الإحتلال وأن تصبح دولة مستقلة و نداً متكافئاً لدول المنطقة وبعد تحضّر وتقدم شعوب المنطقة، قد تصبح الظروف مؤاتية للتنسيق والتحالف بين شعوب المنطقة لتشكيل نظام كونفدرالي.
كما أن شعب كوردستان هو شعب مُستعمَر ووطنه مُغتصَب من قِبل عدة دول، لذلك فأنه بحاجة الى إدارة مركزية قوية لتحرير كوردستان وتأسيس دولة كوردستان. بعد إستقلال كوردستان يمكن تأسيس نظام لامركزي وتأسيس كانتونات إذا ما تطلبت الظروف.
هناك مَن يُعيب النضال الكوردستاني ويقول بأنه نضال قومي عفا عنه الزمن. النضال الكوردستاني ليس نضالاً قومياً بحتاً، بل أنه نضال تحرر وطني من إحتلال إستيطاني بشع. إن شعب كوردستان يئنّ تحت إستعمار إستيطاني و نضاله هو لتحرير وطنه من هذا الإستعمار الخبيث. كما أن شعب كوردستان مكوّن من قوميات عديدة، لذلك فأن نضاله هو نضال وطني لتحرير وطنه ونفسه بكافة مكوناته القومية والإثنية.
[1]