دجوار أحمد آغا
تسعة وتسعون عاماً مضت على توقيع تركيا ل#معاهدة لوزان# لإنهاء حالة الحرب مع دول الحلفاء بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى 1914 1918، هذه الاتفاقية التي تم توقيعها بعد مفاوضات طويلة وشاقة بين ممثلي السلطة الكمالية في تركيا وبين دول الحلفاء الذين انتصروا في الحرب العالمية الأولى على إمبراطورية ألمانيا وإمبراطورية النمسا والمجر وحليفتهما الإمبراطورية العثمانية (تركيا).
سيفر قبل لوزان
لوزان لم تأتِ من فراغ، ولم تأتِ عن عبث، فهي جاءت لِتُلغي معاهدة سيفر (من ضواحي باريس) 10 آب 1920 التي ولأول مرة في تاريخ عصبة الأمم التي تشكلت في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى تم ذكر حقوق الكرد كشعب أصيل يسكن على أرض وطنه وإن قرر بعد سنة من الاتفاقية أن يُجري استفتاء حول طريقة إدارته لوطنه وإن أقرّ حق تقرير المصير بما فيه الانفصال فيجب على تركيا قبول ذلك. تم ذكر ذلك بكل وضوح في المواد 62، 63، 64 بشكلٍ صريح وبتوقيع من دول إنكلترا، فرنسا، إيطاليا، اليونان، بعد مفاوضات شاقة ومضنية وتنسيق مباشر بين الوفدين الكردي برئاسة شريف باشا والأرمني برئاسة نوبار باشا والتي تكللت بالنجاح وتثبيت حقوق الشعبين اللذين تعرضا لظلم واضطهاد العثمانيين لمئات السنين.
الانكفاء العثماني للداخل
كانت الأوضاع في تركيا خاصة مع خسارة السلطنة العثمانية للحرب وتراجعها للداخل قد مهّدت الطريق لبروز الوعي القومي قليلاً لدى الشعوب المحتلة من جانبها وبخاصةٍ الكرد من خلال الجمعيات والنوادي الثقافية التي بدأت بنشر المجلات والصحف وتتحدث عن الكرد وتاريخهم وتراثهم الثقافي ونتاجات شعرائهم ومن بين أعضاء جمعية تعالي وترقي كردستان صعد نجم الجنرال شريف باشا الذي ترأس الوفد الكردي الى مفاوضات عصبة الأمم في باريس كما أسلفنا. هذا الوفد الذي استند إلى مشروعية حقوق الكرد واستطاع أن يثبتها في معاهدة سيفر.
المجازر والمذابح
بدأت السلطنة العثمانية بارتكاب المجازر والمذابح بحق شعوب المنطقة نهايات القرن التاسع عشر وبلغت ذروتها في بدايات القرن العشرين. هي لم تنتهِ مع انتهاء السلطنة بل استمرت مع وجود دولة تركيا التي هي وريثة العثمانيين وقد استمرت على السياسة نفسها التي انتهجها سلاطينهم في مسألة اللعب على وتر الدين وأن الأرمن والسريان والآشور – الكلدان إنما هم كفار وقتلهم وذبحهم حلال وفق منظورهم المتعصب والوحشي في التعامل مع شعوب المنطقة حيث جرت مذابح السيفو بحق السريان والأرمن والآشور وتم خلالها قتل ما لا يقل عن مليون ونصف من المواطنين المسيحيين.
انطلاء الحيلة على الكُرد
عند عقد معاهدة سيفر لم يقبل بها مصطفى كمال أتاتورك الذي كان يسعى من أجل بناء دولة تركية قوية تأخذ مكان السلطنة العثمانية وتتقرب إلى الغرب وتتخذ شكل الدولة العلمانية الحديثة، هذا الأمر لم يكن له أن ينجح لولا المساعدة والدعم الذي تلقاها مصطفى كمال من الكرد، حيث أدرك أنه لن يستطيع بمفرده ودونما جيش قوي ومع قلة السلاح أن ينتصر في حرب ما يُسمى “الاستقلال” لذا توجه إلى زعماء الكرد وبخاصةٍ الدينين والقبليين في مؤتمري سيواس وارضروم خلال عام 1919 وقال لهم بالحرف الواحد “سوف نبني دولة تكون مُلكاً للشعبين التركي والكردي”. نجحت حيلة أتاتورك وصدّقها الكرد وقاموا بتقديم الدعم والسلاح والمشاركة بحربه التي حرر خلالها مناطق كانت قد احتلتها اليونان (إزمير) وأخرى في تراقيا من جانب إيطاليا وإنكلترا.
لوزان بدلاً عن سيفر
بعد الانتصارات التي حققها مصطفى كمال أتاتورك وبناء دولته الجديدة، كان لا بد له من ضمان موافقة دول الحلفاء عليها حيث رفض منذ البداية اتفاقية سيفر وكان يجرب مفاوضات منذ عام 1922 مع الدول الكبرى من أجل إلغاء معاهدة سيفر وعقد اتفاقية جديدة والتي توجها في الرابع والعشرين من تموز 1923 حيث تم عقدها في فندق “بوريفاج بلاس” بمدينة لوزان جنوب سويسرا ولضمان موافقة الدول الكبرى على أن الكرد قد حصلوا على حقوقهم وأن تركيا الحديثة هي للكرد والترك على حدٍّ سواء كان قد طلب من النائب في البرلمان التركي حسن خيري بالذهاب الى البرلمان باللباس الكردي -تم فيما بعد لف حبل المشنقة حول رقبته والذي شعر بحقيقة العدو بعد فوات الآوان- كما أنه تعمّد أن يرأس الوفد التركي المفاوض صديقه المُقرب منه عصمت اينونو ذي الأصول الكردية في برهنة أخرى للدول الكبرى على حصول الكرد على حقوقهم.
نظرية المؤامرة والمكيدة
الآن وبعد مرور كل هذه السنوات نرى الطاغية أردوغان يصرّح بأن لوزان كانت عبارة عن مؤامرة ضد تركيا وهي مكيدة وقع فيها أتاتورك حيث وقّع عليها مرغماً في تلك المرحلة من بدايات نشوء وتكوين الجمهورية التركية وأن تركيا كانت ضحية أطماع الدول الكبرى التي سلخت عنها أجزاء واسعة من أراضيها، هذه الأراضي التي قد تم رسم حدودها وتثبيتها وفق الميثاق الملي 1920، وأن صلاحيات هذه المعاهدة المجحفة بحق الأتراك سوف تنتهي بعد انقضاء مائة عام على توقيعها الأمر الذي يجيّش أردوغان أزلامه وحاشيته له خلال العام القادم 2023، بالإضافة الى ادعاء أصحاب نظرية المؤامرة والمكيدة أنه هناك بنود في هذه المعاهدة منعت الدولة التركية من التنقيب عن الثروات الطبيعية كالبترول والغاز في أراضيها ومياهها الإقليمية.
كردستان في لوزان
من المعلوم بأن كردستان قد تم تقسيمها بشكلٍ عملي إلى قسمين بعد حرب تشالديران 1514 بين الصفويين والعثمانيين وفق معاهدة قصر شيرين 1639 التي رسمت الحدود بين الطرفين. مثلما قسّمت اتفاقية سايكس – بيكو 1916 كردستان الى أربعة أجزاء ووفق اتفاقية لوزان 1923 اقتطعت جنوب كردستان أو ما تُعرف بولاية الموصل وألحقتها بالدولة العراقية حديثة التكوين بناءً على رغبة بريطانيا التي كانت منتدبة على العراق لما فيها من خيرات وخاصةً النفط والغاز والمياه، إلى جانب اقتطاع مناطق في الجنوب الغربي من كردستان وإلحاقها بالدولة السورية حديثة التكوين بناءً على رغبة فرنسا التي كانت منتدبة على سوريا، وهكذا نرى بأن لوزان عملياً قسمت كردستان الى أربعة أجزاء وفتحت الطريق أمام إبادة الشعب الكردي من خلال صهره وحلّه ضمن الشعوب العربية والفارسية والتركية وبدأت الأنظمة الحاكمة بتطبيق سياسات التتريك والتفريس والتعريب.
لوزان تمهيد للمجازر
لم يَرِد اسم الكرد أو كردستان في أية فقرة أو بند من البنود ال 143 لمعاهدة لوزان على العكس من سيفر والتي كما أسلفنا ذكرت بصريح العبارة الكرد وموطنهم كردستان في المواد 62، 63، 64. على العكس من ذلك بعد أن ضمن أتاتورك سكوت ورضى الدول الكبرى وعلى وجه الخصوص بريطانيا وفرنسا، بدأ بارتكاب المجازر والمذابح بحق الكرد، فمن ثورة 1925 بقيادة شيخ سعيد بيران وثورة جبل آكري (آرارات) بقيادة إحسان نوري باشا 1927 1930 إلى ثورة ديرسم 1938 بقيادة سيد رضا وتركيا تمارس سياسة القتل والتهجير القسري والتدمير والتغيير الديمغرافي بحق الكرد وكردستان، ولوزان هي التي فتحت الطريق أمام الأتراك لممارسة مثل هذه الفظائع أمام أعين الدول الكبرى وسط صمتها المُطبق.
انتهاء العمل بمعاهدة لوزان
قمنا بمراجعة دقيقة وشاملة لبنود معاهدة لوزان والوثائق الملحقة بها ولم نجد في أي مادة أو بند أو وثيقة ذكر لتحديد صلاحية المعاهدة بمائة عام، لكن تركيا أردوغان التي تنكرت لوعود أتاتورك التي ذكرها الكاتب الكردي موسى عنتر بقوله إن أتاتورك قد وعد الكرد بتحقيق حكم ذاتي لهم في مؤتمر صحفي عقده في ازميت. إن أردوغان يُثير ويفتعل المشاكل والأزمات مع دول الجوار ليغطي فشله الإداري والسياسي الداخلي والخارجي على حدٍّ سواء، لذا نراه يتدخل في ليبيا والعراق وسوريا وأرمينيا وقبرص ويفتعل الأزمات مع اليونان ومصر حول حقوق التنقيب عن البترول والغاز في المياه الدولية، وآخرها ادعاءه بأنه غير ملزم بمعاهدة لوزان بعد مرور 100 عام على توقيعها، وهو أمر جديد في السياسة الدولية نسمع به للمرة الأولى.
بعض بنود لوزان
نختتم ببعض البنود التي ذكرتها لوزان ولم تطبقها تركيا منذ تاريخ التوقيع عليها. المعاهدة كما ذكرنا سابقاً تضمنت 143 مادة مرفق معها 17 وثيقة ما بين اتفاق وملحق وتناولت من خلالها إبرام الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة وفق مبادئ القانون الدولي، نذكر هنا فقط هذين البندين ونترك للقرّاء الأعزاء تقييمها.
نصّت على استقلال جمهورية تركيا، وحماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية بتركيا والأقلية المسلمة باليونان، وألزمت الحكومة التركية بالمحافظة على حياة جميع المواطنين وحقوقهم وحريتهم ضمن أراضيها، وبمساواتهم أمام القانون بغض النظر عن الأصل والقومية واللغة والدين.
إلزام تركيا بعدم وضع أي قيود على المواطنين في استخدام أي لغة يختارونها مهما كانت، سواء أكان ذلك في العلاقات الخاصة أم في الاجتماعات العامة أم في مجالات الدين والتجارة والإعلام والنشر، مع تأكيد حقوق السيادة السياسية والاقتصادية للدولة التركية وإلغاء تطبيق نظام الامتيازات الأجنبية على أراضيها.[1]