=KTML_Bold=قراءة في مبادرة الإدارة الذاتية لحل الأزمة السورية=KTML_End=
في 18نيسان/أبريل 2023 أطلقت الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا مبادرة لحل الأزمة السورية، في ظرف يكثر فيه الحديث عن قرب تسوية الأزمة السورية سياسياً، في قراءة خاصة لتسارع عمليات التطبيع مع النظام السوري عربياً وإقليمياً.
لقد حرمت الإدارة الذاتية والقوى السياسية في شمال شرق سوريا من المشاركة في مسار جنيف، وفي مساري أستانا وسوتشي لحل الأزمة السورية بضغط من النظام التركي بصورة رئيسة، لكنها اليوم، وكما كانت قبل ذلك، تعد رقما صعباً يصعب حل الأزمة السورية بدون أخذه بالحسبان.
وبالعودة إلى المبادرة، وعلى الرغم من الأخطاء الإملائية الكثيرة فيها، إلا أنها تضمّنت جملة من الأفكار والمواقف التي تستحق مناقشتها.
تبدأ المبادرة بالقول “إن الأزمة السياسية التي أعقبت الحراك الشعبي الثوري..” نسجل على هذا القول ملاحظتين: الأولى تتعلق بحصر الأزمة في المجال السياسي، مع أنها أزمة مركبة سياسية اجتماعية اقتصادية ثقافية وغيرها، وأنها أزمة استبداد وتخلف بامتياز. والملاحظة الثانية تتعلق بوصف الحراك الشعبي ب”الثوري”، فهو كعملية، وليس حدثاً، كان صراعا بين شكلين للاستبداد الأول يدعي العلمانية وهو منها براء، والثاني يريد خلافة على منهاج النبوة، فكان منهاجه إجرامياً بامتياز. وإذا كان المقصود “حراك الشعب الثوري” بحسب نص المبادرة، فإن ذلك سوف يدخلنا في أزمة قراءة وتحليل لواقع الشعب لاكتشاف الجزء “الثوري” منه!. ثم ما المقصود ب ” التراكمات والاقصاء والتهميش ” التي أحالت المبادرة الأزمة السياسية إليها كنتيجة. هذه العبارة المفتاحية كان يجب” من الناحية اللغوية على الأقل، توضيح المقصود منها، إذ يمكن في حالتها هذه أن تفتح المجال لأسئلة كثيرة وقراءات متعددة.
وإذ تعود المبادرة للقول بوجود جوانب “سياسية، واقتصادية، واجتماعية” للأزمة السورية وهو قول صحيح، لكن ما كان عليها أن تبرز مناطق شمال سوريا كمناطق للنزوح والهجرة بل جميع مناطق سوريا لكي يتم تجنّب القراءة الخاطئة للمبادرة بإحالتها لمكون قومي محدد.
إن الفشل في إيجاد حلول للأزمة السورية عبر مسارات جنيف وأستانا وسوتشي بحسب المبادرة لا يعود من وجهة نظرنا إلى غياب الفهم الصحيح لطبيعة الأزمة، أو لعدم وجود برنامج لحلها، أو لعدم إشراك جميع القوى السياسية في عملية الحوار( الفقرات 1 و2 و3)، بل إلى سبب حقيقي ظاهر، يكاد يكون وحيداً، وهو إصرار الأطراف المتصارعة (النظام والمجموعات المسلحة) على الحسم العسكري. أما السبب الحقيقي غير الظاهر فيعود إلى عدم رغبة الأطراف الدولية التي تدير الأزمة إبداء جاهزيتها لحلها.
كان على النظام السوري منذ البداية أن يبحث عن حل سلمي للأزمة يركن إليه، لكن النظام الاستبدادي وخصوصاً من الطراز السوري (المتغطي بالشرعية الثورية والانقلابية) لا يؤمن بغير القوة لحسم خلافاته مع معارضيه. وهو اليوم إذ يحسب نفسه انتصر في معركته المسلحة على تدخلات أكثر من “ثمانين دولة”، يردد دائماً إن ما عجزت القوى المعارضة عن تحقيقه بالقوة، لن تحققه بالسياسة. في الواقع كانت بعض القوى المعارضة الوطنية الديمقراطية التي وقفت ضد العنف، وحذرت من الحلول العسكرية والأمنية لمخاطرها على وحدة البلاد والشعب، وعلى معاناة السوريين، أكثر شعوراً بالمسؤولية إذ طالبت، منذ ما قبل تفجّر الأزمة، وبعدها، بضرورة المبادرة بالدعوة إلى مؤتمر وطني يعقد في دمشق يشارك فيه ممثلون عن جميع السوريين للنظر بداية في تلافي تفجر الأزمة، وفي البحث عن خيارات لحلها بعد تفجرها. حتى المؤتمر الذي عقده النظام على طريقته لم ينفذ التوصيات التي صدرت عنه.
من الجيد جداً أن تؤكد الإدارة الذاتية على “وحدة الأراضي السورية ” كإطار لحل الأزمة، وهي بذلك تسحب من يد من يزعم زوراً وبهتاناً أنها تسعى للانفصال. ومن الجيد أيضاً أن تعلن صراحة عن استعدادها للحوار مع الحكومة السورية، ومع غيرها من القوى المعنية لحل الأزمة في إطار وحدة البلد، إذ أنه الإطار الوحيد الصحيح لحل ” المشاكل التي تعيشها سوريا”.
اللافت في خطاب الإدارة الذاتية، وفي خطاب أغلب القوى السياسية في شمال شرق سوريا استخدام بعض المفاهيم والمصطلحات الخاصة في التحليل السياسي مثل مصطلح “المكونات” (طائفة، مجموعة، فئة، قومية، وغيرها) أو مصطلح ” الشعوب” للإشارة إلى الإثنيات الموجودة، وتعدّ عدم الاعتراف ب ” بخصوصيتها وحقها في المواطنة والمساواة ” أساس الأزمة السورية، وهذا غير صحيح من وجهة نظرنا؛ فالأزمة في الجوهر والشكل هي أزمة النظام الاستبدادي، الذي تساوى الجميع لديه بالظلم والخوف والقمع. بالطبع يجب تفهم القول بحقوق “الإثنيات” المختلفة المشكلة للشعب السوري، وهي حقوق مشروعة ينبغي أن يحققها النظام الديمقراطي المنشود من خلال اشتراطه بالعدالة، والمساواة في المواطنة. لكن أن يتم جمع ذلك مع حقوق “الطوائف” أو حقوق كل ” مجموعة ” كما وردت في نص المبادرة، والتي يمكن أن تعني أي هوية فرعية عائلية أو عشائرية أو قبلية وغيرها، فهو غير صحيح. الحقوق الخاصة بالطوائف الدينية هي حقوق تتعلق بممارستها لطقوسها وشعائرها الدينية بكل حرية، وهذا كان متحققاً في سوريا حتى في ظل الاستبداد، أما القول بأن لها حقوقاً سياسية ينبغي تحقيقها فهذا خطأ. لقد حاول الاستعمار الفرنسي تقسيم البلد إلى دويلات طائفية استناداً إلى هذه الخصوصيات المزعومة، لكن الأغلبية الساحقة من أبناء هذه الطوائف رفضتها. هذا لا يعني بالطبع أن ليس لها حقوقاً مدنية تتعلق بها كطوائف دينية، لكن هذه الحقوق واحدة لدى كل الطوائف، وهي كما ذكرنا كانت متحققة.
وإذا كان أي حل منشود للأزمة السورية ينبغي أن تشارك فيه كل الإثنيات المشكلة للنسيج الاجتماعي السوري، وأن يحق لها حقوقها القومية، وهي أيضاً حقوق واحدة لها جميعاً، فمن غير المفهوم وضع هذه الحقوق على قدم المساواة مع حقوق الطوائف التي هي بالأصل متحققة.
ورد في المبادرة في أكثر من موضع ما يعبر عن أهمية دور الأحزاب السياسية السورية في حل الأزمة، لكنها تجاهلت بصورة لافتة دور الفئات الاجتماعية ذات الطابع الطبقي والنقابي، وغيرها من تنظيمات مدنية في حل الأزمة، في حين ركزت على الهويات الطائفية.
لا ضير أن تبرز المبادرة أهمية النظام “الديمقراطي” القائم في شمال شرق سوريا، وأن تعده ك ” مرتكز ولبنة” أساسية لحل الأزمة السورية، لكن كوجهة نظر يمكن أن تطرح على طاولة الحوار والمفاوضات. نحن نعلم، ككثير غيرنا، حجم وكثرة الثغرات والمشكلات التي يعاني منها هذا النظام. وما نعلمه أيضاً ويعلمه كثير من مسؤولي الإدارة الذاتية، وهو الأخطر، أن الأغلبية الساحقة من السوريين، ومن القوى السياسية الموالية والمعارضة لا تقبل بهذا الطرح لحل الأزمة السورية لأسباب كثيرة يمكن إجمالها بالتكوين الثقافي للمواطن السوري. ثم كيف يمكن تجاوز معارضة تركيا الحاسمة لأي شكل من أشكال الإدارة الذاتية يهيمن عليها الكرد في سوريا؟!
تبدي الإدارة الذاتية استعدادها لاحتضان من هجروا أو نزحوا من مناطقهم نتيجة الأزمة وخصوصاً المهجرين إلى لبنان، وهذا موقف إنساني تضامني يحسب لها، لكن من الناحية السياسية ينبغي التأكيد على حق كل سوري بالعودة إلى منطقته التي هُجّر عنها أو أجبر على النزوح منها، في غير ذلك سوف يحصل تغيير ديمغرافي غير مقبول ويشكل قنبلة موقوتة مع الزمن.
من الأهمية والصواب تسليط الضوء على الدور الإجرامي لتركيا في الأزمة السورية، لكن بخصوص الحل لا بد من قراءة مختلفة بعد الشيء تتعلق بجميع الدول المتدخلة في الأزمة السورية، وعلى وجه الخصوص أمريكا وروسيا وإيران وإسرائيل إضافة إلى تركيا، إذ عليهم جميعا أن يرحلوا في نهاية المطاف.
وإذ تحسن المبادرة في مناشدتها الدول العربية والأمم المتحدة وجميع القوى الفاعلة في الشأن السوري العمل على تطوير حل ” ديمقراطي وسلمي..” للأزمة السورية، غير أنها تجانب الصواب بحصرها الحل “بالحكومة السورية والإدارة الذاتية…”، في تناقض مع ما طالبت به قبل ذلك من ضرورة إشراك جميع “مكونات” الشعب السوري في الحل.
في الفقرة الأخيرة من نص المبادرة التي يعدها مطلقوها وجهة نظر “معقولة” لحل الأزمة، وأنهم على استعداد لمناقشة “جميع وجهات النظر ومشاريع الحلول” الأخرى، والعمل على إيجاد “حل مشترك ينهي الأزمة، ويضع حدا لمعاناة السوريين”، والاتفاق على بناء الوطن من جديد”. هذا يعني عدم وجود خطوط حمر لا يمكن تجاوزها، ولا اشتراطات مسبقة، فالحل هو ما يتفق عليه السوريون عبر الحوار. إن هذا الموقف للإدارة الذاتية هو أهم ما جاء في نص المبادرة، ويبين عدم صحة ما ينسب لها من وجود خطوط حمر لديها لن تسمح بتجاوزها. ملاحظة أخيرة ربما كان من الأفضل أن يكون مجلس سوريا الديمقراطية الجهة التي أطلقت المبادرة، وليس الإدارة الذاتية.[1]