مبادرة الإدارة الذاتية لحل الأزمة السورية: المشروع والرسائل والظروف المحيطة
المركز الكردي للدراسات
طرحت الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا مشروع مبادرة لحل الأزمة السورية بتاريخ 18 نيسان/أبريل، والمبادرة المؤلفة من تسع نقاط سعت لأن تكون أكثر شمولاً، من خلال طرحها تصورات أولية تخص الموارد والثروات الطبيعية، وعرض استقبال النازحين والمهجّرين في مناطق الإدارة الذاتية، ودعوة الدول العربية والأمم المتحدة للانخراط في جهود حل الأزمة، وتفعيل معبر تل كوجر/اليعربية لوصول المساعدات الإنسانية. وبطبيعة الحال، كرّرت الإدارة مسائل أكدت عليها في أوقات لاحقة، مثل وحدة الأراضي السورية والاعتراف بحقوق المكوّنات، كما أكدت على ضرورة ألّا يتعارض الحل مع القرار 2254، وفقاً للبند التاسع، وهو ما عنى أن المبادرة لا تستهدف تقديم بديل عن الجهود الأممية في سياق حل الأزمة السورية.
منذ العام 2018، تحديداً مع بدء العدوان التركي على عفرين، جرت محادثات بين الإدارة الذاتية ودمشق سعت الإدارة الذاتية من خلالها إلى تطويق العدوان التركي والحؤول دون خسارة أراضٍ سورية جديدة، وتكرر الأمر إثر العدوان التركي على منطقتي رأس العين/سرى كانيه وتل أبيض أواخر عام 2019، بيد أن تلك المحادثات بدت أقرب لمحاولة الوصول إلى حلول موضعية لمشكلة تمدد الاحتلال التركي.
بخلاف المبادرة السابقة، فإن اللافت في مبادرة الإدارة أنها جاءت متزامنة مع موجة التطبيع العربي مع دمشق، وفي حمأة الدعاية الانتخابية التركية التي ستجرى في 14 أيار مايو/ أيار، وضمن مناخ دوليّ شديد الاستقطاب يضع فيها هذا الاستقطاب الأزمة السورية في أسفل سلم اهتمامات الدول الكبرى ويبقي أزمتها مفتوحة على احتمالات تجدد العنف والأعمال العسكرية وتردي أوضاع السوريين في الداخل ومخيمات اللجوء على نحو أكثر كارثية.
خلال ندوة أجراها المركز الكردي للدراسات يوم 23 نيسان/أبريل (مناقشة مشروع حل الأزمة السورية الصادر عن الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا) قال بدران جيا كرد، الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، إن تسارع التطبيع مع دمشق، عربياً وتركياً “قد يوهم البعض بأنه سيقضي على العملية السياسة (..) وأن تأهيل النظام وإعادة هيمنته وسيطرته على كامل الأراضي السورية ممكن دون إحداث تغيير سياسيّ”، فيما قال ضيف الندوة الآخر، زياد وطفة، عضو المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية – حركة التغيير الديمقراطي، إن المطلوب هو تطبيع عربيّ مع عموم السوريين وليس مع النظام، وبالتالي تلفت هذه المبادرة نظر الدول العربية إلى أطراف سورية جاهزة لأن تكون جزءاً من الحل.
قد يفهم من مبادرة الإدارة أنها رسائل في عدّة اتجاهات، أولى تلك الرسائل موجهة للمجتمع السوري كي يساهموا في دعم المبادرة وبالتالي إسناد تصوّر الإدارة الذاتية لحل الأزمة. فيما الرسالة الثانية موجّهة للعواصم العربية الساعية إلى التطبيع مع دمشق وتذكيرها بوجود كيان إداري-سياسي قابل لأن يكون جزءاً من الحل المنشود لإنهاء الأزمة السورية وتأمين صيغة مرنة للانتقال السياسي. الرسالة الثالثة فموجهة للأطراف السياسية السورية عبر سعي الإدارة إلى إشراكها لاحقاً في خطوات الحل دون استثناء أيٍّ منها. أما الرسالة الرابعة فهي موجهة للحكومة السورية على ما قالته المبادرة، ذلك أن صيغة التخاطب جاءت بين كيانين إداريين (حكومة دمشق وإدارة شمال وشرقي سوريا) على ما يتيحه هذا التخاطب من إمكانية تفعيل القبول المتبادل بالاعتماد على ثروات المنطقة الشرقية النفطية والزراعية والمائية ووضعها لاحقاً في خدمة عموم السوريين.
خاطبت الإدارة الذاتية دمشق هذه المرّة بصفتها المباشرة، وليس عبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أو مجلس سوريا الديمقراطيّة (مسد)، رغم أنهما مظلتا الإدارة العسكرية والسياسية، ولعل الغاية في ذلك هو سعي الإدارة لتحقيق نتائج أولية تساهم لاحقاً في توسيع الحوار مع دمشق ليشمل الأطراف السياسية مثل مسد والقوى السياسية والشخصيات الديمقراطية المتحالفة معها.
من منظور آخر، تسعى الإدارة إلى الاستفادة من ثلاث مسائل متزامنة: أولاً، برود جبهة العدوان التركي وتراجع مستوى التهديدات بشن حرب جديدة على شمال شرقي سوريا. ثانياً، الظروف المريحة نسبياً لنظام دمشق جراء الانفتاح العربي الذي سيعني، في مرحلة ما، تلبية دمشق لبعض متطلبات التطبيع العربي كالحوار الداخلي والقبول بوجود جماعات سياسية أخرى داخل البلاد ينبغي إشراكها في إدارة الدولة. ثالثاً، عدم تعارض الحوار ودمشق مع الجهود الأمنية التي تخوضها قسد رفقة حلفائها في التحالف الدولي إذ أشارت المبادرة إلى “الاستمرار في محاربة داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى”، الأمر الذي يُبقي قوس العلاقة مع واشنطن مفتوحاً فيما خص ملف محاربة داعش بما لا يتعارض مع مشروع المبادرة الذي يهدف في محصلته النهائية إلى المساهمة في إنهاء معاناة السوريين واستقرار البلاد.
لم يبدر، حتى اللحظة، أي رد رسمي من دمشق على المبادرة، وقد يكون الأمر مرتبطاً بنظرة دمشق للتطورات الإقليمية، من ذلك ما ستؤول إليه الانتخابات التركية، وكذلك ما سينجم عن التطبيع العربي، وإن كانت دمشق تعي أن عمق مشكلاتها لن يحل بمجرد وصول حكومة تركية جديدة أو باستعادة جزء من علاقاتها العربية، غير أن التجربة خلال السنوات الاثنتي عشر الماضية تفيدنا بأن النظام لا يعول على الإرادة الداخلية للسوريين بقدر ما ينتظره من تغيّرات سياسية دولية وإقليمية، وبالتالي قد يفوّت النظام فرصة الحوار الداخلي مرة أخرى.
يبقى أن تصرّ الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا على مشاريع الحوار الوطني، وتدعيم المبادرة عبر تطويرها و نقلها إلى مستوى الخطاب الشعبي والوطني، إذ لا يعول على إنهاء مأساة السوريين على الدول الكبرى أو الدول الإقليمية على ما قالته جميع تجارب السوريين السابقة.[1]