الإدارة الذاتية الديمقراطية والحياة الحرة
دلزار ديلوك
تحقيق المجتمع الديمقراطي هو الشرط الأساسي لتحقيق الإدارة الذاتية، فالمجتمع الديمقراطي هو المجتمع الأخلاقي والسياسي، ولا يمكن بناء الفرد والمجتمع بدون الأخلاق والسياسة، لأن الأخلاق تعني وعي العدالة والحرية المجتمعية، وهي وجدان المجتمع، وتقوم ببناء وحدة المجتمع على أساس حماية الأثنيات المختلفة داخل المجتمع. وهي قوة العمل واتخاذ القرارات الأساسية التي تبني كل دعائم المجتمع. أما السياسة فهي عقل المجتمع المشترك، ونضال المجتمع من أجل تحقيق الحرية، والأسلوب الأساسي للتحرر. فالسياسة الديمقراطية، ترفض سياسة الأصناف والبنية الفوقية ضمن المجتمع. وتهزم ديمقراطية النواب التي تجعل إرادة المجتمع عن طريق ممثليه تنحصر ضمن نطاق مجموعة ضيقة، وتقسم المسؤولية والإرادة السياسية بين جميع أعضاء المجتمع، وتبني وجودها على مبادئ الأخلاق والوجدان التي تستمر عن طريقهم. وتعد انضمام المرأة بإرادتها الحرة وبشكل حر إلى سياسة المجتمع مبدأ أساسيا لها، لأن دور المرأة في الإدارة الذاتية يشكل القوة الأساسية في السياسة الديمقراطية، حيث تهدف إلى انقاذ السياسة من تأثير هيمنة الدولة والذهنية الذكورية، بالإضافة إلى أنها تناضل من أجل أن لا تتحول إلى أسلوب أساسي في إبادة المجتمع. لأنها تعد خلق المستقبل الحر للمجتمع في السياسة الديمقراطية موضوع الحياة والموت.
خلق المجتمع بدون تطور السياسة الديمقراطية لا يمكن خلق المجتمع والشخصية الديمقراطية، السياسة الديمقراطية هي تجسيد للسياسة الاجتماعية، تستطيع المجتمعات إخراج قوتها الخلاقة إلى الوسط وذلك عن طريق السياسة، وكذلك بمقدورها إيجاد الحلول المناسبة لكافة المشكلات، وإيجاد سبل تلبية احتياجاتها وبالتالي يمكنها الوصول إلى الحرية عبر هذه المفاهيم.
يمكن تأكيد هذه السياسات التي تعد موضوع الحديث عبر تحقيق السياسة الديمقراطية. والسياسة الديمقراطية لا تفسح المجال أمام غصب المكاسب الكثيرة، وعدم بذل المؤسسات والأشخاص الجهود، وضعف المسؤولية، وتنظر إلى الاتحادات السياسية والاقتصادية على أنها عوائق أمام خلق والتعبير عن الديمقراطية بالنسبة للمجتمع.
مفهوم الديمقراطية
إنَّ مفهوم السياسة الديمقراطية لا يعني تمتع أعضاء المجتمع بحق إبداء رأيهم في الانتخابات فقط، وإنما في الوقت نفسه يحق لكل عضو في المجتمع أن يعطي رأيه وقراره ويستطيع أن يعبر عن وضعه ويطبق قراراته ومن ثم يراقب نتائج التطبيق. وبناء الكومونات أيضاً يصب في بوتقة الهدف نفسه ألا وهو تطبيق ونشر مفاهيم السياسة الديمقراطية في كافة ساحات المنطقة، وتنظيم حتى أصغر خلية في المجتمع على مفاهيم الديمقراطية، وهذا هو الهدف الأساسي للميدان السياسي في الإدارة الذاتية، حيث يقوم جميع أعضاء المجتمع عن طريق التنظيمات السياسية في مجالس الشعب وعن طريق مؤسسات التدريب في الأكاديميات السياسية ببناء مؤسساتهم بأنفسهم والانضمام إليها، وهكذا يحققون انضمامهم إلى السياسة الديمقراطية. هذا الوضع يفسح المجال أمام كل شخص ليكون صاحب قوت لاتخاذ القرار في حياة المجتمع والمستقبل الحر للمجتمع، وبهذا يضيفون المعاني الكبيرة على وجودهم الحر عن طريق مجتمعيتهم.
الشروط الأساسية
يعد تطوير التنظيمات اعتباراً من الإداريين المحليين وحتى مجلس الشعب، شرطاً ضرورياً من أجل بناء إرادة ديمقراطية، وحل المشكلات، أن نموذج التنظيم الجديد الذي يهدف من كل خطوة يخطوها تقليص مساحة هيمنة الدولة، يستقبل حقيقة العصر بشكل أصح، لأنه يجعل مهمات الإدارة بيد المجتمع وذلك عن طريق المؤسسات المحلية الديمقراطية. وتعد كردستان الأرضية الأكثر قوة للشرق الأوسط في بناء هذا النظام الديمقراطي، لأن تاريخ المجتمع الكردستاني قد طبع بخصائص الحياة الجماعية المشتركة. لذلك تعتبر كردستان ساحة مباركة لأجل الحياة الجماعية، هذه الساحة التي شهدت منذ البداية نشوء المجتمعية، سوف تصبح في هذا العصر الذي وصلت فيها مشكلات الإنسانية إلى ذروتها، ساحة الانفتاحات الجديدة للمجتمعية الديمقراطية الأولى.
الإدارة الذاتية الديمقراطية يثبت تاريخ مجتمع كردستان أن الشعوب الأرمينية، الأشورية، العربية ….الخ قد عاشت مع بعضهما البعض بشكل مشترك وضمن وفاق وسلام على مدى آلاف الأعوام.
كما أنه يشير إلى انضمام التركمان إلى الحياة الجماعية المشتركة في بعض مناطق كردستان إلى أنه في هذه الجغرافيا تم بناء مبدأ التعايش المشترك للأثنيات والقوميات على أساس متين وقوي لا رجعة فيه. فتاريخ كردستان قد طبع بسمات هذا المبدأ. بالإضافة إلى ذلك يدل تعايش الكرد مع الشعوب الأرمينية، السريانية، العربية، التركمانية إلى أنه يتصف بتطبيق مشروع الإدارة الذاتية في جغرافية كردستان بقوة تطبيقية وفرص حقيقية.
لم تنتصر العنصرية في وطن الشمس، فوطن الشمس يعطي الفرص الكبيرة للشعوب والمجموعات والاعتقادات المختلفة للتعبير عن نفسها بشكل حر على هذه الجغرافية. في راهننا يتم استخدام اللغة السريانية والعربية بقدر استخدام اللغة الكردية في بعض مناطق كردستان، لأنه يتطلب أن تستقبل كل لغة حاجات المجتمع في مستوى رسمي. وهذا الأمر يشكل التأمين المناسب لحماية ثقافات الشعوب وغنى هذه الجغرافية، حيث تظهر حياة التكلم بلغتين أو حتى التكلم بثلاث لغات في كردستان حقيقة المجتمعات التي تعيش فيها.
تجد مجموعات الاعتقادات المختلفة التي تعيش في كردستان كالايزيديين والعلويين فرصة الحياة الحرة بما يتناسب مع حقيقتها وجوهرها في مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية. توفر الإدارة الذاتية الفرص التي تفسح المجال أمام الايزيديين والعلويين الذين عاشوا لمئات السنين تحت سلطة الأديان الحاكمة والمتسلطة، ليستطيعوا بناء مراكز المعتقدات والثقافات الأكاديمية والبحث والتنقيب في تاريخ الأثنيات التي تتعرض للقمع والاضطهاد، وليستطيعوا بهذه المعرفة أيضاً العيش بلونهم الحر، فهذه المجموعات التي تتسم بطابع الثقافة الجماعية تستطيع عن طريق مشروع الإدارة الذاتية إجراء البحوث العميقة في تاريخها، وإجراء النقاشات العميقة حولها دون البقاء تحت تأثير المتسلطين.
ليتمكنوا من العيش بشكل صحيح بما يتناسب مع العصر، والتعريف عن أنفسهم والعيش بحرية. لذلك تعتبر الإدارة الذاتية فرصة تاريخية، لأنه عندما يتحقق ذلك ستكون الأكاديميات التي ستبنى على هذه المفاهيم، في الوقت نفسه ساحة إحياء الثقافات المختلفة، وساحة لتعبر عن إرادتها ضد جميع أشكال الصهر، القمع، الابادة، وكافة أنواع وأشكال الصهر التي تمارس من قبل المجموعات المتسلطة، ببناء الكومونات في جميع الساحات، مراكز الثقافة والاقتصاد والمعتقدات والتطوير، وعلى هذا الأساس يتم الانضمام إلى هيئات ومجالس المدن والنواحي وهكذا يتم تطبيق مفهوم السياسة الديمقراطية التي تعتبر من اجل أشخاص المجتمع مهمة وحياتية.
إنَّ ضمان تطوير المجتمع الديمقراطي في كردستان، هو بناء الأسس المرتبطة بها وذلك عن طريق جميع التنظيمات بالإضافة إلى الشعب والمعتقدات المختلفة، الميراث الاجتماعي، الاختلافات. لذلك ستصبح الحياة المستقلة والحرة عن طريق تنظيم تلك المجموعات الظاهرة الأساسية للديمقراطية. بالإضافة إلى المعتقدات المختلفة أيضاً ولكن بشرط أن تستند على مفهوم الإدارة الذاتية وخلق مجتمعيتهم عن طريق هذا المفهوم وبناء المجتمع السياسي.
الإرادة الحرة ضد الاضطهاد في وقتنا الراهن، نستطيع أن نرى حتى وأن كانت بنسبة قليلة أنه تم المحافظة على الخصائص الجماعية ضد جميع انواع الظلم والتسلط، ومن هذه النقطة فصاعداً يعد شرط الوجود أيضاً أساساً، يعد تطبيق الخيال الأعظم لمستقبل حر بين نظام الإدارة الديمقراطية مهمة الإنسانية المشرفة وذلك عن طريق خلق الإرادة الحرة.
إنَّ تطبيق الإدارة الذاتية في الميدان السياسي يتحقق بشكل أكيد عن طريق مفهوم السياسة الديمقراطية. يعتبر تعريف جميع أعضاء المجتمع بمبادئ السياسة الديمقراطية، والعيش حسب احتياجات المجتمع السياسي الأخلاقي، الشرط الأساسي لتحقيق حياة حرة ومستقبل مشرق.[1]