=KTML_Bold=تركيا: القضية الكردية مجددا على المحكّ=KTML_End=
كورداونلاين
اعترف اردوغان ب الهزيمة ووعد بدراسة الأسباب والعمل لأخْذ العِبر والدُّروس. ولا شك أن صورة الفشل لدى حزب العدالة والتنمية ستكون أكثر وضوحا، مع الأخذ في الاعتبار أن الحزب موجود في السّلطة
وأخيرا، ذاق حزب العدالة والتنمية طَعم الهزيمة، وإن بمعناها السلبي. فبعد ثلاث دورات انتخابية متتالية أعوام 2002 و2004 و2007، كانت أصواته ترتفع باضطراد من 34 إلى 42 إلى 47%، تعرّض الحزب المنفرد بالسلطة في تركيا منذ عام 2002 إلى خضّة كبيرة في الانتخابات البلدية، التي جرت يوم 29 مارس 2009، عندما فشل في الحِفاظ على تفوّقه النّوعي الكبير وتراجعت أصواته بثمانية نقاط كاملة بحصوله على 38.9% من أصوات الناخبين.
وعلى الرغم من أن الحزب تقدّم على أقرب منافسيه، حزب الشعب الجمهوري العلماني بفارق كبير بلغ 16 نقطة وعلى حزب الحركة القومية الثالث ب 25 نقطة، إلا أن المعيار الذي وضعه رئيس الحزب والحكومة رجب طيب اردوغان لقياس مدى نجاحه أو فشله، وهو 40 أو 42%، سقط بعد ظهور النتائج، خصوصا أن المعارضة نفسها عملت كأولوية على تخفيض النِّسبة التي سيَنالها حزب العدالة والتنمية إلى أقل من أربعين في المائة، قبل أن يكون هدفها أن تتقدّم هي.
ويزداد ثِقل الخيبة لدى رجب طيب اردوغان، عندما فشل حزبه في الاحتفاظ بالعديد من البلديات، التي كانت بيده وبسبب تراجُع نسبة الأصوات في البلديات التي ربِحها إضافة إلى تراجع نِسبة الأصوات في المُدن التي لا أمل له فيها، ولكنه كان يُراهن على إحراز تقدّم فيها. وانعكس ذلك بالطبع على تراجع الحزب في كل الدوائر الانتخابية، على اختلاف مواقعها الجغرافية وانتماءاتها المذهبية والعِرقية ومستوياتها الطّبقية.
الاعتراف المُر
وقد اعترف اردوغان ب الهزيمة ووعد بدراسة الأسباب والعمل لأخْذ العِبر والدُّروس. ولا شك أن صورة الفشل لدى حزب العدالة والتنمية ستكون أكثر وضوحا، مع الأخذ في الاعتبار أن الحزب موجود في السّلطة وقد استفاد من ذلك لتوظيف خيراتها، لكسب تأييد الناس عبر مساعدات عيْنية من جانب بعض الوزارات والبلديات، وصلت إلى حدّ توزيع الثلاجات وأفران الغاز والغسّالات وما إلى ذلك، ومع ذلك، لم يفلح الحزب في تعزيز حضوره، بل تراجع حتى عن انتخابات 2004 البلدية.
ولا شك أن الوضع الاقتصادي، الذي تأثرت به تركيا بسبب الأزمة المالية العالمية وفضائح الفساد التي ظهرت وتباطُؤ عملية الإصلاح منذ أكثر من سنتين، إن لم يكُن أكثر، كانت من عوامل تراجُع حزب العدالة والتنمية على مستوى كل تركيا.
غير أن الإشارة الأكثر دلالة في السيّاق السياسي هذه المرّة، هي نتائج حزب العدالة والتنمية في المناطق الكردية والتّداعيات المحتملة لذلك على المسألة الكردية في تركيا وفي شمال العراق، حيث يتواجد مسلّحو حزب العمّال الكردستاني.
موقعة الجنوب الشرقي
لقد نجح حزب العدالة والتنمية طوال السنوات القليلة الماضية أن يقدِّم نفسه على أنه حزب كل تركيا، وكاد بعد تقدّمه في الانتخابات النيابية عام 2007 في المناطق الكردية ونيله حوالي نصف أصوات الأكراد، أن يقدِّم نفسه باعتباره الحزب الوحيد القادِر على أن يجترح الحلّ للمشكلة الكردية.
إذن، كان الجميع ينتظر ما ستؤول إليه موقعة الجنوب الشرقي بين أكراد حزب العدالة والتنمية وأكراد حزب المجتمع الديموقراطي الكردي، المنسجم سياسيا مع حزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجالان، المعتقل في السجون التركية.
وكانت المفاجأة أن حزب العدالة والتنمية، ليس فقط لم تتقدّم أصواته في المناطق الكردية، بل تراجعت عما كانت عليه بحوالي 18 نقطة وخسِر أيضا بلديات كانت بيده، مثل سعرت (مسقط رأس أمينة زوجة اردوغان) وفان.
المعركة في الجنوب الشرقي كانت ثنائية بين حزبي العدالة والتنمية والمجتمع الديمقراطي، فيما لا وجود لأحزاب ثالثة مؤثرة. ولعل نتيجة بلدية ديار بكر، كبرى المدن الكردية، كانت رأس حربة المواجهة، حيث نجح مرشح المجتمع الديمقراطي الكردي عثمان بايديمير في سحق خصمه، مرشح العدالة والتنمية قطب الدِّين أرزو ب 65% مقابل 30% من الأصوات. ونجح كذلك المجتمع الديمقراطي في استرداد بلديتَيْ سعرت وفان وكذلك ايغدير (من حزب الحكمة القومية)، والاحتفاظ بخمس بلديات رئيسية كانت بحوزته، وهي ديار بكر وتونجيلي وباتمان وحقاري وشيرناك.
رسالة كردية قوية لأردوغان
لقد سعى حزب العدالة والتنمية إلى سحب البِساط من تحت أقدام حزب العمال الكردستاني عبر تقديم خدمات تنموية واسعة للمنطقة والوعْد بإيجاد حلول للمشكلة الكُردية عبر الاعتراف بها. وحاول اردوغان أن يكسب قلوب الأكراد أيضا، عبر بعض الخُطوات الانفتاحية، مثل إنشاء محطّة تلفزيون رسمية باللّغة الكردية والوعد بإنشاء محطّة إذاعية باللغة الكردية، غير أن هذه الخطوات لم تُؤت أكْلها في الانتخابات البلدية الأخيرة.
ولعل نزوع أو ربّما اضطرار حزب العدالة والتنمية إلى مواجهة التمرّد الكردي لحزب العمال الكردستاني داخل تركيا وفي شمال العراق بالقوة العسكرية وعودة سياسة الاجتياحات العسكرية لشمال العراق، قد ساهم في عودة الشكوك بنوايا حزب العدالة والتنمية لدى القاعدة الكردية، التي وجدت في الوقت نفسه أن خطوة التلفزيون الكردي لم تكُن جدِّية، لأنها تعبِّر عن وجهة النظر الرسمية، وليس هذا هو المطلوب كُرديا، لذا، كان الاقتراع ضدّ حزب العدالة والتنمية في الجنوب الشرقي، رسالة اعتراض كُردية واضحة على استمرار التفكير بحلّ المشكلة الكردية من طريق القوّة المسلحة، واعتبار السياسات المتَّبعة حتى الآن من جانب الحكومة، لا تلبِّي تطلُّعات الأكراد، وتدخل في باب الفولكلور والدِّعاية الانتخابية.
ولعل اردوغان قد ارتكب خطأً كبيرا عندما لم يُراعِ الحساسيات الكُردية في الجنوب الشرقي، حين أطلق تحدِّيا قويا بقوله، أنه يريد انتزاع بلدية ديار بكر من يَد حزب المجتمع الكردي. ولا شك أن مثل هذا التصريح، شكَّل استفزازا للمشاعِر الكردية، كما لو أن ديار بكر مدينة عاصِية وتحتاج، إما للاقتحام أو مدينة تحتاج للفَتح، وبذلك، استثار اردوغان من حيث لا يدري العصبية الكردية، التي استجمعت نفسها فيما يُشبه الذود عن الحياض.
وكان تصويت الأكراد ضد اردوغان رسالة أخرى قوية جدا، مفادها أنه لا فرق بين حزب المجتمع الديمقراطي وحزب العمّال الكردستاني، وأن أي حلٍّ للمسألة الكردية يجِب أن يمُرّ بحزب العمّال الكردستاني وعبدالله أوجالان شخصيا. وقد تكرّرت تصريحات ومواقِف زُعماء الأكراد في الأشهر الأخيرة حول الالتفاف حول مرجعية اوجالان بالنسبة لأكراد تركيا، ولا يمكن استبعاد البُعد الخارجي من التصويت الكردي غير المباشر لصالح اوجالان.
العودة إلى المربع الأول
فقد ظهرت في الأسابيع الأخيرة دعَوات تهدِف إلى إسقاط سلاح حزب العمّال الكردستاني بطريقة أو بأخرى، وبرزت في هذا الخصوص، العديد من المقالات والتسريبات في الصحافة التركية، التي تتحدّث عن خطة لتصفية حزب العمال الكردستاني بالتعاون مع أكراد شمال العراق والإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة باراك أوباما.
وجاءت الزيارة، التي قام بها الرئيس العراقي جلال طالباني إلى تركيا ومِن ثمّ زيارة الرئيس التركي عبدالله غُل إلى بغداد، لتُعزِّز هذه الفرضيات. ولفت تحديدا كلام طالباني عن دعوته لحزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح أو مغادرة شمال العراق.
كما برز إعلان طالباني عن الإعداد لمؤتمر كردي واسع، يضمّ ممثلين عن أكراد سوريا وإيران وتركيا والعراق والجاليات الكردية الموجودة في أوروبا والمهجر، يُعقد في مدينة أربيل الكردية، وذلك خلال شهر أبريل أو مايو المقبل. والأهم في هذا الخبر، هو أن المؤتمر سيدعو حزب العمال الكردستاني إلى ترك السِّلاح والانخراط في العملية السياسية في تركيا.
لكن المشكلة تقع في مرحلة ما بعد إلقاء السلاح. هل تصدر تركيا عفوا عامّاً عن المقاتلين الأكراد، ومن ثم يعودون إلى تركيا؟ وما الذي ستقوم به الحكومة التركية من تدابير عملية لتلاقي المطالب الكردية، ولو في منتصف الطريق؟ وهل هناك تغطية من الجيش لمِثل هذه الإجراءات، إن حصلت، أم أن هناك مؤامرة للإطاحة بحزب العمال الكردستاني، عسكريا، بالتعاون مع أكراد شمال العراق، مقابل اعتراف أنقرة رسميا بحكومة إقليم كردستان؟
أسئلة كثيرة تطرَح نفسها ولا تجِد أجوبة شافية عليها، لذا، كانت ردّة الفعل الكُردية القوية التي خرجت من صناديق الاقتراع والتي بتأييدها لحزب المجتمع الديموقراطي والتِفافها حول خط حزب العمّال الكردستاني، إنما كانت تريد توجيه رسالةَ اعتراضٍ إضافية على مواقِف جلال طالباني، في حال كانت الإدارة الكردية في شمال العراق متورِّطة بالفعل في مثل هذا المُخطّط، لتصفية تيار حزب العمال الكردستاني داخل تركيا وخارجها.
ربما أصبح حلّ المشكلة الكردية بعد انتخابات 29-03-2009 أكثر صعوبة من قبل، لأنه أعادها من جديد إلى المربع الأول، وهنا تقع مسؤولية حكومة رجب طيب اردوغان والتّفكير جيدا في الأسباب التي أفضت إلى هذا الوضع.
ولعل تقديم استكمال الإصلاح الجِذري كأولوية في المرحلة المقبلة على ما عداه، هو المدخل لحلِّ المشكلة الكردية، بما هي مشكلة هوية لشعب يكافِح من أجل أن يكون واحدا من اثنين: إما مواطنا متكافِئا في الحقوق والواجبات مع الجميع ضمن تركيا واحدة موحّدة، وإما مواطنا كرديا في دولة تُعبّر عن شخصيته القومية، وهذا هو الدّرس الفِعلي الذي يجب على اردوغان وكل الأتراك أن يأخذوا منه العِبر، قبل خَراب البَصرَة التُّركية.
د. محمد نور الدين - بيروت
[1]