عبد اللطيف موسى
من خلال القراءة المُستفيضة في متابعة الأحداث والمستجدات المتسارعة على المشهد في الشرق الأوسط بالعموم وسوريا على وجه الخصوص، نلاحظ بأن جوهر الصراع يكمن في الأزمة والتنافس على فرض الأجندات وكسر الإرادة، والتسلسل عبر الأفكار والايديولوجيات في خلق مستجدات وظروف تكون العامل الأساسي في تهيئة المناخ بكل أبعاده في تغذية الصراع عبر وضع الخطط والستراتجيات في تحقيق الاجندات من قبل الدول المتحكمة في الصراع في سوريا.
ليعلم القارئ العزيز بأن الصراع في سوريا صراع دولي بامتياز، لا يملك الشعب السوري القرار فيه، بل يُعد كونه الجزء والوسيلة والأداة المستغلة من الأزمة في بلاده.
منذ بداية الأزمة في سوريا في آذار 2011 قاد الشعب السوري أزمته تحت مسميات عديدة كالثورة والإنتفاضة متأثراً بأفكار الديمقراطية، ولكل شعب الحق في تقرير المصير، معتمداً على عفويته التي حاول النظام السوري سلبه على مدى خمسين عاماً، الأمر الذي كان بمثابة العامل الأساسي في عجزه عن إدارة أزمته في بلورة أفكاره، مما جعله لقمة وفريسة سهلة في التحكم به من قبل الايديولوجيات المستوردة التي لا تناسب المجتمع السوري وقيمه الأصيلة في التعايش السلمي.
الشعب الكوردي في #كوردستان# سوريا وجد نفسه في خضم تلك الأزمات من دون أرضية مناسبة في الإستفادة من إرثه النضالي في مواجهة الظلم والدكتاتورية، والمطالبة في الحرية ليكون مقسماً بين أفكار وإيديولوجيات حزبية في عدم القدرة على قراءة الواقع والتعامل السليم مع الأحداث.
من حسن حظ الشعب الكوردي في كوردستان سوريا توفر المرجعية الرشيدة الأمر الذي افتقدته باقي مكونات سوريا، وتتمثل تلك المرجعية في الرئيس مسعود بارزاني الذي يقود المشروع القومي الكوردستاني في أجزاء كوردستان الأربعة، وفي محاولة من شخصه الكريم ومستنداً على واجبه القومي كان له الفضل الأكبر في توحيد الخطاب السياسي في كوردستان سوريا عبر تشكيل #المجلس الوطني الكوردي#، لتكون الحاضنة الأساسية للنضال السلمي في تجسيد أفكار محاربة الظلم والدكتاتورية والمطالبة بالحرية والنضال، أسوة بالمكونات الأخرى في سوريا، وللمشاركة في النضال والقرار في إدارة الأزمة عبر جسم يلبي تطلعات الشعب الكوردي في كوردستان سوريا.
في ظل الفترة التي واكبت تشكيل المجلس الوطني الكوردي اصطدم أداءه بمجموعة من العوامل تتلخص في عدم القدرة على مواكبة التطورات والمستجدات المتسارعة، والصعوبة في القراءة الصحيحة للواقع السياسي والاقتصادي والثقافي الذي تمر به كوردستان سوريا، ومن أهم العوامل التي واجهت أداء المجلس الوطني الكوردي الحملة الشرسة التي واجهته من قبل الحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) للاختلاف الكبير في الأيديولوجية والستراتيجية ومشروع العمل في كوردستان سوريا.
والعامل الاخر الذي أثر على أداء عمل المجلس الوطني الكوردي عدم أمتلاكه ستراتيجية اكاديمية مبنية على الأسس العلمية في الإستفادة من الطاقات الحيوية، الأمر الذي لم يستفد منه المجلس في قراءة المستجدات بصورتها الصحيحة، ومن العوامل الأخرى التي شكلت عائقاً أمام أداء المجلس عدم قدرته في العمل المؤسساتي في تنظيم عمله من خلال العجز عن تفعيل مكاتبه، لتشكل تلك المكاتب في حال تفعيلها الأداة في تنظيم عمل المجلس والبنية في تحقيق خدمات أفضل للشعب في كوردستان سوريا.
ومن العوامل الأخرى التي شكلت عائقاً أمام أداء المجلس عدم امتلاك الإرادة في الإستفادة وافساح المشاركة للكثير من فئات المجتمع الأخرى من خلال تهميش الشباب والطلبة والمرأة والعقول الأكاديمية من أطباء واستاذة، ذلك العامل كان له الدور الكبير في عزوف تلك الفئات عن المشاركة في المجلس، وترك المجلس مترهلاً في عدم القدرة على الأداء الايجابي، ناهيك عن عوامل أخرى لا أريد الخوض في خضمها للاطالة من خلال المحسوبية والفساد وعدم تقبل الاخر والديماغوجية والأنا وحب الذات، ومزاجية البعض من مسؤولي المجلس في العمل لخدمة أجندات حزبية شخصية على حساب أجندات المجلس ونظامه الداخلي، وعدم افساح المجال للمستقلين والتكنوقراط للعمل، وعدم الثقة بالنفس وعدم الرغبة في ترك المسؤولية والنظرة الخاطئة لها بأنها تشريف وليس تكليف في خدمة الشعب في كوردستان سوريا.
إنها الكثير من العوامل التي جعلت من المجلس الوطني الكوردي يعاني من حالة الترهل والتقوقع في الحلقة المفرغة في عدم القدرة على مواكبة التطورات والمستجدات المتسارعة التي تعصف بالمنطقة عموماً وكوردستان سوريا على وجه الخصوص.
من خلال عرض المعوقات التي وقفت حائلاً أمام أداء المجلس الوطني الكوردي للقيام بدوره التاريخي والنضالي القومي في تحقيق الآمال المعقودة عليه من قبل الشعب الكردي في كوردستان سوريا، لابد من وضع جملة من الأمور على شكل مقترحات وتوصيات برأيي المتواضع ما يمكن المجلس الوطني الكوردي من الإستفادة منها في تفعيل وتصحيح أداءه في تلبية طموحات المكونات كافة في كوردستان سوريا، ولاسيما المجلس على أعتاب مؤتمره الذي يجب أن ينظر إليه كمؤتمر الإصلاح وإعادة الهيكلية التنظيمية والفكرية عبر تعزيز مفهوم الإرادة والتصميم في العمل لتطوير أداء المجلس.
ان المجلس الوطني الكوردي في سوريا يقف أمام تحديات كبيرة تكمن في مواجهة الأحداث والتطورات التي تعصف بالمنطقة منها التغيير الديمغرافي والهجرة وواقع التعليم والصحة المتردي ومحاولات كسر الإرادة وطمس الهوية وهدم ملامح المجتمع والتهديدات الخارجية في تنفيذ الاجندات الإقليمية والدولية.
كلها تحديات لابد للمجلس الوطني الكوردي في كونه الممثل الشرعي لشريحة واسعة في كوردستان سوريا تكمن في تحقيق التطلعات من خلال وضع ستراتيجية واضحة مبنية على خطط ممنهجة مستندة على الأكاديمية العلمية في المساعدة على مواكبة التطورات المتسارعة والظروف التي تعصف بالمنطقة وكوردستان سوريا، وكما يجب على المجلس الوطني الكوردي في سوريا تعزيز مرجعيته القومية والوطنية في المساعدة على القراءة الصحيحة للواقع السياسي والتعامل بمهنية دبلوماسية مع الأحداث والظروف.
لابد للمجلس الوطني الكوردي في سوريا من افساح المجال أكثر أمام فريقه في العلاقات الخارجية في تعزيز مكاسبه الدولية اكثر في وضع حقوق الشعب الكوردي على طاولات رسم القرار العالمي من خلال تثبيت حقوق الشعب الكوردي في كوردستان سوريا في الحلول الدولية، وفي الدستور السوري الجديد، ووضع كل المهتمين بالقضية في كوردستان سوريا أمام الصورة الصحيحة لها.
تفعيل مؤسسات المجلس الوطني الكوردي والاستفادة من كافة الطاقات والخبرات والوسائل العملية، ولابد من افساح المجال أمام كافة المكونات في كوردستان سوريا من المشاركة في النضال من خلال مؤسسات المجلس الوطني الكوردي بما فيهم المنظمات الشبابية والطلابية وتعزيز دور المرأة، وتشجيع المستقلين للقيام بدورهم في المجلس الوطني الكوردي.
المجلس الوطني الكوردي في سوريا مطالب بوضع خطط أكاديمية لمواجهة الظروف والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتربوية التي تواجه الشعب في كوردستان سوريا، كما ولابد للمجلس الوطني الكوردي من تعزيز مؤسساته العسكرية (قوات روز) لتكون الضامن في حماية المكتسبات القومية والوطنية، وتوفير الأمن والأمان والأستقرار لجميع المكونات، ولابد للمجلس الوطني الكوردي من تعزيز الوعي في عدم الانجرار للمؤامرات التي تستهدف الفتنة والسلم الاهلي.
في المحصلة يمكن القول بأن المجلس الوطني الكوردي في سوريا في كونه الممثل الشرعي للكورد في كوردستان سوريا يتوجب عليه تحمل مسؤوليته التاريخية في تفعيل أدائه، وتطوير عمله في القدرة على مواكبة التطورات والمستجدات المتسارعة التي تعصف بالمنطقة وكوردستان سوريا عبر الاستفادة من الرعاية المباشرة للرئيس مسعود بارزاني.[1]