لقد أصابت السياسة التي اتبعها مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال السنوات الأربع الأخيرة و نتائج انتخابات نيسان الماضي في العراق الدبلوماسيين و الخبراء و المراقبين بحالة من التشاؤم بكون تولي المالكي ولايته الثالثة لمجلس الوزراء العراقي لن يحقق ولو بصيصاً من الأمل في تحسن أوضاع العراق . و الملاحظ أن السيد جون .بي . حنا مستشار الأمن القومي للسيد ديك شيني النائب السابق للرئيس الأمريكي ينظر بقلق بالغ الى مستقبل العراق و يتخوف من أن يسير العراق نحو مستقبل مظلم إذا ما تولى المالكي منصبه لولاية ثالثة، و الأخطر من ذلك بنظر جون حنا هو السياسة التي أتبعتها الولايات المتحدة إزاء العراق فهو يعتقد أن أوباما قد أدرك متأخراً أن تصرفات المالكي ستوصل العراق الى هذا المنحى الراهن و أجرت مجلة كولان هذا اللقاء معه بشأن جملة القضايا و الشؤون العراقية و الخلافات بين بغداد و إقليم كوردستان :
* مع حصول المالكي في الانتخابات الأخيرة على ما يناهز نسبة 30% من أصوات الناخبين و عدم قبول الكورد و الصدر و الحكيم بتولي المالكي هذا المنصب لولاية ثالثة إلا أن الأخير هو الآن بصدد تكوين أكثرية سياسية تؤهله لتشكيل الحكومة الجديدة، أو ليس في ذلك مسار آخر مظلم للعراق و مستقبله ؟
- هنا لابد لي أن أعبر عن قلقي إزاء إعادة تولي المالكي منصب رئيس الوزراء لولاية ثالثة ..فلقد تصرف المالكي في عامي 2007 و 2008، بشجاعة و بدعم أمريكي قوي، كقائد أو زعيم قومي للعراق و بدأ حقبته آنذاك بشن عمليات واسعة ضد الارهابيين السنة و الشيعة على قدم المساواة ، ممن كانوا يحاولون اجهاض و تعطيل و تعكير الديمقراطية التي كانت قد حلت على العراق آنذاك، و كثف مساعيه بذات الاسلوب، و بناء على اصرار الولايات المتحدة لتجاوز الخطوط الاثنية و الطائفية و عمل بإخلاص مع القوى السنية و الكوردية، لتحقيق السلام و الاستقرار في البلاد، ولابد من القول : أنه قد أدى دوراً كبيراً في انقاذ العراق في أصعب الظروف و أشدها حلكة من أعتاب حرب أهلية شاملة و جنبه مخاطر الفوضى و الانهيار، إلا أن تصرفات المالكي قد سارت من سيء الى أسوء بعد انسحاب القوات الأمريكية في عام 2011 و بصورة دراماتيكية صعبة و عمد الى استخدام مفرط و سيء للسلطة في محاربته لمناوئيه و سعى للسيطرة على اقوى مؤسسات الدولة و احتكارها . اعتباراً من القوات المسلحة وصولاً الى وزارة الداخلية و من جهاز المخابرات الى البنك المركزي و المحاكم و المفوضية العليا للانتخابات، و حال دون تأمين المستلزمات العاجلة للعراق و المتمثلة في وجود مؤسسات تنفيذية للتعاون و العمل المشترك على أسس التوافق و مراعاة المصالح المهمة لمختلف المكونات العراقية و الوضع الديمقراطي القلق في البلاد و بدلاً عن ذلك فقد اتبع المالكي اسلوباً سياسياً آخر كان يضم التسلط و المواجهة و الاعتماد على الأكثرية، و أدى كل ذلك الى محو الضمانات الدستورية لفصل السلطات و المساءلة و تحديد السلطات . و كان ذلك طريق حل ادى فقط الى الشك و التخوف و التقسيم الطائفي و الاثني أكثر فأكثر .. و المفروض ألا يجد أحد المبررات للقاعدة و مسانديها الذين أوجدوا كابوس الموت و الإرهاب ضد العراقيين الأبرياء خلال السنوات الماضية، و مع ذلك علينا ألا ننسى بأن اسلوب حكم المالكي كان له أثر محدود في اضعاف القاعدة و القوى الراديكالية الأخرى و نزع الشرعية عنها بل بالعكس من ذلك فسياسة المالكي هي بمثابة مشاركة في تحسين مسار تلك المجموعات و مستقبلها و تعميق الأزمة التي مر بها العراق راهناً. و أتساءل هل تكون الدورة الثالثة للمالكي على غرار 2007 – 2008 أم على غرار أوضاع عام 2011 ؟ هذا في الواقع سؤال رئيسي، و أخشى ما أخشاه هو أن تكون أكثرية الدلائل، مبررات للتفاؤل بهذا الاتجاه و المخاطر كثيرة و شائكة لأنه لو كانت دورته الثالثة على غرار الولاية الثانية فإنني عندها أخشى هو توسع احتمالات تفكك العراق كدولة موحدة بصورة أسرع .
* أولا تؤيدنا في احداث الوضع الراهن أرضية جيدة أو مناسبة لإفشال العراق .
لا شك في أن المساعي و الشروط السائدة الآن، والتي هي عبارة عن تصاعد العنف و التعقيدات و الوصول مفترق طرق سياسي طويل الأمد، والشلل و الاقتتال من أجل المواضيع الصغيرة، هذه كلها لا تساعد و لا تخدم استقرار العراق ووحدته، وهناك مخاوف أكبر و لمواجهات أعم في مديات الفوضى و التفكك و لابد للجميع أن يدركوها..
من ناحية أخرى لو تمخضت المفاوضات الطويلة في النهاية تشكيل حكومة جديدة تضم جميع الأطراف في العراق، و تلتزم بالدستور و تكون جدية في بناء الديمقراطية و خدمة المصالح السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للمواطنين فإن ذلك سيكون ناتجاً يستحق أن ننتظره لفترة طويلة.
* و بالنتيجة، ترى إلى أي حد تهتم الولايات المتحدة بمستقبل العراق و تمنع تكرار الدكتاتورية فيه ؟
- لقد توصلت الولايات المتحدة، برأيي، متأخرة جداً إلى نتيجة أن العراق سيكون في وضع أفضل إذا ما قطع المرحلة الانتقالية بصورة سلمية، و ديمقراطية، بأن يتولى الحكم فيه تحالف جديد و برئيس جديد، و تأخروا جداً، أي الأمريكان، في ادراك حقيقة أن المسار الذي يتبع في البلاد الآن يتسبب في ابعادها عن الديمقراطية الحقيقية ،و قد يقودها الى مستقبل أشد ظلمة، و مزيد من عدم الاستقرار و فوضى عارمة من العنف ..و حتى مع ادراكهم هذا ما زلت اتخوف من ألا تكون إدارة أوباما مستعدة لتوظيف المحاولات و المساعي و المصادر الدبلوماسية الضرورية لمساعدة العراق و إنقاذه من تجربته الديمقراطية و وحدته الهشة و أيّاً كانت النتائج عندما تولى أوباما السلطة كان يعتقد أن التزاماته تجاه الشعب الأمريكي هي عبارة عن (مغادرة العراق و الانسحاب منه ) بدل المشاركة في معالجة مشكلاته .
يعتقد الرئيس أوباما أن بالإمكان إلحاق وزر أي عمل سيء يرتكب في العراق بإدارة الرئيس بوش و دعواه في ذلك هو أن الولايات المتحدة كانت تكون في وضع أفضل لو لم تقم باحتلال العراق، وبقاء صدام في الحكم، و وفق ذلك كان اوباما يتفق، مع وجود عراق ضعيف و منقسم و مبعث تهديد أقل من حكم نوري المالكي الدكتاتوري . هذا في حين أنه ربما لا يفضل تحقيق مثل هذه النتيجة وقد يعتقد أوباما أن ذلك لا يشكل تهديداً حقيقياً للمصالح الأمريكية بحيث يضطر لتوظيف مساع و مصادر جدية لها و بقناعتي أن إدارة أوباما هي على خطأ بين من هذه الناحية، و لكن لو تابعنا ذلك بنظرة واقعية، لو أردنا إنقاذ المشروع الديمقراطي في العراق، فإن على العراقيين أنفسهم أن يتولوا الجانب الأصعب من ذلك لأنهم لو اتبعوا طريقهم و أبدوا رغبتهم الحقيقية في حماية بلادهم و العملية الديمقراطية فيها ؛ عندها قد يضطر أوباما في النهاية لمساعدتهم إلا أن ذلك بنظري هو رهان سيء إذا ما انتظر العراقيون مقدم أمريكا يرأسها أوباما لإنقاذ الوضع في العراق فإنقاذ الديمقراطية في العراق يتوقف بالأساس على القادة والزعماء و رجال الحكم فيه .
* و أين يتوجه المسار، بإصرار المالكي على مواقفه و في العلاقة بين الكورد و بغداد ؟
- لقد عادت قرارات المالكي، كما سابقاتها، بالضغط على إقليم كوردستان عن طريق قطع حصتهم من الموازنة، عادت عليه بأسوأ النتائج، فكل ما حققته سياساته في التهديد و الوعيد و الرعب و الابتزاز هو فقط السير بالأوضاع نحو الأسوأ فيما يحتاج الوضع الى توظيف مساع جدية و مخلصة لاتباع اسلوب الحوار للتوصل الى اتفاق عادل يعود بالنفع على الطرفين .
و يضمن استخدام الثروات الهائلة التي يمتلكها العراق بصورة مسؤولة و يستفيد منها الجميع، ثم إن وجود النية الصافية لدى الطرفين ستطرد كل احتمالات مثل هذه الظروف لعدم ارساء حقوق الكورد في ظل نظام فدرالي للدولة العراقية من جهة و حماية وحدة العراق و نهضته من جهة أخرى، فهل يا ترى يتمكن المالكي من التوصل الى مثل هذا الاتفاق المثالي ؟ و هل لديه نظرة واقعية و ديمقراطية بهذا الصدد أم أن جل تطلعاته تتلخص في إعادة مركزة جميع السلطات و حكرها بين يديه و يهيمن الحكم في بغداد على مصير الكورد مرة أخرى ؟ و كل الدلائل الواردة بشأن ماضي المالكي تحتم نوعاً من التشاؤم . ولكن حتى لو يئسوا من المالكي فإن على الكورد أن يتساءلوا : ألا تكون احتمالاتهم أفضل مع حاكم عراقي آخر ؟ فالمالكي لا يمثل جميع العراقيين و هناك العديد من الزعماء العراقيين الذين لا يوافقونه الرأي و يمكن اقناعهم باتباع سياسة واقعية أفضل إزاء اقليم كوردستان تعود بالنفع على العراق بصورة عامة و ليس على الكورد فحسب، و نتساءل هل هناك فرصة سانحة لتولي مثل هذا الزعيم الحكم بعد الانتخابات ؟ ثم لو بقى الكورد موحدين ؛ فإنهم سيحظون بمدى جيد من المطاليب من قبل الحكومة الجديدة في العراق لقاء مساندتهم لها ..
* و ما مدى ما يوفره بيع نفط الإقليم من أرضية مناسبة لاستقلاله من الناحية السياسية .؟
- ستكون قدرات و امكانية إقليم كوردستان في بيع النفط و الغاز و السيطرة على مصيرهم الاقتصادي أما أساساً لاستقلال الإقليم أو الحجر الأساس لبناء دولة فدرالية موحدة و ديمقراطية و رغيدة في العراق، ويوقف تحقيق أي الأحتمالين على وجهة نظر و سياسة و من يحكمون بغداد .. فقد أوضح الكورد على مدى (10) سنوات الماضية حقيقة أنهم سوف يلتزمون بمساعدة عمالية إعادة بناء العراق المستقر و الغني الديمقراطي، متى ما توفر لهم الوسائل التي لهم الأمن و الوضع الاقتصادي الرغيد، وهو طريق حل في غاية الأهمية و يتطلب تفهم باقي أقسام العراق، إلا أن خيارات المالكي في السنوات الأخيرة، كانت مع الأسف عكس هذا التوجه .
* برأيكم هل تبقى دولتا العراق و سوريا موحدتين أم تنقسما أن إلى عدة دول ؟
- ليس بوسعي توقع المستقبل، ولكن الحقيقة الساطعة هي أن نظام الدولة في الشرق الأوسط، والذي استجد بعد الحرب العالمية الثانية، قد طال أكثر مما توقعه الكثيرون، إلا أنه صحيح أيضاً أن هذا النظام يعاني الآن من ضغط غير متوقع كما هو الآن بالنسبة لاحتمالات تفتت الجغرافية السياسية للمنطقة، ولو بحثت في موقع (غوغل) عن موضوع ( انتهاء سايكس بيكو ) فإنك ستتوصل الى آلاف التوجهات، إلا أن تفكك الدول المستقرة و تغيير الحدود من الناحية النظرية هو أسهل مما تحققه في الواقع العملي، ونكاد نقول أن تقسيم الدولة هو واقع يتسبب بصورة حتمية في العنف و عدم الاستقرار، و يعاني الملايين من الناس من جراء هذه العملية، ما دفع بالقوى الأخرى، و من بينها القوى العظمى، لمعاداتها باستمرار، ولا شك في أن اتباع السياسة السيئة و العنف و الزعامة غير الجيدة يجعل في النهاية تغيير النظام الراهن في الشرق الأوسط أمراً محتوماً، إلا أن القفز نحو هذا المجهول يجب ألا يكون أول شيء أو حل يلجؤون اليه، لأن من الأفضل، وندفع ضرائب أقل بقناعتي، بذل كل المساعي في البداية لتوسيع رقعة الحرية و التحرر و الفرص السانحة في إطار البنى المتوفرة .
جون حنّا في سطور :
جون بي حنا هو سياسي و دبلوماسي أمريكي تولى خلال أعوام 2005 – 2009 منصب مستشار الأمن القومي للسيد ديك شيني نائب الرئيس الأمريكي سابقاً و كان في الإدارة الأولى للرئيس بوش خلال الفترة 2001 – 2005 نائباً لمستشار الأمن القومي لديك شيني لشؤون الشرق الأوسط و كان في الإدارة الأولى للرئيس بوش أحد المشاركين المقربين لصياغة السياسة الأمريكية إزاء العراق و ايران و سوريا و لبنان و عملية السلام في الشرق الأوسط و الحرب العالمية ضد الإرهاب
* و تولى في الفترة الثانية شؤون الأمن القومي لديك شيني و أصبح كبير مستشاريه لشؤون الشرق الأوسط و كوريا الشمالية و روسيا .
* و كان جون حنا في فترة إدارة بيل كلينتن كبير مستشاري وزير الخارجية الأمريكي و ان كريستوفر وكان في حقبة إدارة جورج بوش الأب عضواً بارزاً في هيئة التخطيط لوزير الخارجية جيمس بيكر .
* بعد تقاعده من الوظيفة و العمل الحكومي أصبح المستشار الأقدم و نائب مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى و هو الآن باحث أقدم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية FDD . و ينشر مقالاته باستمرار في صحف نيويورك تايمز، واشنطن بوست، وورلد ستريت جورنال، لوس أنجليس تايمز، ناشنال ريفيو، فورين بوليسي .
ترجمة : دارا صديق نور جان.[1]