سيد مصطفى القاهرة
لا تقل وجهة نظر القائد #عبد الله أوجلان# وتفكيره من الأديان أهمية من آراؤه السياسية والاقتصادية، لأنه رأى أن الدين ركن هام من المجتمع وليس أمر فردي كما نادى به غلاة العلمانوية وأقطاب العالم بغية تهميش دوره في حياة الدول والمجتمعات.
وفي هذا الصدد، أوضحت زينب مراد، الرئيسة المشتركة للمؤتمر الوطني الكردستاني، أن القائد أوجلان قدم قراءة جديدة للأديان ودورها في المجتمع، ليس للمجتمع الكردستاني فحسب بل للإنسانية جمعاء، وفي كثير من الأحيان ينتقد القائد أوجلان النهج الذي اتبعته الحركات اليسارية والاشتراكية خاصة في القرن العشرين من ضيق الرؤية وفشلها في التعامل مع الأديان، هذا إلى جانب المساعي لاستعمار الحياة والثقافة الاجتماعية للمجتمعات من قبل السلطات لترسيخها لخدمتها أي خدمة السلطة.
وأكدت زينب مراد في تصريح خاص لوكالة فرات، أنه في أكثر من مكان في مرافعته أشار إلى أن الدين هو جزء من ثقافة المجتمع، وينبغي النظر إلى الدين كإرث ثقافي للمجتمعات ويجب التعامل معه على هذا الأساس، مشيراً إلى أن هذا التعريف ينطبق خصوصاً على الدين الإسلامي.
وأضافت الرئيسة المشتركة للمؤتمر الوطني الكردستاني، أن كل الأديان مع اختلاف أوقات ظهورها جلبت معها ثقافات مختلفة وهذه الثقافات أصبحت جانبا لا يمكن الاستغناء عنه في حياة المجتمعات، مبينة أنه كون جذور المجتمع الإنساني عميقة في الشرق الأوسط فإن هذا المجتمع عاش بنمط الحياة الطبيعية حيث كان دوماً يأمر بالعمل الصالح والابتعاد عن السوء إضافة إلى رفض الرضوخ أمام السلطات الفاسدة وفي هذه النقطة فإن المجتمع والدين يلتقيان.
وبينت زينب، أن القائد أوجلان يعرف السلطة بأنها خروج عن النمط الطبيعي للمجتمع وعلى هذا الأساس لطالما كانت إحدى أساليب مقاومة المجتمع للسلطات الفاسدة هو النهج الديني ولعلنا نرى اليوم كيف أن مجتمع الشرق الأوسط يلجأ إلى الدين وبأشكال مختلفة لمواجهة الهجوم الغير أخلاقي للحداثة الرأسمالية.
وأوضحت أن هذا الحل يأتي في وقت يأتي الترويج فيه على أن الدين والديمقراطية هما نقيضان وهذه الأفكار تأتي بسبب أن كثير من الذين يرون أنفسهم ديمقراطيين ليست لديهم قراءة صحيحة ودقيقة للأديان ويعتقدون أن جميع الأديان وخاصة الدين الإسلامي لا يمكن أن تلتقي مع الديمقراطية في درب واحد وبالمقابل هناك تيارات دينية متشددة ليست لها قراءة دقيقة للديمقراطية.
ورأت زينب مراد، بأن القائد أوجلان قدم قراءة جديدة للدين والعقيدة حيث أكد على أن الأديان في البدء جاءت من أجل السلام وترسيخ التعايش بين الشعوب وهذا هو خطاب مشترك بين كل الأديان إلا أن السلطة قامت بتسخير هذه المبادئ في خدمة أهدافها السلطوية.
وأشارت الرئيسة المشتركة للمؤتمر الوطني الكردستاني، إلى أنه في المقابل نرى بأن ما يقوم به العلمانيون الليبراليون بفصل الدين عن المجتمع ليس بالأمر الجيد، لأن العلمانية ترى أن الدين هو أمر مرتبط فقط بالأفراد وهو موضوع شخصي وليس مجتمعي، بينما حسب فكر القائد أوجلان فإن هذا الموقف هو منافي لحقيقة المجتمع وكذلك هو مناقض لمنهج وجوهر الأديان. لو ننظر إلى جوهر كافة الأديان نرى إنها تنادي جميع المجتمعات أو تنادي مجتمعا معينا، أي أن الأديان لم تأتي لمخاطبة كل شخص على حدة بل أن خطابها موجه للمجتمع بأكمله، وهنا مادامت الأديان تنادي وتخاطب المجتمع وكل الأديان تحتوي على إرشادات لإصلاح وتغيير المجتمع إذن الدين هو ظاهرة مرتبطة بالمجتمع ولا يمكن فصل هذه الظاهرة عن المجتمع وربطها بالأفراد فقط.
كما أردفت زينب أنه في الجانب الآخر هناك موقف آخر شائع بين الحركات السياسية الإسلامية والمسيحية واليهودية على حد سواء هم من جانبهم يريدون أن يجعلوا من الدين أداة للوصول إلى السلطة، والحركات الإسلامية المتشددة مثل داعش وجبهة النصرة والقاعدة وبوكو حرام وغيرها، يستخدمون الدين كأداة ووسيلة للوصول إلى السلطة وهناك حركات أخرى كالإخوان المسلمين وبعض من الحركات المسيحية المعتدلة في أوروبا لطالما انتهجوا الأسلوب المرن لجعل الدين أداة للوصول الى السلطة، هنا كل هذه الأطراف تسعى إلى اللجوء لاستخدام الدين كوسيلة للوصول إلى السلطة هو غير صحيح ولا يخدم الناس ولا المجتمع بل يلحق الأضرار بهم.
وأوضحت الرئيسة المشتركة للمؤتمر الوطني الكردستاني، أنه لتصحيح المسار وفهم حقيقة دور الدين لخدمة المجتمع في عام 2013 قدم القائد أوجلان مقترحا حول عقد مؤتمر تحت عنوان مؤتمر الإسلام الديمقراطي، وبالفعل بمشاركة عدد كبير من علماء الدين والشخصيات الدينية من جميع أنحاء كردستان، تم عقد مؤتمر الاسلام الديمقراطي في شمال كردستان و يعتبر منبر ديني وديمقراطي ومركزه في شمال كردستان وله نشاطات في جنوب وغرب وشرق كردستان وكثير من مناطق العالم، وهذا هو مشروع بديل للإسلام المتشدد، وللإسلام السلطوي كذلك لسياسة رفض الدين والنظر إلى الدين كميراث.
ودللت زينب مراد، أنه في كثير من الأحيان تحدث القائد أوجلان عن (معاهدة المدينة) باعتبار هذه المعاهدة نموذج لدستور ديمقراطي في تلك الفترة ويمكن الاستفادة منها في الوقت الحاضر حيث نرى في الوقت الحالي خاصة في الشرق الأوسط وبشكل عام على مستوى العالم تفشي ظاهرة استخدام الدين من قبل أصحاب السلطة، حيث يصبح الدين أداة لفرض السلطة وهذا كان سبباً في تعميق المشاكل والخلافات الدينية بشكل لا يمكن للبشر إيجاد أرضية للتعايش معا.
وتعد معاهدة المدينة التي أشار إليها القائد أوجلان نموذجا اعتمدها النبي محمد(عليه الصلاة والسلام) منذ ظهور الإسلام، وعن طريق هذه المعاهدة تمكن من جمع المسلمين واليهود وغير المؤمنين ومختلف الألوان تحت مظلة واحدة، والملفت للنظر في هذه المعاهدة لم يتم الخلط بين الدين والإدارة، أي أن الرسول (عليه الصلاة والسلام) لم يخلط بين الدين والقانون وشكل إدارة المدينة، فقد فصل الأعمال الدينية والأعمال الإدارية عن بعضها، وقام بكتابة هذه الوثيقة المشتركة بشكل توفر أرضية متساوية لمكونات المدينة من المسلمين واليهود وغير المؤمنين، وفي حال حدوث المشاكل الاجتماعية داخل أي مكون فسيتم حلها حسب الشرع والقانون الداخلي لذلك المكون، وإذا حدث نزاع بين شخصين من مكونين مختلفين فسيتم حل النزاع حسب الاتفاق المبرم بينهما، وعلى هذا الأساس يرى القائد وثيقة المدينة نموذجاً لا يخلط بين الدين والسلطة في نفس الوقت لا يوجد خلط بين الدين والشرع والقانون، لذا فحسب الحقبة الزمنية تلك يمكن اعتباره دستوراً ديمقراطياً، بحسب زينب مراد.
وأشارت الرئيسة المشتركة للمؤتمر الوطني الكردستاني، إلى مقولة القائد أوجلان حول طريق الحل حيث يقول في مانيفستو الحضارة الديمقراطية - سوسيولوجيا الحرية (تعرضُ الكونفدرالية الديمقراطية خيار الأمة الديمقراطية كوسيلة حل أساسية للقضايا الاثنية والدينية والمدنية والمحلية والإقليمية والقومية الناجمة عن نموذج المجتمع الفاشي النمطي ذو اللون الواحد المتمثل بالدولة القومية، فكل اثنية ورؤية دينية وواقع مديني أو محلي أو إقليمي أو قومي له الحق في اخذ مكانته ضمن الأمة الديمقراطية بهويتهِ الذاتية وبنيته الفدرالية الديمقراطية)، وعلى قدر أهمية تمكين بقاء الثقافات الاثنية المختلفة سوية ضمن نطاق الأمة الديمقراطية فمن المهم للغاية تقييم المحتوى الديمقراطي للثقافة الدينية ضمن الأمة الديمقراطية وتخصيص مكان لها في درب الحل كعنصر حر ديمقراطي يتكلل بالمساواة.
No description available.
كما كشف دكتور طه علي، الباحث في قضايا الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أن الدين شكل جزء هام من تفكير القائد عبد الله أوجلان، مبيناً أن ذلك الجزء لم يحصل على الدراسة الكافية مثل رؤية القائد عبد الله أوجلان السياسية والاجتماعية.
وأكد علي في تصريح خاص لوكالة فرات، أن القائد عبد الله أوجلان وضع الدين كأحد مصادر الحقيقة وذلك مع الميثولوجيا الأساطير والتاريخ.
بينما تحدث القائد أوجلان نفسه في كتابه مانيفستو الحضارة الديمقراطية المجلد الثالث (سوسيولوجيا الحرية) يقول القائد أوجلان (مثلما هي الحال في عودة الاثنية إلى الحياة فإنه يُلاحظ الانتعاش في التقاليد الدينية والتي سعت الحداثة عموماً والدولة القومية خصوصاً إلى استعمارها عبر مصطلح العلمانية).
هنا يصف هذا الانتعاش الديني بالمموه والمُمهر بمُهر الحداثة أي ليس انبعاثاً بالمستوى الذي كانت عليه وظيفتها الاجتماعية الدينية.
وأوضح أوجلان في كتابه، أنه من هنا أخذ الصراع يتفاقم بين العلمانية والدين في حين يرى القائد أوجلان بأن العلمانية في الواقع هي مصطلح مبهم وخاصة نظرتها إلى الدين حيث تدعو إلى سحب الدين يده كليا من الحياة الدنيوية وخاصة من شؤون الدولة، فلا العلمانية دنيوية تماماً ولا يمكن تجريد الدولة من الدين كلياً.
ومن هذا المنطلق يقول القائد أوجلان: قد اجج انبعاث الدين التقليدي مجدداً السجال بين الدين والعلمانية في المجتمعات التي لا تزال تحت تأثير قوى للشريعة الإسلامية بصورة خاصة فليس صحيحاً تصوير المستجدات المرتبطة بحروب الأيديولوجيا والصراع على السلطة السياسية بين الدولة القومية ومفهوم الأممية وكأنها مرتبطة بنمط الحياة العصرية فقط، فقد بات هناك صراع بين العالم الإسلامي والموسوي شبيه بما كان بين المسيحية والموسوية، ويرى القائد بأن هذا الصراع يتخفى وراء الصدامات الكبرى في الشرق الأوسط.
وشدد القائد أوجلان، أنه حل هذه الصراعات يكمن في نهج الأمة الديمقراطية التي لطالما تبقى الثقافات الدينية والاثنية في توائم وانسجام وتخصص لكل واحدة منها مكان كعنصر حر وديمقراطي على أساس المساواة.
وحذر أوجلان من الاستغلال السياسي للدين، مبيناً أن القضايا الدينية التي عانت منها الأقوام فيما بينها كانت القضايا المذهبية أيضاً تضاف إليها إذ كانت وعود الأديان في الأخوة والتكامل والاتحاد والسلام زاد تأثير محدود مقابل المصالح المادية لأن التفاوت الطبقي المتنامي في المجتمع كان قد ضيره القوم نفسه من القضايا والنزاعات منذ أمد بعيد كما واقضي إلى نشوب نزاعات طاحنة منذ عهد موسى وذلك ضمن قبيلة جد صغيرة ومتراصة مثل القبيلة اليهودية وبين أقرب المقربين إليه.
وعدد أوجلان الأمثلة لذلك الاستغلال، فمثلاً كان معاوية قد شرع بتوطيد التفوق على أهل البيت بدخول الحرب السلالاتية حتى قبل وفاة النبي محمد وكان الخوارج سيصدرون فرمان الموت بحق علي ومعاوية وعمرو بن العاص وذلك في سبيل إنقاذ الدين الإسلامي من الخلافة ذات الرأسين بل و ذات الرؤوس الثلاثة وكان يزيد بن معاوية سينقض في كربلاء على أخير أبناء أهل البيت ويذبحه كما تذبح النعاج، وكانت الشعوب التي أسلمت ستجلب معها قضايا جديدة متفاقمة كالنهر سواء داخلها وفيما بينها.
واستكمل أوجلان، مبينا أن المدنية الايرانية الجذرية تسعى إلى الرد على هزيمتها تجاه العرب المسلمين بإنتاج المذهب الشيعي بينما كان أمراء الأنساب الحاكمة من السلاجقة والعثمانيين الأتراك سيجدون مصالحهم في المذهب السني كشريعة مسيطرة في الإسلام في حين أن الشرائح التركمانية الفقيرة والمحرومة كانت ستختار المذهبين الشيعي والعلوي بالأغلب وعانى الكرد أيضا من انقساماً مشابهة فيما اعتنق الأمراء السلطويون المذهب السني، متخذين من التحالف مع السلطات العربية والتركية أساساً فيما كانت شرائح الفقراء المعتزة بذاتها ستستمر في بقائها علوية أو زرادشتية.[1]