عبد الصمد اسد/ يحتفل مسرحيو العالم في السابع والعشرين من هذا الشهر (اذار) باليوم العالمي للمسرح، في سنته السادسة والخمسين، وبهذه المناسبة العالمية تحدث المسرحي العراقي جعفر راضي عن تجربته المسرحية في العراق قبل ان يتم اعتقاله من قبل نظام صدام في اواسط السبعينات، وكشف عن مرارة تلك المرحلة التي مر بها حين تم اعتقاله وتهجيره واهله مع الالاف من عوائل الكورد الفيليين في عمليات متسلسلة، فصولها لم تتوقف، وبلغت ذروتها بداية الثمانينات من القرن الماضي. وسيطل شهر نيسان القادم حاملاً الذكرى الثامنة والثلاثين لمآسي تلك الايام والتي كانت بذاتها تمثل تراجيدا انسانية حية... مسرحها لم يقتصر على قاعات السجون في العراق... ولا على بيوتات تاريخية لعوائل اصيلة في مناطق بغداد فقط بل شملت مثلها مدن عراقية عديدة، حيث تم تهجيرعشرات الالاف منها تباعاً، بطرق واساليب خبيثة، بدأت بخدعة اجتماع وهمي لتجار الكورد الفيلية، ونقلهم الى الحدود الايرانية دون اخبار عوائلهم، وجمع بعض العوائل في سيارات النقل، والبعض الاخر هجر واولادهم في المدارس، ودون علم معيليهم الذين كانوا في وظائف حكومية او في اماكن اعمالهم الحرة. فمنهم من التحق بعائلته بعد حين في ايران او في مناطق لجوءهم بالعالم. والفصل الاهم في تلك الفواجع محنة احتجاز الالاف من الشباب الذين لم يتم معرفة مصيرهم الى اليوم، ولا ختم النظام الجديد على فصول استحقاقاتهم القانونية كما انتفع غيرهم ممن خدم نظام صدام او ممن استحوذ على السلطة والمال نتيجة استغلال الكثير من تلك التراجيديا التي كانت اجساد الكورد، بشكل عام منذ تاسيس الدولة العراقية الى اليوم، مسرحها التي تجري عليها السيناريوهات الاجرامية بشتى الطرق والاساليب. كما حصل في ظل الحكومات المتعاقبة في العراق واشدها اجراما وآلاما، عمليات التهجير والانفال و الكيماوي في حلبجة التي تمر في مثل هذه الايام ذكراها المريرة..
ووصولا بما سبق من تراجيديا الواقع في حياة الكورد، لم يكن يخطر على بال فنان مسرحي من ابناءهم المبدعين ان يكون هو والعديد من اقرانه الفنانين الفيليين وذويهم ضحايا ورواة وشخوص حقيقيين جرت بحقهم تلك التراجيديا.. فالاستاذ جعفر راضي هو النموذج المسرحي المبدع.. المعتقل.. المهجر من وطنه، والمحتضن في السويد... المكرم من اكاديميات دولية. وقبل ان يروي فصول تلك المسيرة المؤلمة قال لقد اعتبر مؤرخوا الثقافة والادب في العالم, الفن المسرحي من أوائل الفنون التي ظهرت في العالم، ولذلك أطلق عليه لقب أبو الفنون، ويتمتع رواد هذا الفن بثقافة عالية واهتمام كبير بالثقافة وهموم الجماهيرية وتخشاهم الانظمة المستبدة،ولذا في كثير من الاحيان يلحق الغبن بمبدعيه في ظلها.. مضيفاً واما في العالم المتحضر يمثل المسرح وادواته عنصراً وركناً مهماً في نهضتها ورقيها. ولذلك يحتفل مسرحيو العالم في اواخر شهر اذار من كل عام ب(يوم المسرح العالمي)، وهذا الاحتفال في العالم المتمدن تم تاسيسه في الغرب بعد مآسي الحرب العالمية الثانية بالذات وهو واحد من الاحتفالات الكثيرة التي ترسخت في تاريخ حياتها التي تقام طوال العام للتذكير باحداث وقعت في عصور غابرة او الاحتفال بمناسبات رسمية وشعبية مبتكرة ... انسانية وتراثية او عصرية، والعديد من المناسبات المفرحة بينما شعوب العالمين العربي والاسلامي، فجداول حياتها مليئة باستذكار احزان، مآسي، حروب، نزاعات، فتن، اغتيالات، سجون، وتهجير في ظل انظمة وحكومات فاسدة وعائلية وعنصرية وطائفية. ولذا المسرح في عالمنا اسير فكر ديكتاتورية الفرد الحاكم، ولايمكن التقرب من هذه الخطوط الحمراء لا في الفن ولافي الفكر اوالادب او السياسة، بينما في العالم الاوروبي هو نتاج الفكر التنويري الحر الكاشف للمظالم والداعي الى التغيير والاصلاح والناقد لسياسات انظمة الحكم كما ان معظم الفنون والمؤسسات فيها مستقلة وغير حكومية.
وكمثال على ماتقدم من فوارق العيش والحياة بين العالمين كشف المسرحي جعفر راضي عن بعض من تفاصيل سيرته الشخصية ومسيرته المسرحية في العراق والسويد، حين انتزع منه في العراق حق المواطنة باعتقاله واقتطاعه من جذور اباءه وأُبعاده خارج حدود وطنه دون جريمة او ذنب اقترفه, بينما احتضنه تراب بلد ومجتمع غريب في السويد، لا يجمعه معهما جذور ولا عروق من دم، ولا لغة ولا ثقافة، او تاريخ مشترك.. ثم تكرماه بالحقوق والمواطنة والامتيازات قائلاً انا من مواليد العام 1948 ومسقط رآسي محلة عكَد الاكراد.. ومنبع تأهيلي الاول كان في مدارس الفيلية اوائل الستينات, وفي شباط الاسود العام 1963 شاركت اولاد المحلة وانا في سن الصبا(15 عام) مع المتصدين لجزاري البعث في انقلابهم المشؤوم ضد ثورة 14 تموز.. وحين انهيت المتوسطة والثانوية في المعهد العلمي ببغداد صرت عضواً في فرقة مسرح الصداقة في بداية تأسيسه العام 1966 وكان عمري انذاك (18 عام). واضاف واود ان اذكرحادثة ذات دلالة وعلاقة بواقع السياسة العنصرية في العراق، ففي اثناء عرض مسرحية (تراب) عام 1968 حيث كان اسماء وادوار الممثلين في الاعلان كالتالي: سالم الفيلي (المهرج)، عبد الرحمن فيلي (الوزير الاول)، جعفر الفيلي ( الوزير الثاني)، نعمان الفيلي (المُشَيِعْ)،وفجأة سمعنا تعليق احد المتفرجين يقول ..( الظاهر،الفيلية احتلو الوزارة)، وبعد انتهاء المسرحية طلب المخرج حذف لقب الفيلي عن اسمائنا خوفاً من مطاردة رجال الامن لنا، فتم الحذف. مضيفاً لا ادري لماذا كل تلك الحساسية عند البعض من لقب الفيلي وهو اللقب الوحيد الذي يوأصل حامله بانه كوردي، في حين معظم قبائل العراق من زاخو وحتى البصرة تفتختر عشائرها بالقابها وافخاذها واضلاعها ؟إإ(.....)، في حين الكثير من العراقيين بكل الوانهم العرقية لايعرفون ان العديد من نجوم الفن والثقافة والادب هم كورد فيليين امثال: الكاتب المسرحي الكبير المرحوم غائب طعمة فرمان والمخرج المرحوم جعفر علي والمرحوم حسين الحيدري والمرحوم نعمان داؤد وجبار النزاري وعبد الرحمن كاظم والفنان والاديب حيدر الحيدر والشاعر الدكتور عبد العزيز حيدر والشاعر ماجد الحيدر والشاعر الدكتور زاهد محمد زهدي والشاعر عبد الستار نور علي والشاعر ابراهيم جهان بخش والعازف منير بشير والعازف جميل بشير والعازف العود سلمان شكر والمطرب رضا علي والفنان جعفرحسن والمطرب جاسم الخياط والفنانة اسيا كمال والاعلامية خيرية حبيب والفنان جعفر راضي. وهذا غيض من فيض، اعداد كثيرة ممن اغنو تاريخ العراق في شتى المجالات ولا يسع المجال ذكرها.
وعن معاناة العمل المسرحي واعتقاله ثم تهجيره، ينتزع راضي بعضاً من فصول ذكرياته المسرحية واسماء من شاركهم في اعمال تلفزيونية والمسرح ومضايقات السلطة الصدامية لهم فيقول في مشواري المسرحي، اعتز بعملي مع رواد كبار في المسرح العراقي كالمخرج اديب القليه جي والمخرج وليد العبيدي، ومن والمؤلفين كالاساتذة طه سالم ..عارف علوان..مهدي السماوي ومؤلفيين عالميين مثل الصيني لو صن.. الفرنسي روبير ميريل..الروسي بوغودين.. البريطاني بن جونسون.. في مسرحيات (تراب.. عصافير الشوك.. القضية.. اللقاء القادم مع الجنرال.. المخاض.. العابر.. سيزيف والموت.. اجراس الكرملين.. شيخ المنافقين)، ومع ممثلين بارزين امثال.. جواد الشكرجي، امل خضير، وداد سالم، المرحوم سالم شفيق، وليد العبيدي، جبار النزاري، المرحوم حسين الحيدري، صلاح الصكر، الشاعر الغنائي كاظم السعدي،اسماعيل خليل، المرحوم صبحي العزاوي، عبدالرحمن كاظم، المرحوم نعمان داؤد، المرحوم عدنان الحداد، فتحي زين العابدين، زهير البياتي، عباس الحربي، حافظ العادلي، المرحوم نور الدين فارس، علي فوزي، علي رفيق، زهير تكمه جي، ورياض العادلي.. وفي مجال التلفزيون شاركت في تمثيليتين، هما رغبة فراشة وكاوه الحداد (...)، ولان رموز النظام الجديد كانوا يعرفون سلفاً دور وخطورة المسرح لذا مارسو رقابة الاعمال الفنية والثقافية، وصادف ان سجلنا في العام 1968 مسرحية (تراب) للتلفزيون وكانت المسرحية من ثلاثة فصول فعرض التلفزيون الفصل الاول وفي بداية الفصل الثاني قطعوا البث، وفيما بعد اتضح ان ذلك تم بامر من السلطة العليا بحجة المسرحية تمس امن الدولة، وفي العام 1969 وبعد بروفات لاكثر من شهرين على مسرحية (عصافير الشوك)، فوجئنا قبل العرض بثلاثة ايام بعدم موافقة الجهات الرسمية على عرض المسرجية بذريعة انها تمس الدين.
ان المعاناة في ظل سياسة (تبعيث) الحياة العامة شملت كل شيء في العراق، كما اشار الاستاذ حيث قال لقد استغل النظام قيام الجبهة الوطنية وبتخطيط سري بعد عودته الثانية في العام 1968 اتبع سياسة تبعيث النشاط الابداعي، وبلغت ذروته بعد سيطرة صدام على السلطة في تموز العام 1979، باساليب متنوعة ومدروسة ضد القوى السياسية القومية والوطنية، وقد نجح في ذلك مع البعض ولكن الغالبية استطاعت أن الهجرة خارج الوطن بشكل مؤقت حفاظاً على تاريخهم الابداعي، إلا ان اشتداد الاجرام الصدامي القمعي والإرهابي لم يدع للكثير من هولاء خيار غير العمل السري وثم هجرتها هي أيضاً. ومنذ ذلك التاريخ الأسود وحتى اليوم، ازدادت هجرة العراقيين، وهناك ما يقارب الألف من جميع الفنون والنشاطات الابداعية يعيشون في المنفى، استطاعوا، أن يواصلوا عملهم الفني وخاصة الفن المسرحي فأسسوا الفرق المسرحية العراقية والتجمعات في بلدان اللجوء العربية والأوربية، وتفاعلوا مع مسارحها ويعملوا مع فنانيه كما افعل انا بعد تهجيري من العراق واقامتي في السويد مع عائلتي.
تلخص محنة الاستاذ جعفر راضي، جزء من احداث ظالمة كثيرة تعرض لها المبدعين من جانب النظم في الوطن، وبروزهم وارتفاع قاماتهم في بلدان المهجر. وفي ما يخص العمل المسرحي والتكريم، قدم الاستاذ جعفر في السويد ومن وحي التهجير الذي تعرض له الكورد الفيليين، مسرحيات.. الشهيد..مأساة شعب.. ودم الشهيد.. ولديه اعمال مسرحية اخرى يتمنى تقديمها لو تعافى تماماً من عملية اجراها سابقاً، في يوم الشهيد باسم ( قبر بلا جسد) يطرح ماساة تهجير الكورد الفيليين وتغييب شبابهم في سجون صدام والمقابر الجماعية وكذلك تقديم مسرحية باسم (انهض يا عراق) يطرح فيها ظروف العراق بعد سقوط نظام صدام...
واضافة الى تلك الاعمال قدم مسرحيتين (كاوه الحداد ومأساة شعب) وجميعها من اعداده واخراجه وتمثيله..
اما من ناحية التكريم فقد تم تكريمه في نيسان العام 2016 بوسام (المبدعين) من قبل رابطة المبدعين العراقيين للفنون الجميلة وحصل على شهادة تقديرية من الاتحاد الديمقراطي للجمعيات العراقية في مدينة لوند جنوب السويد. وفي منتصف شهر تشرين الثاني العام 2017 شارك ومعه مجموعة من اساتذة الاكاديمية الامريكية في مؤتمر حوار الثقافات المختلفة في محافظة النجف الاشرف وتم تكريمه بدرع (بطل الثقافة) من قبل الاكاديمية هناك، وكرمته جامعة بابل ب(درع بابل)، وفي بغداد كرمته رابطة النخوة لشيوخ ووجهاء العراق بشهادة تقديرية لما يبذله من جهود لنشر الثقافة العراقية في السويد..
وحاليا يشغل منصب مدير قسم الثقافة والاعلام العراقي في السويد من قبل الاكاديمية الامريكية في الولايات المتحدة، واخيرا استلم مسؤولية مركز التراث والثقافة العراقية في الولايات المتحدة الامريكية فرع السويد. [1]