[1]ما تشهده سوريا.. حرب للحداثة الرأسمالية ضد العصرانية الديمقراطية الصاعدة
أحمد محمد
يرمي نظام الحداثة الرأسمالية عبر أدواته المتدخلة في الأزمة السورية؛ القضاء على العصرانية الديمقراطية الصاعدة في سوريا، لسد الطريق أمام التحول الديمقراطي الذي تقوده شمال وشرق سوريا بجميع مكوناتها.
تشهد سوريا ذروة حرب نظام الحداثة الرأسمالية ضد العصرانية الديمقراطية الصاعدة في البلاد؛ لترسيخ هيمنتها التي أضحت هشة بعد انتفاضة الشعوب في ظل الربيع العربي، ضد نظام الدولة القومية؛ إحدى أركان الحداثة الرأسمالية لا سيما عقب فشله في إرضاخ الشعوب لهيمنته خلال 12 عاماً من عمر الأزمة السورية التي افتعلها لاستكمال رسم خريطة الطريق التي بدأها في الشرق الأوسط.
ثار الشعب السوري، كما الشعوب التي انتفضت في وجه أنظمتها الحاكمة الاستبدادية على نظام حكم حكومة دمشق في مسعى منه؛ التخلص من النظام السلطوي الأمني ذي ذهنية الحزب الواحد والعلم الواحد واللغة الواحدة، الذي يحكم البلاد منذ أكثر من 60 عاماً، والحصول على حقوقه في الحرية والديمقراطية.
اصطدم الحراك السوري بأدوات نظام الحداثة الرأسمالية، بدءاً من سلطة حاكمة بدأت بقمعه بمختلف الأساليب، وصولاً إلى تسييس الحراك، وتحريفه عن مساره كُلّفت به تركيا، وانتهاء بالتدخل الأجنبي وبدء صراع الهيمنة العالمية على الأراضي السورية.
ووفق آخر إحصائية عامة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، صدرت في آذار عام 2022، فقد قتل 610 آلاف شخص منذ بدء الأزمة السورية عام 2011، وقال: أسفرت العمليات العسكرية المتواصلة وعمليات القصف والتفجيرات عن إصابة أكثر من 2.1 مليون مواطن سوري بجروح مختلفة وإعاقات دائمة، فيما شرد نحو 13 مليون مواطن، بينهم مئات الآلاف من الأطفال والنساء، ودمرت البنى التحتية والمشافي والمدارس والأملاك الخاصة والعامة بشكل كبير جداً.
وسخرت حكومة دمشق منذ بدء الحراك الشعبي في سوريا منتصف آذار/مارس عام 2011، جميع إمكاناتها في إسكات الشعب السوري، وعرقلة أي محاولة؛ لتغيير نظام الحكم القوموي في البلاد من خلال مؤسساته الأمنية وعصابات نظمت من مواليه عرفوا ب الشبيحة، ارتكبوا المجازر في مختلف مناطق البلاد بدءاً من درعا مروراً بأحياء العاصمة دمشق وصولاً إلى محافظة حمص في الداخل السوري.
فشل المؤسسات الأمنية والعسكرية في كسر إرادة السوريين الراغبين في التغيير، دفع نظام الحداثة الرأسمالية إلى التدخل في الأزمة السورية بشكل أكبر وأعمق من خلال تحريف الحراك الشعبي عن مساره، والتوجه نحو عسكرة الحراك الشعبي؛ لشرعنة آلة القتل والفتك للمؤسسات الأمنية التابعة لحكومة دمشق، ضماناً لمصالحها على حساب السوريين.
أُسندت هذه المهمة للدولة الجارة لسوريا؛ دولة الاحتلال التركي، التي عملت على فتح الحدود أمام السوريين للهجرة، ولدخول المرتزقة إلى البلاد، وإدخال الأسلحة بذريعة دعم الثورة، والدفع بالبلاد بداية نحو حرب سورية أهلية.
سخّرت تركيا مرتزقتها في استهداف المعارضة السورية الحقيقية، كما في شمال وشرق سوريا، ولتحقيق أطماعها في الأراضي السورية المتمثلة بالعثمانية الجديدة، حتى باتت تستخدم لتحقيق المصالح التركية خارج نطاق ملف الأزمة السورية كما في ليبيا وأذربيجان.
تخوفاً منها على مصالحها الاقتصادية والتجارية في الشرق الأوسط؛ عمدت روسيا إلى التدخل في سوريا في أيلول/ سبتمبر 2015 إلى جانب حكومة دمشق، ما زاد من عدد الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، وفي وجه الحراك الشعبي السوري.
سوريا بالنسبة لروسيا من أهم شركائها في التجارة الروسية، ومصرف للطاقة الروسية وسلاحها، وشريك في سوق الطاقة المصدرة للعالم، ولتضمن روسيا حفاظها على الامتيازات المقدّمة من سوريا كالتنقيب عن الغاز والنفط في الداخل السوري.
لم يسِرْ عموم السوريين نحو الفخاخ التي نُصبت لهم من قبل نظام الحداثة الرأسمالية؛ للحد من التغيير في البلاد، فهناك من أبى الدخول في حرب سورية أهلية والمشاركة إلى جانب تلك الأطراف، والتحوّل عن الثورية إلى عصا لعرقلة التغيير في البلاد.
وعملوا على مشروع يمكّن السوريين من تجنيب البلاد الحرب والدمار والارتهان لقوى الحداثة الرأسمالية، تمثلت بالكرد وباقي مكونات المنطقة الذين انتهجوا الخط الثالث، بعيداً عن الطرفين المتصارعين على السلطة عبر ثورة 19 تموز، التي انطلقت من مدينة كوباني شمالي البلاد، وامتدت إلى عفرين وقامشلو وباقي المناطق الأخرى، في شمال وشرق البلاد.
تميّز المشاركون في هذه الثورة ومناطقها عما شهدته باقي المناطق السورية الأخرى بإصرارهم التغيير على مختلف الصعد السياسية، والعسكرية، والاجتماعية، وغيرها، والبحث عن نظام بديل لنظام الدولة المركزية، يضمن حقوق جميع المكونات المتعايشة في البلاد؛ بعيداً عن ذهنية السلطة المطلقة والحزب الواحد واللغة الواحدة والعلم الواحد.
ساهم نجاح الثورة المتكلل بولادة نموذج نظام جديد، يمكّن السوريين من إدارة أنفسهم بأنفسهم الإدارة الذاتية في بناء أمل جديد للسوريين بوجود بوادر حل للأزمة السورية، وجعل منها ملاذاً آمناً لآلاف السوريين من مناطق صراع الطرفين، ونقطة التفّ حولها شعب المنطقة، ما جعل منه رقماً صعباً في المعادلة السورية.
الثورة والبحث عن التغيير الجذري والابتعاد عن الارتهان للسلطة الحاكمة وقوى الحداثة الرأسمالية المتدخّلة في الأزمة السورية، والاعتماد على الإرادة والقوى المجتمعية؛ جعل من أطماع القوى المتدخّلة في الأزمة السورية في مهب الريح، لذا ما كان منها إلا البدء في استهدافها، عبر تسليط مرتزقتها على مناطق الثورة.
بدأت دولة الاحتلال التركي في تسهيل وصول مرتزقة جبهة النصرة إلى مناطق الثورة عبر حدودها، كما شهدت مناطق شمال وشرق سوريا هجوماً للجبهة على منطقة سري كانيه عام 2013، لينتهي بها المطاف بفشلها في دفع شعب المنطقة للاستسلام.
بعدها دفعت دولة الاحتلال التركي بمرتزقة داعش لمهاجمة مناطق ثورة 19 تموز، وفتحت أبوابها وحدودها على مصراعيها، أمام دخول مرتزقة داعش وأمام الآلاف من الأجانب إلى سوريا.
واجه الكرد والعرب والسريان والتركمان وغيرهم من المكونات في شمال وشرق سوريا، تلك المخططات بمواصلة الاعتماد على القوى الذاتية، وقارعوا مرتزقة داعش على مدى 5 أعوام متواصلة، وقلبوا موازين القوى على الأرض لصالحهم، فاتسعت رقعة مناطق الإدارة الذاتية، واتسعت القاعدة الشعبية المؤمنة بمشروعها، بعد أن اتفقت جميع الأطراف المتدخلة في الأزمة السورية على الحد من التغيير، لصالح المحافظة على نظام الحكم في البلاد بحيث لا يخرج عما ترغبه الحداثة الرأسمالية.
لم تتوقف دولة الاحتلال التركي العضو في حلف الشمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية عن إعاقة دوران عجلة تطوير وتعميم نموذج الإدارة الذاتية، وبدأت باحتلال جرابلس عام 2016؛ لعرقلة ربط مناطق الإدارة الذاتية بعضها ببعض، ومنع جمع شمل السوريين تحت ظل مشروع ونموذج قادر على حل الأزمة، مروراً باحتلال الباب، وعفرين، واحتلال كري سبي/تل أبيض، وسري كانيه.
من جهتها، تواصل روسيا، ضغوطها على الإدارة الذاتية في محاولة لإجبارها على الاستسلام لحكومة دمشق عبر التلويح بهجمات تركية على المنطقة.
على الرغم من الصراع التاريخي السياسي والعسكري بين الأطراف والقوى الإقليمية المتدخلة في الشأن السوري والأزمة، وصراعها على السلطة في سوريا، وما شهدته العلاقات بين تلك الأطراف من توتر ولمستوى المواجهة العسكرية حتى في الملف السوري وملفات إقليمية ودولية أخرى، إلا أن ما يجمعها منذ بداية الأزمة السورية؛ النيل من أي محاولات تغيير نظام إدارة البلاد.
وفي ظل ذلك، يواصل الشعب السوري المؤمن بالتغيير وبالديمقراطية؛ رفض المساعي والمخططات الرامية للعودة بالبلاد إلى ما قبل عام 2011، ورفض أطماع ومخططات القوى المتدخلة في الأزمة السورية، مؤكدين أن الحوار السوري والوصول بالبلاد إلى سوريا لا مركزية؛ السبيل لضمان الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وإرادة الشعب السوري، وطريق إنهاء معاناة السوريين، والطريق الوحيد لخروج البلاد من الأزمة التي طال أمدها.[1]