=KTML_Bold=الطفل العفريني=KTML_End=
عفرين .. مهد الحضارات.!!
#بير رستم#
توطئة وتمهيد: عفرين البلدة الوادعة على سفح تلك التلة تستقبلك بكل حب ومحبة وأنت قادمٌ إليها من الجهات الأربع هي تفتح ذراعيها وقلبها لكل وافدٍ متشرد؛ حاضنة لكل الأفكار والقيم والثقافات رمزها غصن الزيتون؛ رمز القداسة والسلام والمحبة والتاريخ .. وهي تستحق منا نحن أبناءها التفاتة حب ووفاء لها خاصةً بعد محاولات التهميش من قبل إخوة الدم ولذلك فإننا سوف نحاول أن نخصص لهذه الأم الرءوف عدد من المقالات ضمن سلسلة باسم عفرين ونقوم بتسليط الضوء على عدد من الجوانب والمجالات في حياة هذه المنطقة الوادعة والحيوية والتي يمكن أن تقال بأنها قلب وعين وعقل كوردستان وهي النموذج الحضاري الذي يجب أن تكون نواة لكوردستان الكبرى والمحررة من استعباد الآخر لها .. وهذا المقال سوف نخصصه للجانب التاريخي والحضاري لأول استيطان بشري في المنطقة والعالم عموماً.
وهكذا.. فإن كان كهف الماموث في الولايات المتحدة الأمريكية مشهوراً بسلسلة الأحجار الجيرية والتي هي جزء منها وكذلك كهف شانيدار والذي يقع في إقليم كوردستان (العراق) ويشمخ فوق كتلة صخرية جبلية حيث من الصعوبة الوصول إليها وهناك أيضاً كهف شاندونغ في فيتنام حيث يعتبر أكبر كهف في العالم .. فإن (كهف دو ده ري_Du derî) العفريني (سوريا) والذي يقع على الحافة الشمالية الغربية من جبل ليلون (جبل سمعان) وفي منتصف الانحدار _على ارتفاع /450/ م عن سطح البحر_ وتحديداً جنوب مدينة عفرين حيث يبعد عنها بحدود /15/ كم بالقرب من قرية برج عبدالوا .. يعتبر إحدى أهم كهوف العالم وأهمية هذا الكهف يأتي كونه يملك عدد من المزايا التي تؤهله لأن يكون أهم الكهوف والمغاور القديمة في العالم وذلك نظراً للعمق والمساحة الكبيرة التي يشغلها حيث تقدر مساحة الكهف التقريبية ب: /60 ×40 =240 /متر مربع وهو بالتالي يعتبر أعمق وأكبر مغارة من العصر الحجري المبكر.. والميزة الأخرى والأكثر أهمية هو اكتشاف ذاك الهيكل العظمي لطفل عمره عامان ويعود تاريخه إلى العصر النياندرتالي.
وقصة اكتشاف (كهف دوده ريه) تعود لعام /1978/ حيث وبعد مرور عدة أعوام من التنقيب والعمل فيه وبشكل متقطع وذلك من قبل فريق عمل سوري_ياباني مشترك وتحديداً في /23_8_1993/ تم اكتشاف بقايا مستحاثة إنسانية في الكهف وهو هيكل عظمي لطفل عمره عامان، وبعد الدرس والتحليل على بنية الهيكل العظمي تبيّن بأنها تنتمي إلى إنسان النياندرتال والذي عاش في العصر الحجري المتوسط أي ما بين /60_100/ ألف عام قبل الميلاد ويعتبر هذا الاكتشاف أحد أكثر الاكتشافات الأثرية أهميةً في العالم؛ حيث يعتبر (الطفل العفريني) أحد أقدم الهياكل العظمية لإنسان النياندرتال المكتشفة في العالم وبالتالي تعتبر منطقة عفرين إحدى أقدم الجغرافيات الطبيعية والتي عرفت الحضارة والحياة واستيطان الإنسان القديم وكمركز اشعاع حضاري انطلقت منها الموجات البشرية نحو أصقاع العالم.
وقد كتبت الصحافة عن الموضوع بأن الاكتشافات الهامة التي تمت في (دوده ريه) هي ليس على المستوى الوطني فِحسب بل وعلى مستوى العالم أجمع وتتمثل في ثلاثة اكتشافات رئيسية ومهمّة وهي: ((اكتشاف خمس وحدات مشيّدة متتالية ضمن الكهف تعود إلى فترة الحضارة النطوفية التي يرجع تاريخها إلى الألف الثانية عشرة قبل الميلاد ( 12000ق.م)، وهي عبارة عن أنصاف دوائر بُني قسمها السفلي من الحجارة الطبيعية على ارتفاع /1 متر/ بينما جُهّز قسمها العلوي من أغصان الشجر التي وُجدت محروقةً في مكانها الطبيعي، وتعود أهمية هذا الاكتشاف إلى الدلالة على انتشار الحضارة النطوفية في منطقة شمال “سورية“، إضافةً إلى أنّها المرة الأولى التي يكتشف فيها في “سورية” وحدات بهذا الحجم تعود إلى تلك الفترة كما تم اكتشاف أدوات حجرية على عمق أربعة أمتار من أرضية الكهف تعود إلى الحضارة اليبرودية ( 300ألف سنة قبل الميلاد) وهي المرة الأولى التي تُكتشف فيها أدوات تعود إلى تلك الفترة في منطقة شمال “سورية“، حيث كُشفت سابقاً في منطقة “يبرود” قرب مدينة “دمشق” .. أمّا الاكتشاف الثالث فهو العثور على بقايا هيكل عظمي لطفل نياندرتالي يعود إلى ما قبل /50/ ألف سنة، وهو الثالث من نوعه المُكتشف في الكهف)). (تيسير قاموع/ منتدى مدينة إعزاز).
وبالمناسبة فإن تسمية الكهف ب(دوده ري) هي تسمية كوردية _أي من اللغة الكوردية_ كون للكهف بابان أحدهما شمالي ويشرف على الوادي عرضه ثمانية أمتار وارتفاعه خمسة أمتار، والباب الثاني جنوبي مفتوح باتجاه السماء وكأنه مدخنة وقد حاول الفريق السوري تغيير الاسم إلى “الحيدرية” ولكن ونتيجة إصرار رئيس البعثة الأثرية الياباني فقد تم تسمية الكهف بالاسم الكوردي (دوده ري) والطرفة الأخرى عن الكهف المذكور فقد كتب رئيس تحرير جريدة الجماهير حينها عام 2008 بأن الهيكل العظمي للطفل المكتشف في الكهف يشبه الهيكل العظمي للإنسان العربي _مع العلم إن الإنسان النياندرتالي وبالتالي هيكل الطفل العفريني أقرب إلى القرد منه إلى الإنسان العاقل_ وقد نقل الكلام لرئيس البعثة الياباني وكان رد فعل الرجل أن قال وبسخرية: ((نسي صاحبكم أن يكتب في جريدته بأننا وجدنا عقالاً عند الهيكل)).
وإنني زرت الكهف مع الصديقي العزيز؛ أسعد يوسف وهو اليوم يشغل رئيس القسم الاسلامي في متحف حلب وكانت البعثة ما تزال تعمل بها وقد شرح رئيس البعثة عدد من القضايا ومنها إن المنطقة في ذاك الحين كانت مغمورة بالمياه وكانت الارتفاعات العالية من جبل ليلون ومنها كهف دوده ري قابلة للسكن والحياة وبعد انحسار المياه فإن الانسان القديم بدء بالهبوط من تلك المرتفعات إلى السهول والوديان للسكن والحياة ومنها _من كهف دوده ري_ كان الاستقرار في قرية عين دار ومعبدها الديني وللتعرّف أكثر على الموضوع فإن الأستاذ “زكريا الحصري“يقول بهذا الخصوص: “تقع قرية “عين دارا” إلى الجنوب من مدينة “عفرين” بنحو 8 كم وذلك على الطريق الممتدة بين مدينة “عفرين” و“قلعة سمعان“، وإلى الغرب من القرية بنحو 2 كيلومتر يقع تل “عين دارا” الأثري الذي يضم معبداً بازلتياً شهيراً.. ويعود تاريخ معبد “عين دارا” الأثري إلى الألف الرابع قبل الميلاد وهو مبني من حجر البازلت الأسود وبمنتهى الجمال العمراني حيث نُحتت واجهاته بأشكال نافرة وبارزة وتضم أسوداً مجنّحة ورؤوسا آدمية /نسائية ورجالية/ يعتقد إنها تمثل الآلهة التي كانت تعبد في تلك الفترة التاريخية وكذلك تماثيل لثيران تتشابه مع المنحوتات الميتانية والحثية والحورية، ويرجّح الباحثون أنّ المعبد شُيد لإله الشمس أو إله الجبل “بيشوب“.
وبالتأكيد هناك عدد كبير من الآثار والمعابد والمزارات في المنطقة ومن أهمها مدينة نبي هوري أو سيروس وكذلك الجسور والقنوات الرومانية وهكذا فإننا نستنتج بأن عفرين كانت مهد الحضارات القديمة وقد عرفت الكثير من الغزوات والحروب كالمغول والتتار والفرس والاسكندر الكبير والغزوات الاسلامية وحروب العثمانيين وأخيراً الاستعمار الغربي والعربي .. وقد ذهب الجميع واندحروا وبقيت عفرين شامخة بتاريخها وجبالها وأبنائها وحضارتها وهي تستحق منا كل الحب والتضحية والعمل الجاد لنكون لائقين بأقدم حضارة عرفتها العالم وأنطلقت من عفرين.
[1]