لقد أظهرت زيارة السيد مسعود بارزاني رئيس إقليم كوردستان الى الأردن بعد انتخابات 30 نيسان و الى أوربا خلال الأيام القليلة الماضية، أن الوضع المستقبلي للعراق يتطلب بالنسبة لجميع الأوساط الدولية أن تدرك جيداً وجهة نظر رئيس إقليم كوردستان، و أكثر من ذلك مستوى الاستقبال الذي يلقاه و يصور للعالم، مديات دولة كوردستان للأمر الواقع لأن كل القراءات بصدد الرئيس البارزاني على مستوى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، و كما لاحظنا ذلك في استقبال رئيس الجمهورية الفرنسية له مؤخراً، تشير الى أن الأوربا و العالم أيضأ فهماً جديداً إزاء إقليم كوردستان و تدرك جيداً أن السياسة الفاشلة التي اتبعتها الحكومة العراقية على مدى الأربع سنوات الماضية، فضلاً عن كونها تسير بأوضاع العراق من سيء الى أسوء، و إنما تجعل استقلال كوردستان شيئاً حتمياً، و للحديث عن زيارة الرئيس البارزاني الى أوربا و قرار الإقليم ببيع نفطه و مستقبل إقليم كوردستان مع العراق و حث الخطى لتأسيس دولة كوردستان فقد حاورنا السفير بيتر كالبريس و كان هذا اللقاء الخاص :
* منذ 6 أشهر و المالكي يقطع حصة إقليم كوردستان من الموازنة العامة للدولة العراقية، و قررت حكومة الإقليم بالمقابل، بيع نفطها و كان البيع قبل بضعة أيام، و بصورة رسمية الى ايطاليا و ألمانيا، فكيف قراءتكم لمجريات و تداعيات هذه المسألة ؟
- هذه في الواقع خطوة ايجابية جداً فإقليم كوردستان يمارس بذلك حقه وفق الدستور العراقي الذي يضمن له السيطرة على كامل نفطه لأن الدستور واضح في مسؤوليات الأقاليم في النفط المستخرج من حقولها الجديدة، كما أن موقف المالكي كان مدمراً و غير عقلاني و المعروف ان نجاح الفدرالية يتطلب أن تكون للإقاليم مصادر و هو ما يمارسه إقليم كوردستان الآن ما يمنحه مصدراً يمكنه من اتباع طريق غير العراق إذا لم يوافق على احترام حقوق الإقليم .
* و إلى أي مدى تكون الزيارة الأوربية الحالية للرئيس البارزاني ( الى المانيا و إيطاليا و فرنسا ) طريقاً لضمان الدعم الأوربي لإقليم كوردستان ؟
- لقد التقى الرئيس البارزاني (مؤخرا) الرئيس الفرنسي هولاند و كان ذلك اجتماعاً كبيراً و الواقع يقول أن العلاقات السائدة في عراق اليوم هي غير ناجحة، مع وجود تفهم كبير في أوربا و الولايات المتحدة بأن عرب العراق لا يحترمون فكرة الإدارة الذاتية لإقليم كوردستان و على الإقليم، وفق هذا التفهم، اجراء ترتيبات جديدة ما يجعلني مؤمناً بأن الناس في أوربا و الولايات المتحدة أيضاً يعترفون بحقيقة أن استقلال كوردستان هو أمر حتمي، هذا في الواقع هو الموضوع المستمر ما يدفعنا للتساؤل : متى يحدث ذلك أو هل تتم ترتيبات جديدة مع العراق ؟ بحيث يبقى الإقليم في ظله كياناً ذا سيادة و برأيي أن الرئيس البارزاني يشرح سبب فشل العراق .
* و فيما يتعلق بالزيارة الأخيرة لرئيس حكومة الإقليم نيجرفان بارزاني الى المملكة المتحدة، ترى ما هي اهمية مساندة بريطانيا لنا ؟
- إن وجود علاقات اقتصادية دولية مع باقي دول العالم هو مسألة مهمة كما أن بريطانيا هي الأخرى قوة مهمة في العالم، و لو أردتم إدارة شؤونكم بأنفسكم فإنكم تحتاجون الى نظامكم المالي و ترتيباتكم المصرفية الذاتية .
* و ما الذي يتبقى من علاقات بين الإقليم و بغداد بعد بيع نفط الإقليم، أو ليست خطوة جدية للانفصال التام عن بغداد ؟
- نعم من شأن ذلك أن يضمن للإقليم مصدره المالي الذي يمكنه من الانفصال عن بغداد، وهو رغبة تعتمر صدر كل كوردي، لا بل أن بغداد هي التي تدفع بالكورد للانفصال، لأنها عجزت أو رفضت تنفيذ الدستور و كان الإقليم مستعداً، لبذل مساعيه الجدية للتوصل الى اتفاق معها، وهو الذي ساند الدستور أيضاً وبالمقابل كان طلبهم الوحيد هو احترام حقوق الاقليم و هي حقوق لم ترض بها بغداد . فيما أصبح الإقليم اليوم في وضع من القوة بحيث أصبح يتقدم باستمرار و يمارس حقوقه المشروعة، و كان أن استجد الوضع الذي ترونه الآن، وهو موضوع ثابت ليس بالإمكان التراجع عنها الى الوراء.
* وسط عدم موافقة الكورد و السنّة و الصدر و الحكم على تولي المالكي زمام السلطة لدورة ثالثة، فيما ينشغل هو بتشكيل أغلبية سياسية تضمن له تشكيل الحكومة من جديد، أ ولا يعني ذلك السير بالعراق نحو الظلمات و المجهول و هل ترون أن العراق قد انتهى ؟
- لم أكن أعتقد أبداً و ما زلت بأن يبقى العراق كدولة، غير أنه ستكون لإقليم كوردستان علاقات مختلفة مع العراق .و تكون علاقة كيان ذي سيادة أي العلاقة بين دولتين ذواتي سيادة وقد تكون في إطار كونفدرالي، أو نوع من التعاون فيما بينهما، أي أن العراق هو الذي تسبب في فشل الدستور أو أن يدير إقليم كوردستان شؤونه الذاتية، و متى ما حدث ذلك ؛ عندها يجب اجراء ترتيبات جديدة .
* كيف هو موقف الولايات المتحدة إزاء دور ايران، سيما بعد الزيارة المرتقبة للمالكي، في اللعبة السياسية و تشكيل الحكومة العراقية ؟
- لقد أصبحت ايران بفضل الولايات المتحدة دولة فاعلة و ربما متسلطة في العراق، و كان المالكي صاحب حزب حظي بمساندة ايران لسنوات عدة ما يدفعني لتصور كيف أنها تنصحه بتشكيل الحكومة، و ما هي المواقف التي على الحكومة اتباعها، ما يصعب الأمور من اساسها و أن العجيب في الأمر هو أن المالكي قد أصبح حليفاً لإيران و الأسد، في حين أن إقليم كوردستان يحتضن أكثر من (250) ألف لاجئ سوري من الفارين من بطش الأسد . ما يبين لنا بوضوح سياستين خارجيتين متباينتين إزاء سوريا احداهما من قبل بغداد و الثانية من قبل اربيل، ما يبين بالفعل أن العراق هو ليس دولة حقيقية .
* و الى أي مدى تولي الولايات المتحدة أهميتها لمستقبل العراق و تقطع الطريق أمام تكرار الدكتاتورية فيه ؟
من المعلوم أن الولايات المتحدة غير راغبة في حلول دكتاتور آخر في العراق،و أن صديقهم الوحيد فيه هو الكورد سيما الأمريكيون الذين خدموا في العراق و عرفوا الكورد على حقيقتهم، إنما يساندهم و يؤيدونهم، هذا بحد ذاته هو تحول كبير، فعندما خضت هذا المسار قبل 30 عاماً، لم يكن هناك أحد يعرف الكورد، فيما هناك اليوم مئات آلاف الأمريكيين ممن لهم تجارب شخصية مع الكورد و يفهمون جيداً أنهم ميالون إلى الولايات المتحدة و أوربا و الديمقراطية فهم يحمون الأقليات، سيما المسيحيين و هذا بحد ذاته يغير أسلوب التفكير الأمريكي، لذلك فإن مواطني أمريكا يتفهمون جيداً رغبة الكورد في الانفصال و لماذا لا ينجح العراق،نعم هناك تصريحات رسمية حكومية، غير أن ذلك لا يدل على أسلوب تفكير من يعملون داخل الحكومة و لا انعكاساً لتفكير الأمريكيين الذين هم على دراية مع العراق و مع إقليم كوردستان .
* قبل عدة سنوات قمت بتأليف كتابكم ( نهاية العراق ) فهل يا ترى قد انتهى العراق بالفعل و كيف ترون مستقبله ؟
- لقد انتهى العراق كدولة موحدة منذ عدة سنوات و ربما منذ عام 2003 و يمكن القول منذ عام 1991، و كان صدام و جورج بوش هما من أنهيا العراق، و قد استجد الآن واقع جديد ، يتجه نحو ترسيخه كواقع قانوني، فإقليم كوردستان هو مستقل من الناحية العملية و يحث الخطى نحو السيادة التامة، كما أنه من المعلوم، أنه ليس بمقدور أية حكومة في بغداد السيطرة على المناطق السنية، ما يحتم وجود درجة و حد كبير من الإدارة الذاتية في تلك المناطق، و قد انتهى منذ عام 1991 وجود دولة متسلطة تحكم العراق جميعاً، و سوف يتغير العراق الذي يبدو على الخريطة السياسية و الجغرافية شاخصاً للعيان في فترة سنوات قليلة قادمة . و رسالتي للجميع هي أن يفهم الناس مشروعية القضية الكوردية، و أن لشعب كوردستان حقهم في تقرير المصير و هي مسألة تحظى بفهم كبير على مستوى العالم قاطبة .
بيتر دبليو كالبريس في سطور :
السفير بيتر دبليو كالبريس هو أحد الدبلوماسيين و الباحثين البارزين في مركز السيطرة على السلاح و حظر انتشاره . و قد عمل في هذا المجال على مستوى العراق و الشرق الأوسط و على سير الأزمات و معالجتها و اعادة البناء ما بعدها .. و عمل ذلك بالدرجة الأساس على مناطق البلقان و اندونيسيا و العراق و الهند و باكستان و جنوب شرق آسيا، و كان قبل ذلك خبيراً و مختصاً في استراتيجية الأمن الوطني في كلية ناشناو وور .
* تولى العديد من المناصب الرفيعة في الحكومة الأمريكية و الأمم المتحدة خلال الأعوام 1979 – 1993 .
* و كان كالبريس المستشار الأقدم للجنة العلاقات الخارجية لشؤون الشرق الأدنى و جنوب آسيا و المنظمات الدولية في مجلس النواب الأمريكي (سنات).
و تولى خلال الأعوام 1993 – 1998 منصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في كرواتيا وشارك بنشاط في عملية السلام بين البوسنة و كرواتيا و مساعداً ممتازاً في مسألة التوصل إلى اتفاقية (ايردوت ) لإنهاء الحرب في كرواتيا .
و كان خلال عامي 2000 – 2001 مديراً للشؤون السياسية و الدستورية و الانتخابات للأمم المتحدة خلال الفترة الانتقالية في جمهورية تيمور الشرقية و أحد أعضاء التشكيلة الحكومية التابعة للأمم المتحدة فيها .
و هو مؤلف كتاب نهاية العراق الذي تم نشره في عام 2006 .
ترجمة : دارا صديق نور جان[1].