أهمية الخيار الثالث (المغيّب) في الحركة الكوردية
محفوظ رشيد
باجتياح التغييرات المؤلمة للمنطقة وتفاقم الأزمة في سوريا وتدويلها، ودخول المجاميع المسلحة كداعش وأخواتها في الصراع الدائر بين الأطراف المتنازعة، خلقت ظروفاً استثنائية صعبة وحرجة ومعقدة، أرغمت شعوب المنطقة (ولا سيما الشعب السوري) على الانخراط في خنادق لم تختارها، والاصطفاف في محاور لم ترغب بها، وفقاً للانتماء القومي أو الديني أو المذهبي أوالمناطقي…إلخ، حيث اختفى التنوع والتعدد في الرأي والموقف، وانحصر الخيار بين لونين لا ثالث لهما غير محددين في الزمان والمكان والشكل والأسلوب…،لأن منطق الاكراه هو المسيطر والسائد.
بعد هذا التصاعد الخطير للأحداث وما نجمت عنها من عواقب مأساوية وتداعيات وخيمة من قتل ودمار ونزوح..، وبعد مراجعة موضوعية للبدايات والتطورات اللاحقة، ودراسة تحليلية للأسباب التي أثارت الأوضاع وفجرتها، نجد أن غياب الخط الثالث (الخيار الثالث) الوسطي العقلاني والواقعي.. لدى العامة والخاصة ، كان أحد العوامل الهامة في تأجيج الصراع وتعميق الجراح بين طرفي التنازع والتسابق نحو استحواذ السلطة والثروة وتنفيذ أجندات القوى العظمى المتنفذة غير آبهين بحجم الضحايا والخسائر وهول المعاناة والمأساة..، التي لحقت بكل جماعة (طائفة أو قومية أو ديانة أو منظمة ..)وبفظاعة الانتكاسات وفداحة الاخفاقات التي أودت بقضاياها الانسانية والقانونية والأخلاقية ..وفي كل موقعٍ وساحةٍ واقليمٍ…
فما أهمية وجدوى الخيار الثالث؟؟
– يصطلح الخيار الثالث على حمل العصا من الوسط(كما يقال) لتحقيق التوازن والحماية من إجهادات الشد والضغط (الخارجية والداخلية) المطبقة على طرفيها المعرضين للعطب والتلف.
– الخيار الثالث يعني الوقوف في المنطقة الرمادية للحفاظ على خاصية وفاعلية اللونين (الأبيض والأسود) وعلى تفاعلهما الهادئ وتنافسهما الآمن بانسجام وتكامل..ومنعهما من التصادم والتنافر، وبالتالي عدم إنتاج الكوارث والنكبات.
– الخيار الثالث هوالمنهج والسلوك والأسلوب في التنظيم والتفكير والإدارة والقيادة للحفاظ على الأصول والجذور والأسس بغض النظر عن الأطر وأسمائها وهيكلياتها وامتداداتها.
– الخيار الثالث يتجسد في القائم بين الخيارين الأول والثاني المختلفين والمتخاصمين بحدية ودموية، فهو الحياد بين اليمين واليسار، والمعتدل بين المتطرف والمحافظ، والفاصل بين الموالاة والمعارضة، والوسط بين القاسي والمرن، والقاسم بين الصقور والحمائم،…
– الخيار الثالث يكمن في ممارسة الديمقراطية والحيادية والشفافية.. وسط الفرقاء والأصدقاء والأشقاء (المختلفين والمتنافسين) بودية وسلمية، والبقاء على مسافة واحدة من الجميع لتشكيل القاسم المشترك من الرؤى والمواقف في سبيل خدمة المصالح العامة العليا والقضايا المركزية السامية سواء كانت الوطن أو الدين أو الانسان..
– يتلقى الخيار الثالث الانتقادات والضغوطات من الطرفين المتصارعين ويمتصها، كي يحافظ على استقلاليته، ولا ينجر إلى مواقع يقلّل من مصداقيته ونزاهته، ويخلّ بأدائه وعطائه، ويحدّ من نشاطه ودوره، لأن مهمته الاجماع والاحتواء والاستعاب.
– يعبّر الخيار الثالث عن صوت الأغلبية الصامتة، والنخب الواعية والملتزمة (الشريفة والغيورة والوفية..)، حيث ينبغي دعمه وتوسيعه وتطويره لأجل الصمود وامتلاك الذات والقرار وتحقيق الحرية والاستقلالية..،وبالتالي الحد من غطرسة وهيمنة المتصارعين وتغولهما.
– يعتبر الخط الثالث المحطة التي لا بد أن يمر بها كل متحرك ليخمد من عنفوانه واندفاعه، ويضبط وتيرته وايقاعه كي تستمر الحركة، فيكمل المسيرة بسلاسة وسلام، دون إعاقة أو تصادم.
– الخيار الثالث هو الحاضن للطاقات والخبرات، والراعي لكل الأجزاء والمكونات..، والناظم لها على كافة الأصعدة والمناحي ..
– الخيار الثالث هو القاعدة العريضة والصلبة لأي حراك مهما كان شكله ولونه، بفعل خصائص كوادره الراقية من جرأةٍ وصبرٍ وحذرٍ وبعد نظرٍ، والذين يتفاعلون مع الأحداث بوعيً وحنكةً وجديةً ومسؤوليةً واخلاصٍ.. بعيداً عن الانفعال والارتجال والمغامرة والانتقام وردّات الفعل غير المحسوبة في عواقبها وانعكاساتها، أو الامتثال لأوامر القوى الحليفة والداعمة لها لتنفيذ أجنداتها بقصد أو غير قصد.
– الخيار الثالث ضروري لتجميع مفرداته ومركباته وإنقاذها من الابتلاع والضياع، واستعادة مواقفها وقدراتها من الاستلاب والاغتصاب من قبل الخيارين الاول والثاني ، والتحرر من سيطرتهما على أنهما قائدا الضرورة والمرحلة، والوصيين على مجمل نشاطاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية…استثماراً لأجنداتهما المخفية والمعلنة.
– يعتبر الخيار الثالث صمام الأمان والضمان للحاضر والمستقبل، لأنه الحامي للخط العام والاتجاه الصحيح والسليم نحو الطموحات والغايات بأقل الخسائر والتكاليف بفضل كفاءاته وخبراته.
– يتقاطع الخيار الثالث عضوياً وحركياً مع الأول والثاني ويتحد معهما عند المواقف المصيرية وأمام الأخطار المحدقة والكوارث الداهمة للحفاظ على الوجود والحدود.
– الخيار الثالث كوردياً (في سوريا) مطلب وحاجةٌ للحفاظ على خصوصيته بشكل معتبر ومستقل في اطاره القومي والوطني والأقليمي والدولي مع الالتزام بقواعد التعاون والتنسيق مع الأشقاء والأصدقاء والحلفاء والشركاء على أساس الاحترام المتبادل للمصالح والحقوق والواجبات.
– إعلان الخيار الثالث في الساحة الكوردية السورية ، قابل للتحقيق عبر تأطير كافة أنصاره وأصحابه المشتتين والموزعين بين المحاور المختلفة، وقادرعلى النهوض والحياة في الحالة الراهنة وطنياً وقومياً بتوفير الإرادات وإخلاص النوايا لأن الشروط والموجبات موجودة على أرض الواقع والظروف الموضوعية مواتية كي يصبح جزءاً فاعلاً ومؤثراً في الحراك، وحراً مستقلاً سيّدَاً نفسه مقرّراً مصيره، متجاوزاً كل وسائل الترغيب(بالمال السياسي) والتهديد(بالسلاح) والتحريض (بالاعلام) بغض النظر عن هوياتها ودوافعها و مشاريعها في الداخل والخارج.
– إحياء الخيار الثالث وبلورته وتفعيله ضمن الحركة الكوردية هام وضروري لظهور بوادر الفشل لدى الخيارين في توحيد الخطاب والصف الكورديين، وعدم وضوح الرؤى والأهداف والنوايا، وغياب الأساليب والآليات المجدية والفعالة، وعدم الوثوق بمشاريعهما لغياب الضمان والاطمئنان، في ظل تعقيدات الظروف وتدهور الأوضاع وتزايد الأضرار ميدانياً من خلال النزيف المتصاعد بشرياً واقتصادياً.. ، وبالتالي الخوف من الاخفاق في تحقيق أي مكسب للشعب الكوردي ضمن المرحلة المصيرية والمفصلية الراهنة.[1]