الأبعاد والنتائج .. القضية الكردية وبيان 29 حزيران 1966 – محمد مظفر الادهمي
في 15 حزيران وضمن ندوة الاربعاء التي اعتاد رئيس الوزاء عبدالرحمن البزاز ان يتحدث فيها عبر التلفزيون الى الناس ، أعلن ان حكومته تعمل على اعداد مشروع كامل للاعتراف بحقوق الاكراد ومنحهم ادارة لا مركزية مع الاعتراف بلغتهم وتراثهم القومي وقال اننا مستعدون للاعتراف بالقومية الكردية وبحقوق مواطنينا الاكراد كاملة غير منقوصة واننا اخوة في هذا الوطن . في حين كان القتال في الشمال مستعراَ بين الكرد والحكومة .
المقدمات
وبدأت المباحثات التمهيدية بإرسال الحكومة وفداً الى الملا مصطفى البرزاني ضم شخصيتين كرديتين هما اكرم الجاف وزيد عثمان ، فابلغ الملا مصطفى الوفد بانه على استعداد للتفاوض مع الحكومة . فتشكل وفد براسة وزير الدفاع شاكر محمود شكري ضم عدداً من الشخصيات السياسية والاجتماعية ، استقبلهم الملا مصطفى في مدينة كلاله وجرى حوار حول الوحدة الوطنية وتحقيق السلام في المنطقة . وقال لهم البرزاني صراحة : انا لست انفصاليا بل اريد حقوقنا كاملة وان نعيش سوية تحت حكم ديمقراطي.
وكانت نتيجة هذا الوفد والحوار ان تم الاتفاق على ارسال وفد كردي الى بغداد للاستمرار بالتشاور . وفي يوم 21 حزيران وصل حبيب محمد كريم سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني يحمل المطالب التالية:
1- العفو الشامل عن الاكراد.
تعيين الاكراد حسب نسبتهم في وظائف الدولة المدنية والعسكرية.2-
3- اعادة المرحلين الاكراد الى اراضيهم
4- اعادة الجيش العراقي الى مقراته الاعتيادية
5- حل قضية البيشمركه عن طريق استيعابهم في الجيش والشرطة والتعهد بتسليم الاسلحة الثقيلة.
وقد ادى تقدم المباحثات الى ان يستقبل الرئيس عبدالرحمن عارف يوم 24 حزيران وفدا كرديا ضم حبيب محمد كريم وعلي عبدالله وصالح اليوسفي ونافذ جلال .وسلم الوفد الى الرئيس عبد الرحمن عارف رسالة من الملا مصطفى البرزاني قدم فيها التعزية بوفاة شقيقه عبدالسلام عارف ودعا الى ان يعم الصفاء والوئام بين الاخوة العرب والكرد.
وشكر الرئيس عارف الوفد واكد لهم ان العرب والكرد اخوة في الوطن ويتمتعون بنفس الحقوق. وان الحكومة عازمة على اصلاح ما خربته الحرب في الشمال ليكون قبلة السواح والمصطافين .
ثم زار الوفد رئيس الوزراء عبدالرحمن البزاز الذي ابلغهم رغبة الحكومة المخلصة في ايجاد حل للمشكلة القائمة على اساس الاعتراف الكامل بالقومية الكردية في اطار وحدة الوطن وتربته .وسلم الوفد رسالة من الملا مصطفى الى البزاز جاء فيها:
((من دواعي سروري ان يكون لي شرف الكتابة اليكم. ومما شجعني على ذلك تقديري للخطة السليمة التي تسير عليها حكومتكم الرشيدة في معالجة قضايا البلاد الاساسية . لقد جاءت تصريحاتكم الاخيرة في الندوة التلفزيونية تعبيراً واقعياً مخلصاً عن احاسيس ومشاعر الشعب كافة والتي تهدف الى وضع حد حاسم للاقتتال بين الاخوة على الرغم من العراقيل والعقبات التي يحاول اهل السوء وضعها على الطريق لاحباط المجهودات النبيلة التي تبذلونها بهذا الخصوص.))
ولكي تحسم المسالة بشكل جذري ، فقد تم التباحث مع اطراف كردية معارضة للملا مصطفى البرزاني لاقناعها بالوقوف مع التصالح وايقاف القتال . ولذلك وفي يوم 28 حزيران ،اي بعد اربعة ايام من لقاء الريس ورئيس الوزراء لوفد البرزاني ، استقبل رئيس الوزراء عبدالرحمن البزاز كلا من جلال الطالباني وحلمي شريف وهما من معارضي الملا مصطفى .
وقد اعرب الطالباني وشريف عن تقدير المواطنين الكرد للروح الودية التي عالجت بها الحكومة مسالة انهاء القتال وايجاد حل سلمي على اساس ارساء الحقوق القومية ضمن وحدة العراق مما يؤدي الى تعزيز الاخوة العربية الكردية.
وفي اليوم التالي 29 حزيران 1966 اعلن عبدالرحمن البزاز بيان الاتفاق مع الاكراد في شمال العرق , وقد استهله بحديث مسهب وطويل من على شاشة التلفزيون، اهم ما جاء فيه ان هذا الاتفاق الذي تم مع القيادة الكردية هو ليس استسلام كما سيصور البعض لاننا لا نتحارب مع عدو فالاكراد اخواننا وقد اظهروا رغبة للسلم فاستجبنا لهم.
اما النقطة الثانية فقد اوضح البزاز فيها ان هذا الاتفاق هو ليس انفصال الاكراد عن العراق ولا هو شبه انفصال ، وانما تعزيز لوحدة التراب العراقي.
اما النقطة الثالثة التي اثارها البزاز في حديثه فهو موضوع الضمانات وهل قدمت القيادة الكردية ضمانات ؟ فقال انه متفاءل من ان الطرف الاخر جاد ومستعد للالتزام بالاتفاق.
وكان البزاز في اثارته لهذه النقاط يرد بشكل غير مباشر على العسكريين الذين يريدون استمرار القتال.
وبعد ان انتهى البزاز من حديثه قرأ بنود الاتفاق التي قال عنها ان الرئيس عبدالرحمن عارف قد بذل قصارى جهده للوصول الى الحل المقبول من كل الاطراف المعنية.
بيان 29 حزيران 1966
تكون البيان من 12 فقرة وعرف ببيان 29 حزيران وسنتناول باختصار هذه النقاط الاثنتي عشر التي تعهد البزاز في بيانه او منهاجه الالتزام بها وتطبيقها نصا وروحا وباسرع وقت مستطاع:
اولا :اعترفت الحكومة بالقومية الكردية بشكل قاطع في الدستور المؤقت عند تعديله وهي مستعدة لتاكيده في الدستور الدائم ، بحيث يتمتع العرب والاكراد بحقوق متساوية.
ثانيا :ان الحكومة على استعداد لاعطاء هذه الحقيقة وجودها في قانون المحافظات على اساس من اللامركزية لكل محافظة.
ثالثا :الاعتراف باللغة الكردية لغة رسمية مع اللغة العربية في المناطق التي تكون غالبية سكانها اكرادا.
رابعا :عند اجراء الانتخابات النيابية للمجلس الوطني سيمثل الاكراد فيه حسب مجموع السكان الكلي.
خامسا :يشارك الاكراد اخوانهم العرب في الوظائف العامة بنسبة سكانهم دون الاخلال بالكفاءة.
سادسا : تخصص بعثات وزمالات ومنح دراسية للطلاب الاكراد دون الاخلال بالكفاءة وحاجة القطر.
سابعا : يكون الموظفون المحليون في الالوية والاقضية والنواحي الكردية من الاكراد.
ثامنا:الصحافة السياسية والادبية في المناطق الكردية باللغة الكردية او العربية او بهما معا حسب طلب ذوي العلاقة.
تاسعا:عندما تنتهي اعمال العنف يصدر عفو عام عن كافة الذين ساهموا فيها ويعود ويعود الموظفين الاكراد الى وظائفهم.
عاشرا :يعود منتسبي القوات المسلحة الى وحداتهم بسلاحهم ويصدر عفو عنهم .ويعود الفرسان الاكراد الى اماكنهم بعد احلال الامن.
احدعشر :تشكل هيئة خاصة لاعمار الشمال وتعويض المتضررين وضحايا اعمال العنف والاهتمام برعايتهم.
ثاني عشر :توطين كل الافراد والجماعات الذين نزحوا او هجروا من مناطقهم.
النتائج
بعد انتهاء البزاز من القاء بيانه تلا الممثل الشخصي للملا مصطفى البرزاني ، حبيب رحماني ، نص برقية التأييد التي ارسلها الملا مصطفى الى الحكومة العراقية، لتبدأ الهدنة بين الطرفين وليتوقف اطلاق النار
في الوقت نفسه بدأت جموع عديدة من المسلحين الكرد تتدفق على المخافر العراقية في الشمال لتسليم اسلحتهم. وبدأ الاعلاميون بزيارة المنطقة.
بعد حوالي اسبوعين ، وفي يوم 11 تموز قام وزير الدفاع شاكر محمود شكري بزيارة المنطقة الشمالية والقى كلمة اكد فيها تمسك الحكومة بتطبيق بيان 29 حزيران الذي القاه البزاز، واعلن تخصيص مبلغ خمسة ملايين دينار كخطوة اولى لاعمار المنطقة الشمالية.
كما رحبت القوى القومية والوطنية بالاتفاق ، وأرسل جمال عبدالناصر وهواري بومدين برقيتا تهنئة الى الرئيس عبدالرحمن عارف.
وفي 28 تموز 1966 صدر قانون العفو العام عن القائمين بحوادث الشمال.
وفي لقاء لمندوب وكالة الانباء العراقية, قال الملا مصطفى البرزاني انه لمس نية صادقة من الحكومة لانهاء مشكلة الشمال . واذا ما طبق هذا المنهاج بشكل كامل فانه يحقق ما قامت به حركتنا من اجله . وفي موضوع موقفه من الدعوة الى الوحدة العربية ، قال البرزاني ان الوحدة العربية لا تتعارض اطلاقا مع مصالح الاكراد
فشل الاتفاق
بعد بيان 29 حزيران بحوالي شهر اضطر عبد الرحمن البزاز الى الاستقالة من رئاسة الوزارة وشكل ناجي طالب الوزارة الجديدة ، وهنا برزت الخلافات من جديد بين الحكومة والملا مصطفى البرزاني لسببين هما :ان الحكومة اتجهت الى التحالف مع جلال الطالباني على حساب علاقتها مع البرزاني الذي لم تكن علاقته جيدة معه، ومحاولتهم شق الحركة الكردية بدعم الحكومة لجلال الطالباني ضد البرزاني. والمسالة الثانية ان الملا مصطفى قد وجد ان الحكومة الجديدة التي شكلها ناجي طالب لم تلتزم ببيان 29 حزيران وانها تخلت عن تطبيقه بعد استقالة البزاز من رأسة الوزارة .وهنا دخل على الخط مباشرة الرئيس عبدالرحمن عارف ، ورغم نجاح زيارته الى الشمال ولقائه الملا مصطفى البرزاني .الا ان مرحلة جديدة مضطربة من العلاقة بين الحكومة والاكراد قد بدأت . وعندما شكل طاهر يحيى وزارته بعد ناجي طالب لم يتمكن من الوصول الى حل لان الملا مصطفى البرزاني صعد من مطالبه بالمطالبة بالاستقلال الذاتي وسحب الجيش من الشمال وانهاء العلاقة مع جلال الطالباني وجماعته. واستمرت هذه الحالة حتى نهاية حكم الرئيس عبدالرحمن عارف .[1]