في كردستان العراق وإيران كانت مجلة كلاويز أعظم وأجل محرّضٍ لللغة والأدب للسير إلى الأمام. وكان القائمون على تحرير مجلة كلاويز التي صدرت وواظبت على الصدور في أعوام 1939-1949م هم: إبراهيم أحمد وعلاء الدين سجادي، وشاكر فتاح. وعند صدور العدد الأول كان إبراهيم أحمد وهو المسؤول والمدير في المجلة قد كتب مقالاً باسمه المستعار بله شرح فيه غاية المجلة وأهدافها وَرَدَ فيها:
تقويم اللغة الكردية وجعلها ضمن المعايير والمقاييس، حماية الأدب القديم، وبناء أدب كردي حديث، وترجمة كتب قيمة من الآداب الأجنبية إلى اللغة الكردية ونشرها. فإذا لم يكن لدينا حتى الآن أسلوب واضح في المنحى الأدبي فهذا يقع على عاتق المجلة دعوة الكتاب والأدباء لإبداء آرائهم في ماهية هذا التخلف عن الركب.
إضافة إلى البحوث التاريخية والاجتماعية والأدبية والثقافية ساهمت المجلة في الإرتقاء بفن القصة القصيرة مساهمة لا حدود لها... ساعدت المجلة الكتّاب، وخرّجت كتاباً في إنشاء القصة القصيرة الحديثة.. وترجمت أعمال كتاب أوروبيين.. وعلى صفحاتها ظهرت أفانين جديدة من الأدب، وأثيرت المحاورات.. وهكذا انتصب صرح جديد للكتابة النثرية. وبرزت أساليب متطورة. لقد أهدت مجلة كلاويز أدباء كباراً وأعمالاً أدبية باهرة ومدرسة أدبية غنية إلى الثقافة والآداب الكردية.
وبعض الكتاب العظام المرموقين الذين يكتبون لغتهم الكردية باللهجة الصورانية ينتمون إلى مدرسة مجلة كلاويز.
كان جمع الكتاب في مجلة كلاويز غفيراً. من هؤلاء محررون ومسؤولون في المجلة مثل: إبراهيم أحمد وعلاء الدين سجادي. وتوفي علاء الدين سجادي في تاريخ 13-12-1984م في بغداد (1905)م، وكان معروفاً بأنه أعظم ناقد وأكبر خبير في اللغة وفن القصة في أرجاء الوطن كله. له من الآثار المنشورة التي تركها علاء الدين سجادي كتابه (تاريخ الأدب الكردي) الذي صدر عام 1952م في مجلدين وما يزال معيناً غزيراً للأدب الكردي حتى الآن. ومختاراته الفولكلورية في كتاب Riseyî Mirwarî من الكتب القيمة في هذا المضمار.
وله بحوث في القصة والروايات والملاحم الكردية جمعها في كتابه Hemîşe Bihar المكتوب نثراً وعلينا ان لا ننسى كتابه النثري Geşt li Kurdistanê. في هذا الكتاب يتناول الكاتب مواضيعه بأسلوب أدبي متحدثاً عن البنية التاريخية الاجتماعية والسياسية والثقافية في مدن كردستان. وكتابه الثورة الكردية-الكرد- الكرد والجمهورية العراقية من أهم وأنفس الكتب التي تبحث في تاريخ كردستان، باللغة الكردية.
كان علاء الدين سجادي محاضراً استاذاً في اللغة والأدب- في جامعة بغداد- قسم اللغة الكردية منذ عام 1960م إلى حين وفاته.
وإبراهيم أحمد أيضاً لم يكن مهتماً باللغة والأدب وحسب مثل زميله بل مارس السياسة وناضل وكافح في ميدانها وصار شخصية سياسية ذات شأن. تسلم وظائف ومهمات جسيمة في حركة الدعوة إلى التحرر الكردي ولاسيما بعد أعوام 1940م. ساهم في تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، وبعد فترة وجيزة ترقى إلى وظيفة الأمين العام للحزب.
وفي تلك الأعوام الساخنة 1960م-1970م التي وصل فيها قمع الحريات في كردستان العراق إلى الذروة شارك زعيم الحركة والحزب مصطفى البارزاني-الخالد وأوقد نار الحرب وقاد المعارك. إنه يقيم الآن في لندن موظفاً مسؤولاً عن المجلة الأدبية الثقافية الفصلية (تصدر في كل فصل).. (Çirîka Kurdistanê).
إننا كما نرى في بلاد أخرى من العالم الثالث أن الأمر الذي يريد إبراهيم أحمد أن يبلغه- على غرار زعماء البلدان الأخرى- هو الكفاح في سبيل عمل أدبي وثقافي وسياسي موحد ودمجه في شخصية قوية من كل أطرافها.. ويمكن لنا ان نقول إن هذه الرغبة وهذا الهدف موجودان لدى جميع المتنورين الأكراد، منذ القديم.
في كردستان-في أحيان كثيرة- قد يكون أصحاب الحركات الثقافية والمتنورون والأدباء رؤساء وزعماء منظمات سياسية وقادة أحزاب... وهكذا تجتمع شخصيات متعددة في شخصية واحدة تحمل صفة الأدب والثقافة والقيادة والسياسة والوطنية. ربما اختار المتنورين هذا النهج لأنهم أرغموا وساروا عليه وعاشوا هكذا.
في أكثر جلساتنا كان إبراهيم أحمد يلقى على مسامعي هذا الحديث:
في الحقيقة أنا لم أنخرط في العمل السياسي من تلقاء نفسي أو برغبة فيه... فإن التجربة والحقيقة وأحداث البلاد، بلادنا تؤكد أن الأمور لا تسير ولا يمكن أن تعمل ولن نفلح ما لم نخلط السياسة بالأدب.
كتب إبراهيم أحمد روايته الأولى عام 1956م، إلا أنها لم تنشر إلا بعد أمد طويل عام 1972م تحت عنوان زانا كل Jana Gel، ويسعنا القول إن زانا كل Jana Gel هي أول رواية تصدر باللهجة الصورانية. لذلك فهي تُقرأ حتى الآن ويجرى الحديث عنها في كردستان كلها. ومما لا ريب فيه أن رواية زانا كل Jana Gel مثل أية رواية تصدر أول مرة لا تخلو من هناتٍ ونواقص فنية أدبية. وهي متوفرة في كثير من اللغات بعد أن ترجمت.
تتحدث الرواية عن بلد ممزق مسحوق بائس محتل لا حيلة له وعن أسرة صغيرة في ذلك البلد يطلق الكاتب على هذا البلد اسم الجزائر وأحياناً اسم كردستان... الأسرة مشتتة... عائل الأسرة (الأب) يقع في الأسر فهو رهين السجن لسبب ما منذ عشرة أعوام ونيف مات أولاده وزوجته في مدة غيابه عنهم.. لم يعد الوطن إلا أطلالاً وخرائب... لم يبق فيه حجر على حجر... القرى جميعها مهجورة خاوية... تستمر حرب ضروس ومعارك طاحنة بين المقاتلين المسلحين وبين الغزاة الغرباء.. ما أكثر ويلات هذه الحرب ومصائبها... أثخنت الحرب جروح الأبرياء.. البؤساء المظلومون يحاولون الدفاع عن حياتهم، ويقاومون... الأسر مقطعة الأوصال.. الناس متفرقون مبددون.. ومشردون.. الوطن الذي احتله الطغاة يتقيأ دماً... النضال قائم على قدم وساق لطرد الغزاة وبناء مجتمع آمن سعيد رخي، رضي البال وخلاصة القول فإن الرواية منسوجة لتؤدي هذه المعاني باللغة الدارجة اليومية وأسلوب أدبي سهل.. إن الوطن الذي يصوره إبراهيم أحمد هو نسخة عن وطنه بالذات في أيسر الحالات.(63) ومع أن الرواية ليست كاملة من حيث الفن الأدبي ولم تستوف الشروط لبناء رواية جيدة إلا أنها تلفت انتباهنا إلى معلومات جمة لها وزنها.. والرواية رغم كل الملاحظات جنس من أجناس الكتابة، وقد الممنا آنفاً بأن الكاتب إبراهيم أحمد رجل كتابة وسياسي محترف.
ولكي لا يسيطر الجانب السياسي ويطغى على الجانب الروائي يمضي إبراهيم أحمد بروايته مع كل ما تحمل من تبعات وأحداث إلى رقعة أخرى من الأرض... وبهذه الخطة يضع مسافة بينه بصفته كاتباً وبين ما يجري في الرواية. وأحياناً يمكن للمرء وصف أحداث بعيدة عنه بسهولة أكبر مما لو كانت قريبة منه.
يعتقد إبراهيم أحمد أنه إذا أراد أن تنجح روايته وتنال قسطها من فن الرواية فعليه أن يبقيها في عزلة وفي منأى عنه.
*صحيفة المدى.[1]