*مصطفى صالح كريم
كان شاباً مثقفاً ثورياً واعياً، وهب نفسه لخدمة قضية شعبه، والذي ظلت انتفاضة السادس من ايلول عام 1930 ماثلة أمام عينيه، كيف أن السلطات الحكومية اطلقت الرصاص على المتظاهرين المتجمهرين امام سراي السليمانية في ذلك اليوم؟ كان كل ذنبهم انهم طالبوا بحقوقهم القومية.
وبحكم قيادته للمظاهرة مع رفيق نضاله الشاعر فائق بيكس ،شاهد بأم عينيه القسوة التي مارستها السلطة ضد الجماهير التي طالبت بحقوقها المشروعة التي كان وجهاء المدينة قدموها في نفس العام الى الأمير غازي شخصياً، والى جعفر العسكري نائب رئيس الوزراء اللذين كانا قد حضرا الى السليمانية للتعرف ميدانياً على المطاليب التي يريدها الأهالي ،وخاصة بعد مقاطعة السليمانية للاستفتاء الذي اجرته الحكومة لمبايعة فيصل الأول. لقد طرحت الجماهير الكردية طموحاتها بصراحة وبموقف موحد رافضة محاولات مسخها رفضاً قاطعاً.
هذا الشاب الذي ترعرع في مثل هذه الأجواء وصل الى قناعة ، بأن الكرد يجب أن يتآخوا مع العرب في العراق، ليعمل الشعبان معاً لاسقاط المؤامرات التي تحاك ضدهما، بغية الوصول الى تحقيق مطاليبهم ، مع الأهتمام الجدي بالخصوصية الكردية التي هي القومية الثانية في العراق، وخاصة بعد أن شعرهذا الشاب المناضل بأن أعداء الأخوة العربية الكردية يبثون الآراء الخاطئة المسمومة عن نوايا الكرد، فكتب هذا الشاب الحقوقي الذي هو الأستاذ ابراهيم احمد كتاباً بعنوان» الأكراد والعرب» وذلك في عام 1937 الذي وصفه الأستاذ جلال طالباني « بانه وثيقة تأريخية هامة، تكشف حقيقة ان العناصر التقدمية الكردية قد ادركت وفهمت بوعي منذ أمد بعيد طبيعة وواقع العلاقات الأخوية بين الشعبين العربي والكردي ومستلزماتها وآمنت بضرورة تقويتها وتنميتها».
واختتم طالباني مقدمته التي كتبها للطبعة الثانية للكتاب عام 1961 بقوله» يقيناً ان الأستاذ ابراهيم احمد يكفيه اعتزازاً ان الأفكار التقدمية التي حمل لواءها منذ أكثر من ربع قرن، قد غدت قوة جماهيرية كبرى تتحطم على صخرتها المؤامرات».
إذاً مسألة الأخوة العربية الكردية ليست وليدة هذا اليوم، بل ان تاريخ العراق الحديث يثبت بأن الكرد كانوا دائماً سباقين لارساء دعائم هذه الاخوة، وكتيب الأستاذ ابراهيم احمد الذي كتبه قبل اثنين وسبعين عاماً خير شاهد على ذلك. واليوم ما أحوجنا لتثمين هذه الأخوة مجدداً ولقطع السبيل عن الذين يحاولون دق اسفين بين شعبينا ،خاصة الذين يحنون الى الأيام التي كان صدام حسين يحاول فيها ابادة الكرد، او يعتبرون ما يطالب به الكرد فيه نوع من المبالغة، ناسين ان الكرد المعتزين بعلاقاتهم النضالية مع الشعب العربي في العراق والذين كانوا خير سند لهم في نضالهم ضد اعداء الأمة العربية، لم يطالبوا يوماً بما هو اكثر مما يستحقونه، والحقوق التي حصلوا عليها بعد سقوط النظام اقرت بشرعيتها فصائل المعارضة العراقية إبان النضال المشترك في الخندق المشترك لاسقاط الدكتاتورية. اليوم وفي الذكرى السنوية لرحيل الأديب الكبير والمفكر والسياسي المناضل والقانوني البارع والصحفي القدير الأستاذ ابراهيم احمد، يفترض بكل من يهمه مستقبل العراق الإتعاظ من الأحداث التي مرت على العراق ،وايجابيات النضال المشترك وسلبيات بل والأثار المفجعة التي خلفتها التفرقة، واستذكار الأفكار التي تبناها فيما يخص الاخوة العربية الكردية وصواب توجهاته التي مازالت تصلح لكل آن وزمان.
خلوداً للقائد الراحل الأستاذ#ابراهيم احمد# ومجداً لأفكاره النيرة.[1]