كردستان من العصر الميلادي حتى القرن العاشر مرحلة السيطرة العربية )الإسلامية
عبد الله شكاكي
بدأت الحياة السياسية لمحمد )ص( في العام الثاني للهجرة بانتصاره في غزوة بدر وتجريد تجار قريش من أموالهم وتوزيعها غنائم حرب على المشاركين في الغزو، وفي السنة الثالثة كانت غزوة أُحُد الخاسرة، وفي السنة الرابعة كانت غزوة بني النضير والأحزاب )الخندق(، وفي الخامسة للهجرة غزوة دومة الجندل، وفي السادسة غزوة بني المصطلق، وفي السنة السابعة للهجرة كانت غزوة خيبر والانتصار على اليهود، وفيها برزت قوة علي بخلعه باب مدينة خيبر لوحده وإلقائه بعيداً وقيام سلمان بتوزيع الحلوى احتفاءً بالنصر وبقدوم عيد النوروز الذي صادف ذلك اليوم، وفي السنة الثامنة كان فتح مكة، وفي السنة التاسعة غزوة تبوك، وفي العاشرة للهجرة حجّ محمد حجّة الوداع وتوفي في تلك السنة. ومع عصر الخلفاء الراشدين بدأت الغزوات العربية الإسلامية خارج حدود الجزيرة العربية بغية توسيع رقعة الدولة والحصول على الغنائم الحربية تحت مسمّى نشر الدين الإسلامي، مع أن الدين الإسلامي أعلن صراحة «لا إكراه في الدين » ، و «إن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ». أبو بكر الخليفة الأول بعد محمد لم يكن لديه متسع من الوقت للقيام بالغزوات خارج الحدود بسبب ظهور حركات الردة الإسلامية لدى معظم القبائل العربية باستثناء قريش وثقيف وظهور عدد من مدعي النبوة منهم مسيلمة الكذاب والأسود العنسي. ولما فرغ من حروب الردة بدأ بتجهيز الحملات لإرسالها إلى العراق وبلاد الشام. لكن الغزوات العربية الإسلامية التي استهدفت السيطرة على كردستان تمت في عهد عمر بن الخطاب الذي تولى الخلافة بعد وفاة أبي بكر في العام الثالث للهجرة .
كلّف عمر لقيادة حملة بلاد الشام وكردستان أبا عبيدة بن الجراح يساعده عياض بن غنم وحبيب مسلمة وخالد بن الوليد وميسرة بن مسروق الفهري وذلك سنة 15 ه ) 636 ( م. وبعد احتلال دمشق وحمص وبعلبك وأخذها من أيدي هركليوس )هرقل( ملك الروم توجهت نحو قنسرين وحلب فصالحهم أهلهما على دفع الجزية، ثم سار أبو عبيدة نحو انطاكية التي تحصن فيها خلق كثير من قنسرين وحلب، واقتحم المدينة بقسوة مما اضطر أهلها إلى الصلح ودفع الجزية، ثم غادرها بعد أن ترك فيها قوات مرابِطة، ثم توجه نحو قرى الجومة )منطقة عفرين الحالية السهل والجبل( واحتلها ومن ثم توجه صوب كوروس )قلعة خوري- خوروس( فخرج رهبانها يطلبون الصلح فصالحهم أبو عبيدة على صلح انطاكية بدفع الجزية، «وبث خيله فغلب على جميع أرض قورس » )يعني قلعة خوري( ثم تابع سيره نحو أعزاز وفتحها، ومن ثم كلف عياض بن غنم بمتابعة الغزو والتوجه صوب دولوك )عينتاب( حيث اضطر أهلها إلى الاستسلام عندما تيقنوا أن لا جدوى من المقاومة وذلك على الصلح ودفع الجزية. ومن جهة أخرى كلف ابن الجرّاح جيشاً بقيادة حبيب بن مسلمة بغزو جورجوم )گورگوم- مراش( فافتتحها صلحاً على دفع الجزية وأن يكونوا عوناً للمسلمين ثم احتلها ثانية، وفي السنة نفسها أعاد خالد بن الوليد الهجوم عليها من جديد وتم تدميرها وإجلاء سكانها. وفي الجبهة العراقية والكردستانية انتصر سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية بعد اشتباكات عديدة على الجيش الفارسي واندحر يزدكرد ملك الفرس وقُتل في أرض المعركة، واضطر الفرس إلى قبول الإسلام، وكان اعتماد الجيش الفارسي على الكرد الذين كانوا يدينون بالزرادشتية، وبعد قبول الفرس للدين الجديد رفض الكرد التخلي عن دينهم وقاوموا الجيش الإسلامي ببسالة. تابع ابن وقاص سيره نحو المدائن )مدينة طيسفون( عاصمة الدولة الساسانية واستولى عليها سنة 16 ه ) 637 ( م ثم تابع حملته باتجاه بلاد كردستان يرافقه سلمان الفارسي والقعقاع بن عمرو وعاصم بن عمرو، حيث تم احتلال جلولاء وحلوان وخانقين وهمدان والدينور وبلاد ميديا, وفي تلك البلدان قام القعقاع بأعمال فظيعة منها أنه سبى كثيراً من النساء وأرسلهن إلى هاشم بن عمرو ، إضافة إلى غنائم لا تحصى قدرت بثلاثة ملايين دينار ذهبي قُسمت بين القواد، وأرسل الخمس إلى عمر مع كمية من المعادن الثمينة والجواهر نُهبت من خزائن كسرى وبيوت النار ومن الأهلين، وفي السنة نفسها تم احتلال نينوى والموصل )الحصن الغربي والشرقي(، وباعدرى وداسن وبازبدي في جبل شنگال، ثم توجه صوب جزيرة بوتان .
ترأس حملة الاستيلاء على الجزيرة عياض بن غنم يساعده سهيل بن عدي، وتوجهت نحو حران حيث صالحها أهلها على دفع جزية، ثم نحو الرها فقاوم أهلها بشدة وبسبب قلة العتاد اضطروا أخيراً إلى الاستسلام والصلح ودفع الجزية، وولى أبو عبيدة حبيب بن مسلمة على كرد الجزيرة، واستولى أبو موسى الأشعري على نصيبين، وفي السنة نفسها تم الاستيلاء على سروج وسامساط. أما في رأس العين فقد لقيت الحملة مقاومة شديدة من أهلها فتركوها وتوجهوا صوب تل موزان )واشوكاني( فتم الصلح على دفع الجزية. استأنفت الحملة التي كان قوامها عشرة آلاف جندي سيرها نحو مدينة آمد المشهورة بأسوارها العظيمة، ونشب قتال ضار بين الآمديين والعرب دون إحراز أي تقدم، فقام الجيش العربي بمحاصرة المدينة من الجهات الأربع وبشكل محكم، حيث رابط عياض بن غنم على الباب الجنوبي )باب ماردين(، ومعاذ بن جبل على الباب الشمالي )باب الجبل- خاربيت( ، ورابط خالد بن الوليد على الباب الشرقي )باب دجلة( ، أما على الباب الغربي باب الروم )باب الرها( فقد رابط سعيد بن زيد، وبدأ الهجوم الوحشي على المدينة وأسوارها من الجهات الأربع، وقد أبدى أهل آمد مقاومة باسلة لا نظير لها في ظل حصار محكم ولمدة خمسة أشهر ولكن دون جدوى. وأصيب العرب بالإحباط جراء مقاومة الآمديين وكادوا أن يجروا ذيل الهزيمة لولا أن لاحظ خالد بن الوليد صدفة خروج كلب من قناة لصرف مياه المدينة تحت السور، فقام بتكليف ابنه سليمان على رأس ثمانين من أمهر المقاتلين بعبور القناة والتسلل إلى داخل المدينة ليلاً، وتم ذلك واشتبكت القوات المتسللة مع المدافعين وقُتل جميع المتسللين ولكن تمكنت القوات العربية الإسلامية في النهاية من اجتياز السور وفتح أبواب المدينة وذلك في عصر يوم السابع عشر من أيار سنة 639 م ، وبدأت عمليات القتل بالمئات وأحرقت المدينة ونهبت الممتلكات ونكلت بالأهلين وتمكنت رئيسة البلدية مريم دارا من النجاة بنفسها بصعوبة حيث تسللت من نفق تحت السراي وهربت إلى خارج المدينة. تجاوزت عمليات القتل والنهب المدينة إلى القرى المجاورة، واستولى عياض بن غنم على دير مار توما وحوله إلى مسجد، وفرض على كل شخص غرامة مالية تقدر بأربعة مثاقيل من الذهب. لكن الوحشية الكبرى هي التي قام بها خالد بن الوليد في اليوم التالي عندما أفلت جنوده الذين قاموا بأبشع الجرائم ضد الأهالي من قتل وسلب وحرق من جديد، وبعد أن أشبع خالد غريزته من الغنائم والأموال وغيرها قيل أنه دخل حماماً وشرب حتى الثمالة واستحم «وتدلّك بغسلٍ فيه خمر » ، ووصل الخبر إلى أسماع عمر فاضطر إلى عزله وحجز مغانمه وممتلكاته ، ولكي يطمئن عمر بن الخطاب على آمد وحتى لا يعود سكانها إلى المقاومة قام بترحيل قبيلة بني بكر العربية وأسكنها في المدينة وجوارها وبدل اسمها إلى «ديار بكر » ، وفعل الشيء نفسه مع ولاية الرها إذ دعاها «ديار مضر » بعد توطين القبائل المضرية فيها، إضافة إلى ولاية الموصل )موصل- نصيبين( دعاها «ديار ربيعة » بعد توطين قبيلة ربيعة بن نزار .
استأنفت الحملات العربية الإسلامية زحفها للاستحواذ على باقي مناطق كردستان وجمع المزيد من الغنائم، واشتبكت مع الكرد في معركة حامية الوطيس بمدينة نهاوند حيث يئس العرب من تلك الواقعة وتراجعوا عدة مرات وقتل فيها خلق كثير لأن الكرد لم يستسلموا طواعية بل قاوموا جيوش العرب بضراوة ورفضوا التخلي عن دينهم، وأخيراً استولى العرب على بلاد الكرد وفرضوا عليهم دينهم، وقاموا فيها بأفظع الأعمال، ثم تابعوا سيرهم نحو المناطق المتبقية والظفر بالمزيد من الغنائم والسبايا وعيونهم لا تشبع من الأموال والشهوات. استمر تقليد تلك الأعمال طيلة المرحلة الراشدية واستعملت مصطلحاتها في مختلف مراحل دول الخلافة الإسلامية باسم الفتح وبحجة نشر الدين الإسلامي، لكن جوهرها كان المصالح القومية والعشائرية التي سخرتها طغمة صغيرة متنفذة لمصلحتها الخاصة ولا علاقة لها بنشر الإسلام ولا بباقي فئات الشعب .
ففي المرحلة الأموية وبعد انتصار معاوية على علي بن أبي طالب سقط مشروع «الجمهورية » الإسلامية، وانتصرت الارستقراطية العربية القرشية وتأسست «الملكية » الدنيوية العربية الوراثية بقيادة معاوية بن أبي سفيان الذي عين ابنه يزيد ولياً للعهد، وأصبحت معظم كردستان تحت الحكم الأموي حيث وزعوا ولاتهم على أقاليم كردستان، وباشروا بالسلب والنهب باسم الخراج والصدقات والزكاة أو الجزية، لكن أهل الكوفة رفضوا عهد يزيد فور استلامه السلطة، واستدعوا الحسين بن علي لمبايعته خليفة للمسلمين، وعند قدومه تعرضت قافلته لهجوم مباغت من جيش يزيد أدى إلى فناء جميع من فيها وسبي نسائهم وقُطع رأس الحسين وعُرض في شوارع الكوفة، ثم أرسلت السبايا ورأس الحسين إلى دمشق ليقذف بين يدي يزيد .
شكلت المجزرة التي قُتل فيها الحسين سنة 680 م القطيعة الأبدية بين القرشيين وآل بيت النبي، تمثلت في ظهور الشيعة كحزب ديني وسياسي دائم، وما زال الشيعة يحيون ذكرى مقتل الحسين بإقامة المآتم والأحزان تخليداً لذكراه حتى اليوم. يذكر أن قوات يزيد هاجمت عبدالله بن الزبير فالتجأ إلى الكعبة وتعلق بأستارها لكن قوات يزيد رمت الحجارة بالمنجنيق على ساحة الكعبة وانكسر الحجر السود إلى ثلاث قطع عام 683 م . استمرت مسيرة «الملكية الأموية » تسعةً وتسعين عاماً، واصلت فيها عملياتها العسكرية لتوسيع رقعة الدولة باسم «الفتح » ، وشيدت حضارة مادية لكنهم ابتعدوا كثيراً عن جوهر الإسلام وخالفوا مبادئه السامية، فنفرت منهم شعوب كردستان وفارس وعموم آسيا الإسلامية ومصر، وأخذ الفرس يدعون أنهم أرقى من العرب ولا يطيقون سلطة بلاد الشام التي انتشر فيها الفساد والرزيلة، حيث ظُلم أبناء الشعب وجُرحت مشاعرهم خاصة في عهد الوليد الثاني 744 -743م.
كان آخر ملوك الأمويين مروان بن محمد الملقب )مروان الحمار( ، الذي جاهد لإعادة مجد الدولة الأموية لكنه لم يفلح، لأن العائلة المالكة لم تعترف بسلطته كونه استولى على الحكم عنوة، والسبب الآخر لأن الدم الجاري في عروقه لم يكن دماً عربياً نقياً حيث ولد مروان من أم كردية، ويقال أنه كان ينوي نقل مقر السلطة من دمشق إلى حران موطن أخواله الكرد، وأخيراً قُتل في مصر، وانتهت بمقتله الدولة الأموية. ويبدو أن العرب فضّلوا انهيار الخلافة الأموية على أن يشغل كرسيها رجل لا ينحدر من أصلٍ شريف ! . أما المرحلة العباسية فقد مهد لها إبراهيم الإمام كبير البيت العباسي، واستغل مشاعر المسلمين غير العرب الذين ظُلموا كثيراً على يد الأمويين وخصوصاً أهل خراسان المتصفين بروح التمرد ونزعة الحرية والميل إلى الجناح الثوري )الخوارج(. ففي رسالة وجهها إبراهيم الإمام داعي الدعوة العباسية والأخ الأكبر للسفاح وأبي جعفر المنصور إلى أبو مسلم الخراساني يقول فيها: «أبا مسلم إنك رجل منا أهل البيت، احفظ وصيتي: اتهم ربيعة في أمرهم، وأما مضر فإنهم العدو القريب الدار، واقتل من شككت فيه، وإن استطعت ألا تبقي في خراسان من يتكلم العربية فافعل، وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله » ، فقد دفعه هاجس السلطة والجلوس على عرش الملوكية إلى التضحية ليس بالأمويين فقط وإنما بجميع العرب، وقد غرر برسائله عدداً من العوائل المنحدرة من أصول غير عربية ومنهم الكرد، مثل آل خراساني وآل برمك الذين كانوا متنفذين في نهاية العصر الأموي ويمتلكون مهارات في الأمور العسكرية والإدارية والسياسية والثقافية .
ولما آل الأمر إليهم جلس أبو العباس الذي لقب بالسفاح )لكثرة سفكه الدماء( على كرسي «الخلافة » ثم تبعه أبو جعفر المنصور أعظم خلفاء بني العباس الذي مسح اسم الأمويين من التاريخ بقتلهم جميعاً حتى قبورهم لم تسلم منه حيث نبشوها وأحرقوا عظامهم، وقد جار على الشعب بشكل يصعب تصديقه وأثقل عليهم بجباية الضرائب والخراج وغيرها ، وفيه قال أحد الشعراء:
يا لقومي ما لقينا من أمير المؤمنينا
قسم الخمسة فينا وجبانا الأربعينا
وثاني عمل «عظيم » قام به هو التخلص من أبي مسلم )المؤسس الحقيقي للخلافة العباسية( قتلاً بالسيف في مكيدة دبرها له أبو جعفر داخل قصره، وقد ألقى أبو دلامة شاعر بلاط المنصور قصيدة في مقتله عرفنا من خلالها أنه ينحدر من أصول كردية مطلعها:
أفي دولة المنصور حاولت غدره ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد لكن الغريب أن المنصور ذكر في وصيته لابنه المهدي لما شعر باقتراب أجله: «أوصيك بأهل خراسان خيراً لأنهم بذلوا أموالهم ودماءهم في دولتك ، وما أظنك تفعل . »
أما هارون الرشيد 193 – 170 ه ) 808 – 786 ( م اشهر وأعظم خلفاء بني العباس فقد جلس على العرش العباسي بمعية يحيى بن خالد البرمكي وزير الخليفة الهادي، حيث أراد الأخير عزل أخيه هارون عن ولاية العهد وتنصيب ابنه ولياً للعهد لكن يحيى البرمكي بدبلوماسيته الماهرة جعله يعدل عن رأيه ويبقي هارون ولياً للعهد. وعندما آل الأمر لهارون ترك أمور الحكم وديوان الخاتم وتدبير شؤون البلاد للوزير يحيى وولديه جعفر والفضل وكان كل من جعفر وهارون ينادي أب الآخر «يا أبتِ » ورضع كل منهما من أم الآخر، وكان جعفر من أخص ندمائه ويجلس معه كل مساء إلى جانب أخته العباسة بنت المهدي، ويبدو أن جعفر والعباسة قد حدث بينهما قصة حبّ على طراز ألف ليلة وليلة، وكان مفتي الخلافة قد أوصى بعدم شرعية جلوس جعفر مع العباسة، ولذلك وافق الرشيد على تزويجهما بناء على التوصية شريطة أن لا يلتقيا إلا بوجوده، ولكن حدث ما حدث وأنجبت العباسة منه ولداً، ولخوفها أرسلته إلى عمتها في المدينة لتشرف على تربيته، ولما علم الرشيد بالأمر بناء على وشاية من زبيدة استشاط غضباً وأمر مسرور كبير جلاديه بقتل العباسة، ففعل ودفنها في قصره، ثم أمر بقتل البرامكة فأبادهم عن آخرهم واستولى على أموالهم لانتهاء مهمتهم لديه )كما قصة المنصور مع أبي مسلم(، ومات هارون الرشيد سنة 193 ه فخلفه ابنه الأمين وكان الرشيد قد «بايع » له قبل موته وللمأمون من بعده، ولكن صراعاً قوياً حدث بينهما على كرسي الخلافة بتحريض من أخوالهما، حيث كان العرب أخوال الأمين والفرس أخوال المأمون، وانتهى الصراع لصالح المأمون وقُتل الأمين ذبحاً من قفاه ونصب على برج في المدينة، وخرج أهل بغداد للنظر إليه، وأحد رجال المأمون يقول: هذا رأس المخلوع محمد .
ومما يجدر ذكره أن البرامكة كانوا مهرة في الإدارة والعلوم وشجعوا العلماء على البحث والكتابة والترجمة، وأن الفضل )أخو جعفر( بن يحيى البرمكي وزير هارون هو أول من أدخل الورق إلى البلاد الإسلامية تشجيعاً للكتابة حيث بنى معملاً للورق في بغداد عام 794 م ، وكان يكتب قبل ذلك على الحجر أو الرقم الطينية أو جلود الحيوانات، ومن بعدها دخل الورق مصر عام 800 ، واسبانيا عام 950 ، والقسطنطينية 1100 وإيطاليا 1154 وألمانيا 1228 وإنكلترا عام 1309 .
أما بقية الخلفاء فلا حاجة لذكرهم لأنهم لم يتركوا أثراً نافعاً، ودخلت البلاد في فوضى عارمة، وكثرت الصراعات المذهبية والأثنية، وانعدم الأمن لكثرة اللصوص والأشقياء، وكان كل خليفة ألعوبة إما بيد الفرس أو الترك يسيّرون الأمور كما يشاؤون، ففي عهد الخليفة المستعين بالله مثلاً كتب أحد الشعراء: خليفة في قفص بين وصيف وبغا يقول ما قالا له كما تقول الببّغ ا وفي عهد الخليفة المقتدر، قلد وزيره أبو علي محمد بن يحيى على ولاية الكوفة سبعة عمال )ولاة( في مدة عشرين يوماً وفيه قيل :
وزيرٌ قد تكاملَ في الرّقاعة يولّي ثم يَعزِلُ بَعدَ ساعَهْ
إذا أهل الرشى اجتمعوا لَدَيْهِ فَخير القوم أوفرهم بضاعَهْ[1]