=KTML_Bold=أمين بن مسعود: ‘كردستان الكبرى’ في موسكو=KTML_End=
عندما ينفتح باب التسويات الكبرى تنفتح معه شهيّة الكيانات القلقة في الانفصال الناعم أو القسري، ولئن تمازجت الرغبات الانفصالية بسرديات الهويات النقية وبضعف الفاعل الرسمي في إقرار المواطنة الثقافية لبعض الخصوصيات الإثنية، فإن مصير الوطن ومساره يصبحان على شاكلة “كعكة بالدم”، حيث تستبدل مقولة التضحية للوطن المشترك، بمقولة النهب المشترك لما تبقى من وطن.
هكذا حصل في اليمن عندما استحال الانتقال الديمقراطي بوابّة للإبانة عن النزعات الانفصاليّة سواء لدى الجنوبيين أو الحوثيين، وهو تقريبا ما يحصل اليوم في ليبيا في خضم المشاورات السياسية والجهد المغاربي لتسوية الأزمة، حيث يتعامل الأمازيغ أساسا والتبو والطوارق بشكل أقل مع مشروع الدستور عبر ثنائيّة “الفيدرالية والإثنية”. أما في سوريا فإن المشهد الانفصالي للأكراد آخذ في المأسسة والتبلور تحت عناوين الجغرافيا المتصدعة، إذ تصبح “الدولة الناقصة” عاجزة عن بسط سيادتها السياسية والعسكرية والاقتصادية وبالتالي تخلق سلطات رديفة وعواصم بديلة.
لن نجانب الواقع إن اعتبرنا أن أكراد سوريا باتت لهم اليوم منطقة حكم مستقل تمام الاستقلال عن دمشق، ويحتوي على أهمّ لبنات السلطة؛ الحكم الذاتيّ ونعني به القوات العسكرية والأمنية، والسياسات الاقتصادية المرتبطة بكردستان العراق، والتمثيل الدبلوماسي في أكثر من عاصمة غربية، والأخطر من كل ذلك دعم أميركي وروسي لتشكيل هذا الكيان الانفصالي في قلب الجغرافيا السورية. تشير التقارير الإخبارية إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تقدّم دعما عسكريا وماليا كبيرا وصل إلى حدّ إقامة قاعدة عسكرية أميركية في “كرسدتان سوريا” نشرت فيها أكثر من 900 عسكري أميركي من قوات نخبة قصد دعم قوات سوريا الديمقراطية في قتالها لتنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة.
والأكثر من ذلك أنّ القوات الأميركية تشارك في العمليات العسكرية الكردية لتحرير مدينة الباب وتطويق محافظة الرقة، وهي مناطق غير كردية بالمعنى الديموغرافي للمصطلح، غير أنّه من المعروف أنّ الإستراتيجية الأميركية تقوم على تأمين الانتشار الكردي خارج حدود كردستان، قصد تحويل هذه المناطق إلى ورقات ضغط ومساومة مع النظام تسهّل صفقة الانسحاب الكردي من المناطق غير الكردية، في مقابل الاعتراف بالحكم الذاتي الموسع في القامشلي والحسكة.
اليوم، يعلن ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي لأكراد سوريا لدى موسكو عبدالسلام علي أنّه من المقرر عقد مؤتمر لأكراد سوريا وإيران وتركيا والعراق في موسكو الأسبوع المقبل لمناقشة إعادة تقسيم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط. ولئن كان من الصعب للغاية أن يعقد الأكراد القوميون وممثلو كردستان الكبرى اجتماعا خطيرا ستكون له تداعيات كبيرة بلا شك في العاصمة الروسية موسكو دون مباركة من الكرملين، فإنّه من الراجح أن روسيا بدأت في وضع المحددات الكبرى للتسوية السياسية والعسكرية في سوريا والتي ستناقش في العاصمة السويسرية جنيف في وقت لاحق.
وهي محددات تقوم على إقرار دستور سوري جديد يقوم على الفيدرالية والتعددية الإثنية (الأكراد والعرب)، وعلى انتزاع صفة العروبة من سوريا الجديدة، مع تحويل نظام الحكم في الشام إلى شبه رئاسي شبه برلماني مع بقاء رأس النظام السوري إلى نهاية 2021. ولئن أرضى الروس الرئيس السوري بشار الأسد بكرسي الرئاسة وبإبقاء جزء من الصلاحيات التنفيذية في يده، فإنّهم أيضا طمأنوا الأميركان على مصير حلفائهم الأكراد.
الأخطر أنّ المشروع القومي الكردي في سوريا لن يبقى ضمن حدود العراق والشام، فهو باق ومتمدد في الجغرافيا التركية على خلفية التصعيد الأردوغاني ضدّ الأحزاب والجمعيات والمؤسسات الإعلامية الكردية، وفي الجغرافيا الإيرانيّة التي سيتأثر الوجود الكردي فيها بالكيان الكردي القلق والمتمرّد في جغرافيا شرق أوسطية تعيش بمبدأ الهويات القلقة.
وعلى هذا الأساس ستتغير التحالفات في الشرق الأوسط على أساس كردستان الكبرى بين محور رافض يجمع إيران بتركيا، ومحور داعم يضم أميركا وروسيا، وهو بالضبط ما يرمي إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب حاليا من فصل هيكليّ بين موسكو وطهران حتّى يتمكّن من الاستفراد بإيران مرة أخرى. الأحداث المقبلة حبلى بالمفاجآت وبتغيير في المواقع والمراكز والمواقف. وترامب لن يتردد لحظة في استكمال عهدة “عائلة بوش” عبر افتتاح “عهد بوش الثالث”.
كاتب ومحلل سياسي تونسي
[1]