#احمد الزاويتي#
يمكن اعتبار (قناة الجزيرة)، التي بدأت ببثها في الأول من نوفمبر من عام 1996، هي بداية مرحلة تناول القضية الكوردية من قبل الإعلام العربي بجرأة وبمهنية، وحتى ذلك التاريخ كان تناول القضية الكوردية في الإعلام العربي، يشوبه الكثير من التشويش والتشويه والموقف السلبي المسبق من القضية. فكما أرادت (الجزيرة) أن تكون جريئة ومهنية في تناول مختلف الملفات،
وتصنع إعلاما تلفزيونيا عربيا جديدا، كان من ضمن تلك الملفات الملف الكوردي. ففي بداياتها، خصصت حلقة خاصة من (الاتجاه المعاكس)، البرنامج الذي كان في وقته من أفضل البرامج الحوارية في (الجزيرة)، عن القضية الكوردية، واستضاف البرنامج الشخصية الكوردية السورية المرحوم (عادل اليزيدي)، والذي أجاد إلى حد كبير تناول الموضوع، وسيطر تماما على الحوار، وحينها سعد كل كوردي وهو يتابع الحلقة. وفي بدايات القناة أيضا، تناول الصحفي (أسعد طه) القضية الكوردية في العراق، في حلقة خاصة، في برنامجه (نقطة ساخنة)، والذي كان من أفضل البرامج الوثائقية في (الجزيرة). ومن ثم عمل الزميل (ياسر أبو هلالة) (المدير الحالي ل(قناة الجزيرة) العربية)، فِلماً وثائقيا عن الكورد والفيدرالية، بداية 2004، وهو الذي كتب قبل أشهر قليلة من الآن، مقالا بعنوان (لماذا الخوف من الدولة الكوردية؟)، لا أظن بمقدور كوردي أن يعمل مثل ذلك الفلم الوثائقي، ولا أن يكتب مثل ذلك المقال، الذي كتبه (أبو هلالة). هذا فضلا عن تناول القناة للخبر الكوردي ك(خبر)، ومحاولة تناوله من وجهة نظر إخبارية، كانت مفقودة تماما في الإعلام العربي قبل (الجزيرة).
(الجزيرة) والقضية الكوردية ما بعد 2003
أرسلت (الجزيرة)، قبل كل قناة عربية أو عالمية أخرى، موفدا ثابتا لها إلى (أربيل)، حتى قبل بدء الحرب الأمريكية على العراق، آذار عام 2003، وكان ذلك (وضاح خنفر)، الذي غطى الحرب من (أربيل)، وكان هو النافذة الكوردية اليومية إلى المشاهد العربي عبر (الجزيرة)، ومن خلاله أطلت القيادات الكوردية العراقية، والنخب السياسية، بشكل يومي، على المشاهد العربي. ومن خلال تلك النافذة اطلع المشاهد العربي على التجربة الكوردية، التي كانت غائبة عن ذهنه، وجعل (وضاح خنفر)، ومن خلال أربعين يوما في كوردستان العراق، من القضية الكوردية محمل اهتمام الإعلام العربي، الذي بدأ يقلد (الجزيرة) في الاهتمام بهذه القضية. وعندما انتقل (وضاح خنفر) ليصبح مديرا لمكتب (الجزيرة) في (بغداد)، لم يترك كوردستان بدون (الجزيرة)، فقد ولى من خلفه من كان يساعده في تغطيته للشأن الكوردي، وهو صاحب هذا المقال. وحتى عندما أصبح مديرا عاما ل(الجزيرة)، كانت القضية الكوردية من ضمن اهتمامات (خنفر)، إلى درجة توقيعه مذكرة تفاهم خاصة بين (الجزيرة) وبين رئيس إقليم كوردستان (مسعود البارزاني)، عندما زار (القناة) في (الدوحة). وقد احتفظ (وضاح) بوده لكوردستان العراق، حتى بعد أن ترك (الجزيرة)، وصار يزورها بين الحين والآخر، وأصبح يمتلك علاقات وثيقة مع النخب والسياسيين الكورد، بمن فيهم رئيس الإقليم (مسعود البارزاني).
(الجزيرة) – مكتب أربيل
(مكتب الجزيرة) في (أربيل)، الذي تأسس عام 2004، يملك أرشيفا ضخما، يمتد لتغطيات أكثر من عشر سنوات للأحداث والمناسبات في إقليم كوردستان العراق، فآلاف من التقارير الخبرية، وأضعاف ذلك من المقابلات مع النخب الكوردية والسياسيين، ومئات من البرامج التي خصصت عن القضية الكوردية، والتي من خلالها اطلع المشاهد على تفاصيل التجربة الكوردية، والتي أصبحت جزءا أساسيا من الواقع السياسي في المنطقة. فكان الاهتمام بالحدث والشأن السياسي، ومن ثم الفني، من موسيقى وغناء وشعر وسينما، والشأن الحياتي اليومي، والشأن الرياضي والعادات والتقاليد والنشاط النسوي. وحتى بعد منع (الجزيرة) في (العراق)، احتفظ (مكتب الجزيرة) في (أربيل) بوجوده، وكان لمكتب أربيل الدور الكبير كي تكون (الجزيرة) حاضرة وبقوة في كوردستان، والقضية الكوردية حاضرة على شاشة (الجزيرة)، فأحداث (حلبجة)، و(الأنفال)، غطت (الجزيرة) مناسباتها، رغم أنها كقناة لم تكن موجودة عند حدوث تلك المآسي، في ثمانينيات القرن الماضي، وقد غطتها (الجزيرة) كمناسبات يحييها الكورد، بعد مرور أكثر من عشرين سنة عليها.
(الجزيرة) و(حزب العمال الكوردستاني)
(حزب العمال الكوردستاني)، الذي شوهت كثيرا صورته في الإعلام العربي، والعالمي، وكان عالما مجهولا بالنسبة للمشاهد العربي، كان ل(الجزيرة) الفضل بالدخول إلى مواقعه منذ عام 2003. وكان أول جهاز بث مباشر يدخل مواقع الحزب نهاية عام 2003، هو جهاز (الجزيرة)، لتنقل مباشرة مؤتمر الإعلان عن منظومة المجتمع الكوردستاني في (جبال قنديل). ومن ثم بدأت جولات (الجزيرة) في مواقع الحزب، تلك الجولات التي أزعجت (تركيا)، و(العراق)، بل حتى السلطات في (إقليم كوردستان). وكما كان السبق يعود للجزيرة في إدخال أول جهاز بث مباشر لمواقع الحزب، كان للجزيرة السبق أيضا في عمل أول فلم وثائقي بعنوان (دولة الجبل)، عن (حزب العمال الكوردستاني)، بث لثلاث مرات عام 2006، والذي يظهر الحزب كحركة نضالية، ومجتمع متحضر، يعيش في الجبل، لا كحركة إرهابية، كما كان يصفه الإعلام قبل ذلك. ناهيك عن مقابلات لبرنامج (لقاء اليوم)، مع قيادات الحزب العليا، ك(مراد قرايلان)، و(باهوز آردال)، وغيرهما، وللعديد من المرات. ولم يمر قصف -سواء إيراني، أو تركي- لمواقع الحزب، إلا وكانت (الجزيرة) هناك، لتنقل الحدث، مما غير من موقف المشاهد والقوى السياسية مما يجري هناك.
(ملا مصطفى البارزاني): قصة ثورة وعلاقة
100 دقيقة وثائقية عملت كفلم وثائقي عن تاريخ النضال الكوردي لمائة عام، تناولت الثورات في (تركيا) ل(الشيخ سعيد بيران)، و(العراق) ل(الشيخ محمود الحفيد)، و(إيران) ل(القاضي محمد) وقبله (سمكو شكاك)، ووصولا إلى (ملا مصطفى البارزاني)، الذي كان حلقة وصل بين كل تلك الثورات، وما أعقب ذلك من ثورة، بدأت واستمرت لأكثر من نصف قرن، لتوصل القضية الكوردية في (العراق) إلى ما وصلت إليه اليوم. ذلك الفلم بجزأيه: (ملا مصطفى البارزاني: قصة ثورة)، و(ملا مصطفى البارزاني: قصة علاقة)، بث عام 2007. ذلك الفلم الذي قال فيه أحد النقاد العرب بأنه أول فلم وثائقي عربي يبرز شخصية (ملا مصطفى البارزاني) على حقيقتها، وبهذه التفاصيل! ذلك الفلم الذي غير الكثير من المفاهيم عن هذه الشخصية، وعن حقيقة القضية الكوردية، عند المواطن العربي.
(الجزيرة) الآن
(الجزيرة) هي القناة العربية، وربما العالمية، الوحيدة، التي تمتلك مكتبا ثابتا، يديره كوردي، منذ عشر سنوات، وتمتلك أربعة مراسلين كورد، وأكثر من 10 صحفيين، من مصورين ومنتجين ومونتيرين، ويمتلك أكثر الأجهزة تطورا، من كاميرات تصوير، وأجهزة البث المباشر، وحاسبات مونتاج، واستوديو، تخصص بين الفترة والأخرى لتقديم النشرات الإخبارية من (أربيل) نفسها، وبتقديم أشهر المذيعين، وذلك في مناسبات، كالانتخابات وغيرها. وفي هذه الأثناء تبرز (الجزيرة) (أربيل) كعاصمة لها دورها الفعال في المنطقة، وكلاعب سياسي مهم في الأحداث، حيث (أربيل) هي التي تدير الحوارات مع (بغداد) و(عمان) و(أسطنبول)، وغيرها من المناطق، في تلك النشرات الخاصة من (أربيل).[1]