اعداد : الدكتور #محمد علي الصويركي# - كاتب ومؤرخ كردي من الأردن
$بنو سيفا.$
يعرفون بآل سيفا وهم حكام طرابلس الشام في شمالي لبنان ردحاً من الزمن، وهم أكراد الأصل ينسبون الى المقدم جمال الدين الملقب بسيفا، نزحوا من كردستان واستوطنوا في سهل عكار وطرابلس في شمالي لبنان، وتولوا الحكم في طرابلس حتى علا شأنهم، ولعبوا دوراً فاعلاً في تاريخ لبنان السياسي خلال العهد العثماني، وكانت لهم صدامات وصراعات مع المعنيين في جبل لبنان.
اشتهروا بالكرم والأدب، ولا يزال لهم في مدينة طرابلس أوقافاً كثيرة باسمهم يقتسمون ريعها مع (آل الشهال)، وغيرهم ممن يمتون لهم بهذا النسب.
ومما يؤكد أصول (آل سيفا) الكردي ما ذكره الباحث (إبراهيم بك الأسود) بقوله: “أنهم أمراء أكراد، استقرت لهم الإمارة بين الأعوام 1528و1579م، عندما رقي الأمير يوسف بن سيفا سنة 1579م إلى رتبة وزير، وعين والياً على طرابلس”. وكذلك ذكر المؤرخ المعروف (فيليب حتي) بقوله: “انتقل الحكم بعد بني عساف إلى منافسيهم بني سيفا في عكار، وكان بنو سيفا من أصل كردي، وقد اتخذوا من طرابلس مقراً لهم…”.
زار الرحالة اللبناني (رمضان العطيفي) مقرهم في طرابلس وقال: “أن أخبار بني سيفا بالمكارم والكرم، وإسداء الفضل إلى أهل الفناء والعدم أشهر أن تذكر، حتى كان يقصدهم المحتاج وغير المحتاج من سائر البلاد”.
وقال الباحث (عبد الله نوفل): “آل سيفا المشهورين بالكرم والأدب، كانت لهم العزة الزاهرة، والدولة الطاهرة، حتى صاروا مقصد كل شاعر، ومورد كل مادح، وكانوا يعطون أعظم الجوائز، وهم أكراد نزحوا من بلادهم واستوطنوا عكار، ومنها تولوا الحكم في طرابلس، ومنهم آل الشهال…”.
امتد حكم هذه الأسرة الكردية على المنطقة الواقعة بين نهر الكلب ونهر إبراهيم في شمالي لبنان خلال القرن السادس عشر الميلادي، وقد رقي أحد كبارهم (يوسف باشا ابن سيفا) الى رتبة وزير وعين واليا على حاكمية طرابلس الشام من قبل الدولة العثمانية عام 1579م، وجرت بينه وبين الأمير فخر الدين المعني الثاني العديد من المعارك والتحالفات عبر سنوات طويلة، وأدت تلك الحروب والوقائع بينهما إلى خراب طرابلس ونهبها مرتين، وتوفي عام 1624م.
تولى الحكم بعده الأمير حسين بن يوسف باشا، الذي تولى في عهد والده كفالة طرابلس الشام، ثم عزل عنها، ثم ولي كفالة (الرها = أورفا بكردستان تركيا اليوم)، ثم تركها، وقدم مدينة حلب، لكن واليها المدعو (محمد باشا قره قاش) لم يكن يوده، فقبض عليه بالحيلة، وسجنه في قلعة حلب، ثم خنقه هناك بأمر من السلطان العثماني، وبعث بجثته إلى والده في مدينة طرابلس الشام سنة 1026ﮪ /1617م، وهناك بكت عليه جماهير كثيرة؛ لشجاعته وبطولته، ولم يكن يتجاوز الثلاثين عاماً.
كما برز منهم الأمير محمد بن الأمير علي السيفي الطرابلسي الذي تولى الحكم في طرابلس بعد الأمير يوسف باشا السيفي، وكان من أهل الأدب والفضل، له فضائل جمة، ومعارك ووقائع مع الأمير فخر الدين المعني.
قال عنه المؤرخ محمد المحبي في كتابه (خلاصة الأثر): الأمير محيى القريض الكثير، توفي مسموماً وهو مسافر إلى بلاد الروم في قونية (مدينة بتركيا) عام 1032ﮪ، مما تسبب بانهيار البيت السيفي بعده، وقد رثاه الشاعر حسين بن الجزري فقال:
ولما احتوت أيدي المنايا محمد آل أمير ابن سيفا طاهر الروح والبدن
تعجبت كيف السيف يغمد في الثرى وكيف يواري البحر في طيه الكفن
وقد خشي العثمانيون من خطرهم، فقاموا بتحريض بعض الولاة ضدهم، وفي عام 1640م بادر متصرف طرابلس (شاهين باشا) إلى قتل الأمير عساف سيفا زعيم الأسرة آنذاك، ثم قضى على جميع أفرادها ومحقهم تقريباً.
ومن رجالاتهم الشيخ محمد بن محمد بن علي بن يوسف بن محمد بن رجب بن سعد الدين باشا المنسوب لبني سيفا الأكراد في طرابلس الشام، المولود فيها 1868م، عمل مدرساً للغة العربية في طرابلس، ألف رسالة في علم الفلك، وفسر القرآن الكريم بأسلوب مختصر، وألف رسالة عن (دود الحرير وتربيته وحفظه)، ونال على ذلك جائزة من الحكومة العثمانية مع الميدالية الذهبية، ثم ألف رسالة في (كيفية استخراج الزيوت من النباتات)، وله (مختصر رسالة في علم المعاني والبيان)، وكانت له خدمات وطنية تذكر بالشكر، توفي سنة 1918م.
استمرت هذه الأسرة تكبر وتقوى حتى غدت ذات قدرة وبأس، واستمرت في حكم طرابلس حتى الأربعينات من القرن السابع عشر، ويعتبر حكم (آل سيفا) عهداً ذهبياً بالنسبة لمدينة طرابلس في لبنان.[1]
يتبع…..
(صور قلعة ال سيفا بطرابلس لبنان).