الأمَّة الديمقراطية من منظورٍ عربي
أعداد : خالد إبراهيم
منطقة الشرق الأوسط كانت أكثر المناطق التي شهدت أحداثاً وتحوُّلات أسهمت في تغييرات كبرى على كافة الأصعدة. والشعوب العربية التي تعيش في هذه المنطقة-فضلاً عن باقي الشعوب-نالت نصيباً وافراً من هذه المجريات. وحين نمعن النظر تاريخيَّاً نجد أنَّ ظهور الإسلام كان الحدث الأكثر تغييراً في البنية المجتمعية العربية بالذات؛ فالدعوة بدأت من مكة المكرمة وانتشرت في كافَّة بقاع الأرض؛ من أقصى شرق أسيا حتى الأندلس أقصى الغرب، ومن شمال أوروبا حتى جنوب أفريقيا. ولكن كان لدخول الشعوب الأخرى الإسلام وتأثيرها المباشر وغير المباشر في الثقافة والبنية المجتمعية والفكرية العربية، ووصول الكثير من أبناء الشعوب الأخرى لمناصب عليا في الحكم دور في إثارة التحفظ القومي وبروز الشعوبية. وقد بدأ هذا الأمر (عربياً) بشكل خاص في العصر الأموي، وزادت الشعوبية وامتدت لكثير من الشعوب الأخرى التي كانت خاضعة لحكم العباسيين. ونرى أواخر حكم الدولة العباسية التنوع الديمغرافي والهجرات في منطقة الشرق الأوسط، خاصة هجرة الترك القادمين من أواسط أسيا واستقرارهم على مشارف بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين(ميزوبوتاميا)، اللتان كانتا تضمَّان تنوُّعاُ عرقياً ودينياً وثقافياً وجغرافياً خاصاً. وأفضت الأمور بأن سيطر الأتراك العثمانيوُّن على المنطقة كاملة في العام 1500 تقريبا.
في العصر الحديث، بالتحديد في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين انهارت الدولة العثمانية التي دام حكمها على منطقة الشرق الأوسط ما يقارب أربعمائة عام. ولا يخفى الأثر البالغ الذي نتج عن السياسة التي اتَّبعتها في هذه المنطقة طوال تلك الفترة من حكمها، وخاصَّة السنوات الأخيرة؛ بمعنى، تغلغل السياسة الرأسمالية الحديثة في أروقة الحكم بشكل سرِّيٍّ وعلنيٍّ. ولفهم هذا الأمر يجب التمعُّن والتدقيق فيما ذكره القائد عبد الله أوجلان حول هذا الأمر، حيث قال:” باشر المبعوثون قبل كلِّ شيء بإعادة اكتشاف المنطقة، ثمَّ تحوَّلت طريقة اكتشاف الكشَّافة والباحثين العلميين للمنطقة وكيفيَّة فهمهم إيَّاها إلى مدرسة فكريَّة سُمِّيت (الاستشراقية)، بمعنى آخر؛ الاستشراقية هي الهيمنة الذهنية لمدنية أوروبا الغربية”. ويقول أيضاً:” وهكذا فقد الشرق استقلاله الذهني تدريجيا، اعتباراً من القرن التاسع عشر، وسادت الأفكار الاسشراقية، وانضوى النخبويُّون والمتنوِّرون الشرقيُّون تحت حاكميَّة الفكر الاسشراقي، ونجحت جميع المشتقَّات الفكرية الليبرالية، وعلى رأسها القوموية، في الاستيلاء على الذهنية الشرقية”. في نهاية المطاف تمكَّنت أوروبا الرأسمالية، خاصَّة بعد انتصارها في الحرب، في تحقيق ما تصبو إليه؛ بغزوها الفكري والعسكري والاقتصادي، تمكَّنت من فرض هيمنتها على الشرق الأوسط، وخاصَّة الدول ذات التعدُّد المذهبي والإثني والقومي؛ كسوريا والعراق ولبنان. وبرزت اتفاقية (سايكس بيكو) للعلن ضاربة بالوعود للعرب عرض الحائط؛ فاحتلَّت فرنسا سوريا ولبنان باسم الانتداب، واحتلَّت بريطانيا العراقَ، وخضعت تركيا لحكم أتاتورك الرأسمالي القوموي التابع للذهنية الغربية بشكل مطلق. وهذا التأثر من الدول المغلوبة بالدول الغالبة وتبعيَّتها لها يوضِّحه قول ابن خلدون:” المغلوب يُقلِّد الغالب”. لكنَّ القائد أوجلان تعمَّق في شرحه وتفسيره أكثر حين قال:” العامل الأساسي الذي فتح الطريق أمام صعود أوروبا الغربية هو تفوُّقها في وعي الحقيقة”، بمعنى النجاح الهائل الذي حقَّقته في كلِّ مجالات الحياة، والذي أحدث ثورة فكرية هائلة وعارمة.
هذا الأمر الذي أسهبنا في شرحه بداية المقال ضروري الفهم والاستيعاب حتى نفهم البداية الحقيقية والسبب الأجلى في النظرة العربية لكلِّ مشروع جديد في المنطقة، أو فكرة، أو نظرية. نلاحظ حين نقرأ كلام القائد أوجلان في المجلد الخامس حيث قال:” جميع الصياغات الفكرية البارزة في الشرق الأوسط ممهورة بطابع الاسشراقية”. وهذا يقودنا إلى نتيجة مهمة نستطيع من خلالها فهم سير الأمور الحالية، والإشكالية وراء النظرة العربية لمشروع الأمَّة الديمقراطية. في الفترة الأخيرة والمضطربة من عمر الدولة العثمانية، عملت الرأسمالية الأوربية على هدم أساسها، وذلك من خلال تعزيز النزعة القوموية التركية في الجغرافيا الواسعة التي تهيمن عليها، والمتعدِّدة القوميات، في ذات الوقت الذي ظنَّ فيه القوميُّون الأتراك أنَّ ذلك من صالح دولتهم كان العكس تماماً؛ فالقومية المقيتة تشرَّبت بالفكر الرأسمالي والاستشراقية الغربية. كما قال القائد أوجلان:” إنَّ الاستشراقية الغربية تشِّكل منبع القوَة الكامنة خلف النزعة القوموية التركية”. هنا بدأت الشرارة الأولى في ممارسة التعصُّب القومي ضدَّ المكوِّنات الأخرى التي تحكمها الدولة العثمانية من عرب وكرد وأرمن وغيرهم. والأمر لا يتوَّقف عند هذا الحدِّ؛ فذلك يقودنا لإدراك انطلاقة الفكر القوموي العربي خطوة خطوة.
لا بدَّ أن ندرك جيداً أنَّ القومية العربية تصدَّرت المشهد بعد قيام الثورة العربية الكبرى (كما أرادت لها إنكلترا أن تُسمَّى) على يد الشريف حسين، وندرك الإرهاصات التي قادت مستلمي زمام الحكم في البلاد التي استقلَّت عن الدولة العثمانية كسوريا مثلا، إلى إعلاء الحسِّ القومي والنزعة القوموية؛ فنذكر مثلا:
_ممارسة سياسة التتريك ونبذ كلِّ ما هو غير تركي؛ ممَّا حدا بالعرب إلى تبنِّي القومية كتعويض عن المعاناة التي عاشوها طوال فترة المناداة بتفوُّق الأتراك على العرب وغيرهم من القوميات.
_ الفكر الاستعماري الرأسمالي الغربي الذي عمل بشكل حثيث على إذكاء النفس القومي العربي لإنهاك الدولة العثمانية المتهالكة أصلاً والقضاء عليها؛ فبدأ الأمر بالاتفاق مع الشريف حسين أمير الحجاز عن طريق ضابط المخابرات البريطاني الجاسوس (لورانس العرب)، (كما يحبُّون أن يسمُّوه).
وتبيَّنت بنود الاتفاق من خلال المراسلات التي عُرفت بمراسلات (الحسين_ مكماهون)، وتضمَّنت وعودا بتمليك الشريف حسين وأبنائه على سوريا والعراق والأردن والحجاز، إذا قام بثورة من العرب ضدَّ العثمانيِّين. تلك كانت هي البداية الحقيقة لظهور القومية العربية على السطح. ومن الأسباب الخفيَّة التي كان لها تأثير فعَّال هي الاحتلال الغربي الذي حرص على إذكاء الفتنة بين المكوِّنات في هذه البلاد؛ لأنَّ هذا ما يُعزِّز وجوده ويجلب له الولاء والعمالة. أولى الحركات القومية العربية التي ظهرت هي الجمعية العربية الفتاة، عام 1891م في باريس، على يد مجموعة من الطلاب العرب.
بعد استيلاء فرنسا على سوريا زادت حدَّة النزعة القوموية العربية لمواجهة السياسة العدائية تجاه العرب، بعد أن عملت فرنسا وبريطانيا على التزييف التاريخي في البلاد التي احتلُّوهما؛ فعززت في لبنان دعوة أنَّهم ليسوا عرباً بل فينيقيِّين، وبأنَّ المصريِّين ليسوا عرباً بل فراعنة…
في مواجهة الاستعمار الفكري الفرنسي كان هناك دفاع عربي فكري في كلَّ المجالات وعلى جميع الأصعدة، حتى على الصعيد العسكري كانت الثورات ضدَّ الفرنسيِّين تنادي باسم العروبة رغم الاختلاف المذهبي والقومي للذين يتزعَّمونها. هذا الدفاع العربي استحال نزعة قوموية بامتياز بسبب النعرات الطائفية التي كانت فرنسا تثيرها بين الطوائف والقوميات، هدفها ضربها ببعض. فيما بعد؛ أي بعد التحرُّر من الاحتلال الفرنسي الذي دام ما يقارب خمسة وعشرين سنة لم يكن هناك نزاع مباشر بين الطوائف والقوميات في سوريا رغم الجهود الحثيثة لتحقيق ذلك، سوى بعض الحركات القومية المتعصِّبة التي فضَّلت البقاء على النزعة القومية لتحقيق مكاسب سياسية تمهِّد لها الوصول إلى السلطة. ولا يخفى أنَّ إسقاط الأنظمة الملكية وتبنِّي النظام الجمهوري على يد العسكريين الذين سعوا للحكم كان الباعث الحقيقي لتبنِّي القومية العربية كمشروع للدول المستقلَّة حديثاً عن الاستعمار، وخاصَّة سوريا؛ فالانقلابات العسكرية في سوريا كانت نتيجة لعدم الاستقرار السياسي، وكلُّ من قام بإسقاط رئيس قبله كانت حجَّته الوطنية والقومية. وهكذا نستطيع تضييق الأمر وحصره في زاوية معيَّنة:
فالرئيس العربي الذي عمل على ترسيخ وإعلاء القومية العربية وجعل ذلك منهجا يسير عليه الرؤساء العرب في باقي دول الشرق الأوسط، هو جمال عبد الناصر، (15 يناير1918م _ 28 ديسمبر 1970م)، القائم بثورة 23 يوليو 1952م التي أطاحت بالملك فاروق. نحن بصدد الحديث عن دوره في بثِّ وتقويه القومية العربية في سوريا؛ بسبب الشعبية التي حظي بها في سوريا من أنصاره ومتبنِّي الفكر القوموي العروبي، وخاصة في قيام الوحدة بين سوريا ومصر، والتي باءت بالفشل ولم تدم لأكثر من سنتين. ولكنَّ (النَفَس الناصريَّ) القوموي كان في أوجه حتَّى تشكَّلت في سوريا ومصر أحزاب قومية ناصرية.
الجوُّ العام في سوريا كان محتقناً بسبب كثرة الانقلابات والخلافات السياسية والعسكرية بين الأحزاب والحركات، رغم أنَّها جميعاً عملت على ورقة رابحة في المجتمع وهي القومية العربية. إلى أن جاء حزب البعث العربي الاشتراكي والذي كان خلاصة من الانقسام بين اليمين واليسار البعثيَّين؛ إذ كانت البداية الحقيقة من قيام ميشيل عفلق وصلاح البيطار وزكي الأرسوزي في (7 إبريل 1947م) بتأسيس حزب البعث العربي. استلم الحزب زمام الأمور بشكل مطلق عام 1970م وعمل على ترسيخ وتوطيد حكمه بالحديد والنار، وعمل على ترسيخ الفكر البعثي بكلِّ الطرق في جميع مفاصل الحياة في المجتمع السوري، رافعاً شعار القومية العربية ليستقلَ بها عاطفة الشعب السوري الراجي للخلاص من غوغاء الانقلابات، والمتأمِّل بالحرية والعدالة والازدهار التي أوهمها به البعث بالتنظير والشعارات.
انطلاقاً من هذه الفترة وحتى وقتنا الحالي هو أساس مقالنا لفهم ما يجري الآن؛ فمنذ العام 1970م حتى 1999م؛ أي فترة استلام البعث للسلطة في سوريا، وما قام به لتوطيد حكمه وضمان استمراريَّته كان سبباً مباشراً في التمسك العربي بالبعث ومنهجه القوموي العروبي، رغم الفشل الذريع في كلِّ مجالات الحياة في البلاد في تحقيق النهضة، حتى بعد تهيئة الأمور لتولِّي الابن بشار السلطة بعد وفاة أبيه حافظ جرت الأمور بشكل مخيِّب أكثر، وتنبَّه الشعب السوري بكلِّ طوائفه إلى انهيار الأمل المزعوم بالقومية العربية في تحقيق أيِّ شيء إيجابي للشعب؛ فالمستفيدون هم الحُكَّام والذين يساندونهم فقط. خاصَّة بعد ثورة الكرد عام 2004م ضدَّ ظلم البعث.
ولكنَّ الحدث الذي كان بمثابة الانفجار العظيم للشعب السوري قاطبة هو ثورته عام 2011م؛ حيث تبيَّن له بشكل واضح وجليٍّ قناعته بسقوط فقاعة القومية العربية وفشلها في النهوض بالمجتمع عامَّة فضلاً عن المكوِّن العربي؛ فقد عاينوا خلال تلك السنوات المنصرمة أنَّها كرَّست الفساد والمحسوبية والبيروقراطية التي طالما نادى الحزب بأنَّه يحاربها ويشجِّع الوحدة واللُحمة الوطنية لكلِّ المكوِّنات. وحين نتحدَّث عن الثورة السورية عامَّة نلفت الانتباه للتكامل في الثورة التي انطلقت في شمال وشرق سوريا خاصَّة؛ لأنَّ الأولى حَّرفها مستغلُّوها عن مسارها الصحيح، ولعبوا على حبالها مستغلين فورة الدم في الشباب المنتفض. فنجد في ثورة شمال وشرق سوريا التغيير المنشود والحلم الذي طال انتظاره وكان يُراود جميع المكوِّنات هناك، خاصَّة الشباب الذين لم يتشرَّبوا بفكر البعث الموبوء بالقوموية والتعصُّب والعنصريِّة، طوال خمسين عاماً من حكمه. حلمهم بالأمة الديمقراطية التي حملتها ثورة (روج آفا) وكانت خلاصة لفكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان؛ الذي أدرك بانَّ الأمة الديمقراطية التي توحِّد شعوب المنطقة وتقيم أخوَّتها برغم اختلافهم الديني أو الثقافي أو المذهبي، وتحفظ لهم حقوقهم، وتحقِّق لهم الأمن والاستقرار، وتحررِّهم من السلطة والرأسمالية والاستبداد، وتقيم علاقات سياسية ودبلوماسية مع من يعترف بها، وتحقِّق التكامل الاقتصادي المشترك الذي يخدم أفرادها ويضمن لهم توفير الفرص المناسبة للاستثمار، وتشكل الفرد القادر على الدفاع عن أرضه دفاعاً مشروعاً.
والحقيقة التي لا تخفى هو تخوُّف المكوِّن العربي منها، خاصَّة ما رافق انطلاقتها من شائعات وبلبلة ممنهجة ومدروسة لإفشالها وزرع الفتنة والخوف في نفس المكوِّن العربي منها، فوقف على طرف يناظر ويطالع مجريات الأمور لعدَّة أسباب مباشرة نستطيع أن نذكر منها:
_ التأثير العميق للفكر البعثي ومناصريه في تلك المناطق؛ فليس سهلاً التخلص في ليلة وضحاها من فكر تغلغل في الأذهان منذ الصغر طوال خمسين عاماً، بالذات أولئك الذين عاصروا حكم الأسد الأب وكان الخوف هو المسيطر المطلق على نفوسهم.
_ الأمر الثاني، هو السياسة التي عمل عليها النظام البعثي لتخويف المكوِّن العربي من مشروع الإدارة الذاتية باسم الانفصال والتقسيم وهكذا مصطلحات، الهدف منها التضليل والترهيب لا أكثر.
_الأمر الثالث، عمل الكثير ممَّن يتبعون للبعث على زرع فكرة الطائفية في ثورة (روج آفا)؛ بأنَّها ستكون معادية للعرب بشكل مباشر؛ وهذا ما نجده في الإعلام البعثي عياناً في كلِّ وسائل إعلامه.
_ وأيضاً عدم اكتمال أرضية شعبية تدرك جيِّداً أهميَّة ومصيريَّة مشروع الإدارة الذاتية والأمَّة الديمقراطية في مناطق شمال وشرق سوريا، وما يمكن أن يُغيِّر فيه وينهض به في كلِّ المجالات في حال إيمان جميع المكوِّنات به والعمل على جعله واقعاً مُعاشاً بوقوفها جنباً إلى جنب ويداً بيد.
وختاماً نجد أنَّه كان العرب يعيشون تخبُّطاً سياسياً وفكرياً وقومياً بسبب التغيرات المهولة التي شهدوها خاصَّة منطقة الشرق الأوسط، جعلتهم يتعلقُّون بكلَّ ما ينادي به الحالمون بالسلطة، بالذات الفترة التي تبعت احتلال أوروبا الرأسمالية لمنطقة الشرق الأوسط؛ كالحركات القومية، والاشتراكية المحرَّفة والعلمانية والرأسمالية والتنوير… إلخ. فكانوا في الحقيقة بحاجة إلى دعوة شاملة للنهوض من جديد بثورة يقودها قائد خاض بنفسه المصاعب، ودافع عن الشعوب المظلومة بكلِّ إيمان مع رفاق السلاح والحرية؛ أي القائد أوجلان ورفاقه الذين رأوا أن التحرُّر هو من حقِّ كلِّ شعوب منطقة الشرق الأوسط، ولن يتمَّ تحرُّر أو تكون أمَّة ديمقراطية مالم تكن كلُّ شعوب المنطقة في إيمان واحد بذلك. ونجد بعد كلِّ تلك التحوُّلات أنَّ هناك رغبة حقيقة _ من الشباب العربي خاصة_ بدعوة القائد أوجلان المجدِّد ليتخلَّص ممَّا به، ويتخلَّص من الطائفية والعنصرية والقيود التي زرعها القوميُّون الرأسماليون والاستعمار والحكَّام المستبدُّون بين شعوب الشرق الأوسط.
وبتحديد أكثر نستطيع القول: إنَّ المكوِّن العربي ينظر إلى مشروع الإدارة الذاتية والأمَّة الديمقراطية بأمل كبير بعد الخذلان من كلِّ الشعارات القوموية والاشتراكية المحرَّفة والرأسمالية؛ التي لم يُجنَ منها إلَّا التخلُّف والفساد والرجعية للشعوب. ووجد في مشروع الأمَّة الديمقراطية الحلم الذي يُراود كلَّ شعب عانى من السلطويَّة والعنصريَّة والتعصُّب والتمييز والظلم، ويأمل في التحرُّر وانتهاج الأخلاق نظاماً، وتحرير المرأة من الظلم المجتمعي القائم عليها، وإعادة دورها الريادي منذ نشوء البشرية.
فيجبُ أن نُدرك أنَّه بدرجة عظمة مشروع الأمَّة الديمقراطية فالجهد المطلوب عظيم كذلك؛ للوصول وبلوغ الحلم والهدف. ويجب أن ندرك كذلك أنَّ التدريب والتضحية والشهادة هي معالم الطريق الوحيدة لإنجاز مشروع الأمَّة الديمقراطية على أرض الواقع، لتكون قيم العدالة والحرية والأخلاق والنهضة نظام حياة.[1]