=KTML_Bold=في مواجهة العنف ضد المرأة=KTML_End=
=KTML_Underline=ميديا ميلان=KTML_End=
موضوع المرأة والمشاكل التي تعانيها هي من أكثر المواضيع التي تناقش بكثرة في السنوات الأخيرة. وإن كان البعض منها يزيد من الطين بلة، ويخلط الحابل بالنابل، إلا أن هذا الوضع لا يخفي حقيقة القضية التي عليها أن تثار؛ لحل مشاكل المجتمعات. ومن الضروري صياغة تعريف سليم، لمثل هذه القضية التي أصبحت من مقتضيات عصرنا ...
نصادف في هذه الأيام يوم الخامس والعشرين من تشرين الثاني، اليوم الذي قُتلتْ فيه الأخوات ميرابال لوقوفهنَّ ضد ديكتاتور دولة الدومينيك leonidas Trujillo... يُستذكرُ هذا اليوم في الكثير من دول أمريكا اللاتينية كاليوم العالمي لمواجهة العنف ضد المرأة.
بالطبع ظاهرة العنف ليستْ مشكلة خاصة بمكان معين، وليست ظاهرة ضيقة الانتشار. فحصيلة الإحصاءات التي تجري لمعرفة حجم عمليات العنف المرتكبة بحق المرأة، وتعلن للرأي العام؛ لا تظهر الحقيقة بكاملها. وإنْ أثبتت ارتفاع حجم عمليات وحوادث العنف المرتكبة بحق المرأة، فهي لا تظهر كل ما يجري في الواقع المعاش. وما تتناوله وسائل الإعلام من أخبار الجرائم والجنايات المرتكبة بحق المرأة ليست إلا ما تهرب من أعين المراقبين. فلا الأعراف، ولا التقاليد، ولا الأديان، ولا السلطة الحاكمة تسمحُ بظهور مثل هذه الحقائق، بل تسترُ حقيقة هذه الحوادث بألف ستار كما تسترُ حقيقة وجهها. ويجري في الخفاء ما لا يستطيع مجهر هذه الإحصاءات من إظهاره. لذا الوقوفُ فقط عند هذه الإحصاءات، لن يوصلنا إلى حقيقة الأمر. فظاهرةُ العنف قديمةٌ قدمَ تاريخ نظام العبودية، ولن نكون مخطئين إنْ أعدنا جذورها إلى بداية النظام الأبوي. أما امتدادها إلى يومنا هذا، هو إثبات لسحرها الذي لا يتخلى عنها المتسلطون لفرض نظامهم. تتوارثُ الأنظمة عن بعضها البعض هذه الوسيلة في سبيلِ إبقاء المجتمع تحت سيطرته. والأسرة حليفة الدولة في هذا المجال لا تختلف قوانينها كثيراً عن قوانين الدولة. يتوالد العنف والاستبداد داخل المفرغة التي تولد الأجيال الجديدة، يورثون العنف عن الأب والجد، فطاعة الأب من طاعة الرب ويحق لأبٍ ما عقاب زوجته وأطفاله وضربهم لفرض الطاعة. بالطبع يكره الإنسان الضرب والعنف سواء كان امرأة أو طفلا، إلا أنهم يتعودون على هذا العنف، فتتحول العادة إلى طبع ليستمرَّ عنف القوي على الصغير والضعيف. لأن هذا العنف طغى وتغلغلَ في الأجسام والعقول. بهذا الشكل تحاط العملية بمشروعية إلهيةٍ أُنزِلتْ من السماء، وكُتبتْ في الكتب المقدسة، ولا يمكن لأحد الوقوف ضدها، ومن يخرق القوانين، سوف تنزلُ عليه لعنة الرب وويلاته. فقد سمعنا وبلغات كثيرة أمثلة تضرب لمثل هذه الشرعية... على سبيل المثال، المثل التالي: العصا لمن عصا حيث يحق لدولة أن تعاقب مواطنيها، فهذا الأمر مقبولٌ شرعاً، خاصةً أنَّ الأفواه لا تتردد عن تكرار هذه الأمثال؛ الطاعة واجبٌ على العبد.
#عبودية المرأة# هي الحقل الاجتماعي الأعمق والمحجوب الذي طُبقَ عليه شتى أنواع العنف الجسدي والعقلي. فأنزلت إلى مستوى الأشياء التي تُشترى وتُباع ويتصرفُ بها الرجل كما يشاء. هذه الأفعال تذكرنا بهذه الأقاويل؛ نساءكم هي حقولكم، أحرثوها كما تشتهون لا تنقص العصا على ظهرها والمنى من رحمها من لا يضرب ابنته، سيضرب على ركبته. هذه الأمثلة تعكس الطابع الفاشي لسيطرة الرجل ليؤدي إلى شيوع العنف والتعصب والاستبداد في جميع مجالات الحياة الخاصة والعامة، في السياسة والأخلاق والدين والجنس وكل شيء. فطراز العلاقة مع المرأة يجري على جميع مجالات الحياة. بهذا الشكل يتجذرُ العنف ويتعمقُ في الوعي واللاوعي الإنساني.
بالطبع العنف يسري في كلِّ مكان والكل يعاني من هذه الظاهرة،. فالشعوب تأنُّ من ويلات الحروب ودمار الأسلحة، حتى أنَّ الطبيعة أيضاً أخذت نصيبها الكافي من مثل هذه العمليات الفتاكة. فهذه هي سمة النظام الحاكم معنفةٌ متسلطة. لكن المرأة هي أكثر من تعاني من هذه المشكلة. فأنانية الرجل وتعسفه الجائر في موضوع المرأة يجعله يومياً وعلى مدار الساعة حجر عثرة أمام المرأة. الرجل وفي جميع الطبقات لا يتوانى عن ارتكاب الجريمة تحت اسم الناموس والعشق دون أن ترف عينيه. وأكثر الحوادث مهزلةً تلك التي تُرتكبُ تحت اسم العشق والغرام كما في المثل التالي: المرأة كوتر العود، فاضرب بها كما تشاء والأتراك يقولون: Hem sever hem döver بمعنى أنه يحقُ له حبها وضربها. كل هذا يعني أنه لا يوجد أي مانع أخلاقي ولا حقوقي لمثل هذه الأفعال الشنيعة، حتى بعض القوانين التي تنادي بالمساواة، ليست سوى تمويهٌ في مجال حرية المرأة.
إنَّ رصد العنف فقط من الناحية الجسدية لا يظهر الحقيقة بكاملها، فالعنف الأيديولوجي أكثر عمقٌ وترسخ من العنف الجسدي، أو بالأحرى هما وجهان لعملية واحدة. فجميع أيديولوجيات السلطة والدولة تستقي من المواقف والسلوكيات الجنسانية. تأنيث المرأة ومن ثم تأنيث المجتمع كان وما زال الشغل الشاغل للحكام. فتُحبَكُ حيلُ الرضوخ من قبل دواهي النظام، ومن ثم يبدأ الانحطاط (عن العنف الأيدلوجي). هذه القوى تُعبئ لصالحها خطاباً أيديولوجياً يدعي أنه ليس ثمة بديلٌ لها كي تعطي الشرعية لممارساتها. لقد أثبت التاريخ، وإنْ لم يرفعُ النقاب بعد عن كل الحقائق، عن شدة تأثير العف الأيديولوجي على المجتمعات. فالنظام السلطوي بدأ بهذه الوسيلة التحكم على المجتمع. وما قام به الرهبان السومريون في بادئ الأمر كان خداع المجتمع وتخويفهم من العقاب وإغراءهم بجنة ما بعد الموت.
نرى بشكل واضح لغة المؤامرة التي تحبكُ عن طريق المثيولوجيا. ففي مثيولوجيا البابلية أنوما أليش، يُحْبَطٌ من وضع المرأة التي كانت ربةٌ قوية إلى امرأة ضعيفة تفسد كل شيء هنا وهناك. والصراع بين تيامات وماردوخ خيرُ مثالٍ على العنف الأيديولوجي الذي حُبِكَ لتحضير المجتمع للوضع الجديد. الأديانُ أيضاً تعقب هذه الوسيلة في موقفها من المرأة؛ ففي الأديان السماوية المرأة الأولى حواء خُلِقَتْ من الضلع الأعوج لآدم ومن أجله. لكنها كانتْ السبب في مخالفة أوامر الرب، لأنها استمعت إلى الشيطان وأكلت التفاحة الممنوعة وأقنعت آدم بأكلها، فأوقعتْ بآدم ذلك الرجل المعصوم من الأخطاء والمطيع لأوامر الله. إذنْ، المرأة ملعونة من عند الله ويجب الحيطة منها والسيطرة عليها، فكلُّ جزء من أجزائها يدعو إلى الإغراء لا بد من حجبها عن العيون، وحبسها في البيوت. هذه هي السياسة التي وشمت المرأة وأنزلت بها إلى القاع. واليوم نحن أمام ظاهرةٍ لا تختلفُ كثيراً عن ما سبق وذكرناه، فالضغط الأيديولوجي هنا لا يقلُّ تأثيراً على وضع المرأة سلباً. تُحبَكُ الحيل هنا تحت اسم حرية المرأة وتُفرضُ إباحيةً لا حد ولا حدود لها، يستثمر فيها كل جزء من أجزاء المرأة، صوتها، لونها وذهنها جميعها تحضرُ لإرضاءِ رغبات الرجل المجنونة والخاوية من أي تهذيب. الجارية التي كانتْ من قبل ترضي رغبات الملوك والأمراء والميسورين، اليوم أصبحتْ جاريةٌ بإمكان كلِّ رجل أن يكون ملكا أو أميراً يستثمرها في عالمه المصطنع. يفعلُ كل هذا وكأنَّ ما ترغب به المرأة من حرية، حدودها العظمة هي الوصول إلى هذا المستوى الذي وصلت إليه المرأةُ في الكثير من الدول المعاصرة. والحقيقة هي أنَّ تعرية المرأة وفرض الإباحية عليها هو الوجه الآخر لتحجيب المرأة وحبسها في البيت، ففي كُلَيهما يتمُّ استثمار المرأة من دون إرادتها. قبول هذا الوضع رغبةً (إن كانت الحقيقة بعيدة كل البعد عن هذا الموقف) أو اضطراراً هي نتيجة هذا الضغط الأيديولوجي، لأنَّ سياسات السلطات الحاكمة هي نفسها في الشرق والغرب. وهل يختلفُ الحكَّامُ في مواقفهم من المرأة التي وقعوا بها من أجل مصالحهم ؟!...
إنَّ حصولَ تغيرٍ طفيفٍ في وضع المرأة في بعض الأماكن، هي نتيجة المقاومة الشديدة التي قامت بها المرأة على مر السنوات الطويلة من تلقاء نفسها وليست مكافأً من الرجل الصالح لها. والحقيقة هي أننا على علمٍ بأن هذا لا يكفي لتحسين وضع المرأة في كل مكان.لأن القضية عالمية ومرتبطة ببعضها البعض. ومسؤولية النساء بالتحديد، هي بناء إجابات صحيحة بديلة للنظام السائر وإقامة فعاليات متماسكة ومتضامنة...[1]