آرسن نظریان *
تعريب : عادل حبه
إن دخول #حزب الشعوب الديمقراطي# (HDP) مع ثلاثة نواب أرمن إلى البرلمان التركي، هو حدث مهم أثار الرأي العام في المنطقة. هذا الحدث تم لأول مرة منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي. لقد توجه في السابع من حزيران 86% من الناخبين الأتراك البالغ عددهم 53 مليون ناخب له حق الانتخاب في تركية إلى صناديق الاقتراع، في انتخابات وصفت بأنها حرة وبدون تزوير، وتم اختيار 550 نائب.
بالطبع إن سياسة فرّق تسد التي اتبعها السيد أردوغان من أجل تقوية أسسه المذهبية - القومية، أدت إلى استقطاب في المجتمع، حيث رافق الانتخابات قدر من العنف. وحسب ما أوردته صحيفة الغارديان **، ففي أثناء الحملة الانتخابية التي سبقت يوم الاقتراع تعرض حزب الشعوب الديمقراطي إلى أكثر من 70 هجوم على مقراته وعلى نشطاء الحزب في الانتخابات. وفي يوم الجمعة الذي سبق يوم الاقتراع، انفجرت قنبلتان في اجتماع انتخابي في مدينة ديار بكر، راح ضحيتها ثلاثة قتلى ومئات الجرحى.
وبالاستناد إلى الإحصائيات التي نشرها المجلس الأعلى لتلفزيون وراديو تركية حول تغطية الانتخابات، فإن الوقت المخصص للحزب الحاكم في تلفزيون الدولة التركية (TRT) يزيد على ما خصص للأحزاب الأخرى. فقد خصصت 100 ساعة تقريباً لخطب أردوغان للدعاية لحزب العدالة والتنمية، بالرغم من إعلان التزامه بالحياد أثناء الانتخابات باعتباره رئيساً للجمهورية، وكذلك لأحمد داود أوغلو رئيس الوزراء، في حين لم يسمح للحزب الجمهوري الشعبي لتغطية الانتخابات إلاّ لمدة 14 دقيقة.
وبالرغم من ذلك، فإن نتائج الانتخابات تعد انتصاراً كبيراً للقوى التقدمية في تركية، وستترك بدون شك آثاراً على الدول المجاورة، ومن ضمنها إيران. وحسب ما أعلنته وكالات الأنباء، فإن الزعيم السياسي – المذهبي المبعد وذي النفوذ فتح الله گولن، أوصى أنصاره أن يدلوا بأصواتهم لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، الموالي للأكراد. ومن اللافت للنظر، هو ما نشر في إحدى الصحف مقالة حول الانتخابات تحت عنوان: العدو والصديق من يسعون لأحراز حزب الشعوب الديمقراطي النصر في هذه الانتخابات.
ونقل التلفزيون الرسمي التركي تقريراً حول نتائج الانتخابات يشار فيه إلى أن حزب العدالة والتنمية حصل على نسبة 41% من الأصوات ( 258 مقعداً)، في حين تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي عقبة 10% من الأصوات كي يشق طريقه إلى البرلمان، وحصل على 13% (79 مقعداً). وحصل الحزب الجمهوري الشعبي على 25% من الأصوات (132 مقعداً)، وحصل حزب الحركة القومية على 16% من الأصوات (81 مقعداً). وبالاستناد إلى هذه النتائج، يمكننا الحديث عن أفول نجم أردوغان وانهيار أحلامه الماليخولية.
من بين مرشحي حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات، علاوة على الكرد والأرمن، فقد شارك اليزيديون والآشوريون والكاولية. واستطاع الكاولية لأول مرة في تاريخ تركية أن يحصلوا على مقعد واحد في البرلمان. وعلاوة على ذلك، فقد ترشحت للانتخابات 268 أمرأة، وهو أعلى رقم للمرشحات من النساء طوال تاريخ الانتخابات في تركية.
إن حزب العدالة والتنمية في مسعاه لسن قانون أساسي جديد يضمن تغيير النظام البرلماني في تركية وتحويله إلى نظام رئاسي يضمن صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، يحتاج إلى ثلثي آراء النواب في البرلمان؛ أي 367 مقعداً. إلاّ أن حزب العدالة والتنمية لم يحصل على هذه النسبة فحسب، بل لم يعد يتمتع بالأكثرية الكافية كي يشكل الوزارة دون الحاجة إلى الائتلاف مع القوى الأخرى. فقد تراجح الدعم للحزب من 50% في انتخابات عام 2011 إلى 40-41% في الانتخابات الأخيرة.
بعد الإعلان عن انتصار حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات، عقد صلاح الدين دميرتاش وفیگن یوكسكداغ الرئيسان المناوبان في الحزب ونوابه في البرلمان الجديد، مؤتمراً صحفياً في استانبول جلب انتباه وسائل الإعلام والجمهور. فقد تحدث صلاح الدين دميرتاش عن مواقف وآراء الحزب قائلاً:
إن من أحرز النصر في الانتخابات هم المدافعون عن الحرية والسلام، ولحقت الهزيمة بأولئك الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب هذا البلد بدون منازع. هذا النصر هو نصر مشترك للأكراد والأرمن واليزيديين والمكونات القومية والعمال والعاطلين عن العمل والفلاحين وأصحاب الدكاكين وكل الذين يتعرض عملهم وكدحهم إلى الاستغلال. هذا الانتصار هو انتصار لكل الذين يريدون قانوناً أساسياً مدنياً ديمقراطياً ويعارضون القانون الأساسي لانقلاب 12 أيلول، ويعارضون فرض الموانع أمام كل من يحصل على 10% من الأصوات كي يحق له المشاركة في البرلمان. إنه انتصار لكل من يطالب بالسلم في كردستان وحل القضية الكردية، وقبل كل شيء انتصار للنساء في بلادنا. إننا نعلن أمام كل من ساهم في الحملة الانتخابية بإننا صمدنا. كما نعلن انتهاء البحث والجدال حول النظام الرئاسي الديكتاتوري في تركية ***.
وأشارت فیگن یوكسكداغ، الرئيس المناوب ومرشح الحزب في الانتخابات في كلمتها إلى الزيادة الملحوظة للنساء في البرلمان، وإلى الشبيبة والمتطوعين والعمال الذين قدموا الدعم لمرشحي الحزب طوال الحملة الانتخابية. واستطردت قائلة: إن هذه اللحظة هي لحظة التضامن الذي يبعث الفرحة والسرور في النفوس. فمواطني تركية كانوا متشرذمين، والآن يحضنون بعضهم بعضاً في ظل أجواء الفرح. لقد أعلن شعبنا رأيه في الحكم الفردي وحكومة الحزب الواحد أو الحكم العسكري. إن شعبنا يريد أن يُتخذ القرار سوية وأن نعمل وننتج سوية. إن النتيجة التي أحرزها الحزب تدل على الوعي المجتمعي في تركية. يشكل النساء 40% من أعضاء البرلمان. إن ذلك يثير لدي الفرحة اللامحدودة. إنها تعد قفزة كبرى في تاريخ تركية السياسي. إننا سنقف جنباً إلى جنب في المستقبل.
لقد فاز لأول مرة منذ عقد الخمسينيات ثلاثة مرشحين أرمن، وهم گاراپت پایلان، معلم من حزب الشعوب الديمقراطي، وماركار آِسایان، مراسل جريدة ینی شفق من الحزب الحاكم، حزب العدالة و التنمية، و سلینا دوغان محامية من الحزب الجمهوري الشعبي. وبقدر ما يتعلق الأمر بالنواب الأرمن الثلاثة، فيجب القول أنهم من المحتمل سوف لا يبتعدون عن محور الإبادة ضد الأرمن، ولكن نشاط كل واحد منهم سيتمركز حول البرنامج السياسي لحزبه ضمن رؤية فردية، مع تبني قضية الدفاع عن حقوق الأقلية الأرمنية في تركية. وينبغي الإشارة إلى كلا الزعيمين الكرديين الذين فازا في الانتخابات، صلاحالدین دمیرتاش و فیگن یوكسكداغ، فهما من أنصار النظرة الواقعية تجاه إبادة الأرمن من قبل الدولة التركية، ويتبنيان عرض هذه القضية على البرلمان كجزء من برنامجهما الانتخابي.
الآثار الداخلية والخارجية للانتخابات التركية
الآثار الداخلية : يتوقع بعض المراقبين بروز أزمة سياسية نتيجة الانتخابات في تركية. إذ فقد حزب العدالة والتنمية الأغلبية المطلقة في البرلمان الجديد، وأصبح تشكيل حكومة ائتلافية في جدول العمل، علماً أن هذه المسألة تقترن بالتوتر السياسي حتى في الديمقراطيات الأكثر استقراراً.
ولكن الأزمة والخطر الأكبر الذي يواجه تركية وكل المنطقة هو فشل القوى الديمقراطية؛ أي احتمال تطبيق مشاريع السيد أردوغان، في الوقت الذي تنفس العالم الصعداء بعد ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة. ولكن يمكن القول وبجرأة على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، ومع وجود السيناريوهات المطروحة حول احتمالات الأزمة، أن العملية الديمقراطية قد بدأت في تركية، رغم أن عملية الدمقرطة ليست سهلة زماناً ومكاناً. وفي هذه العملية، يناضل الكرد والقوى التقدمية التركية والأرمن والأقليات الأخرى على طريق مصالحهم المشتركة. وأصبحت هذه المجاميع الثلاث أكثر فاعلية ولكل منها على حدة وزن في السياسة الداخلية للبلاد. ويمكن لاتحاد هذه القوى مجتمعة أن يتحول إلى عامل قوي في وجه الفئات المحافظة والقومية التركية. وينبغي أن يضاف إلى هذه المجموعة الثلاثية، العنصر النسائي. فالمشاركة الكثيفة للنساء تعد عاملاً مهماً في تسريع وتقوية العملية الديمقراطية.
يجب على حزب الشعوب الديمقراطي، في الوقت الذي ينظر بعين الاحترام إلى عبد الله أوجلان زعيم حزب عمال كردستان (پ كا كا) المسجون حالياً، والاعتراف بدوره في تمهيد الطريق لحل القضية الكردية، إلاّ أنه من الواجب الاحتفاظ بفاصلة معه ومع حزبه، وأن يتم صياغة برنامج مستقل عن پ كا كا. ومن الملاحظ أن حزب الحركة القومية التركي حصل على آراء أكثر في هذه الانتخابات. ويعتبر المراقبون ذلك كدليل على خوف المواطن التركي العادي من التشابه في الهوية والبرنامج بين التيارين السياسيين المار ذكرهما.
إن دمقرطة المجتمع وقضية إبادة الأرمن، هي مسألة مهمة أخرى في عملية دمقرطة النظام التركي، فتداخل هاتين القضيتين يجعل المجتمع التركي مستعداً لمواجهة تاريخه. وتعترف جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع وقادة المعارضة التركية بارتباط هاتين القضيتين بعضها ببعض، أي الدمقرطة وقضية التعامل مع مأساة إبادة الأرمن. وكما أشير أعلاه، فإن الزعيمان الكرديان اللذان فازا في الانتخابات طرحا في برنامجهما الانتخابي مسألة الإبادة العرقية، ومن المقرر أن تطرح في البرلمان الجديد. وهذه القضية بحد ذاتها يمكن أن تساعد على الارتفاع بالوعي السياسي للمجتمع التركي، بحيث لا ينظر الأتراك إلى الاعتراف بالصفحات السوداء من تاريخهم على أنه إهانة لهم ولهويتهم.
التأثيرات الخارجية
سوريا : تعتبر سوريا أحد العوامل التي أدت إلى أفول نجم السيد أردوغان، إضافة إلى مسألة كوباني. ويعتبر إصرار أردوغان على إسقاط بشار الأسد وتنصيب حاكم تابع له في سورية مظهراً من مظاهر التعاون الوثيق مع العربية السعودية. وتسير تركية حتى الآن وبشكل فعال على هذا الطريق. ومن المستبعد إن يستطيع أي ائتلاف يتم بعد الانتخابات الأخيرة بتشكيل حكومة تستمر على سياسة افتعال الأزمات هذه. إن التغيير الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة قد يؤدي إلى تخفيف التوتر بين الدولتين إلى حد كبير ،وإلى إشاعة الهدوء في المنطقة.
العراق : إن التغيير سوف لا يقتصر على سوريا بالطبع. فيمكن أن يفعل التحول في السياسة الخارجية التركية كالدومينو في المنطقة. إن تخفيف حدة التوتر بين سوريا وتركية، سيؤدي إلى تغيير سياسة الاتراك في دعمهم للقوى المعارضة لبشار الأسد، ومن ضمنها مجرمي داعش، في سوريا والعراق. ويمكن أن يصبح ذلك عاملاً حاسماً ايجابياً في المواجهة غير الفعالة الحالية للائتلاف الدولي ضد داعش، ويؤدي إلى قطع جذوره في المنطقة.
أرمينيا : بدون شك إن تقوية القوى الديمقراطية سيؤدي إلى إضعاف القوى التي تدعم سياسة الرفض في تركية، ويؤدي إلى زيادة أنصار الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن، وبالنتيجة تتوفر الظروف لإزالة التوتر بين تركيا وأرمينيا. إن التغيير في السياسة التركية من شأنه أن يؤدي بالتأكيد إلى تغيير في سياسة آذربايجان ونزعاتها الانتقامية تجاه أرمينيا.
بالطبع لا ينبغي المبالغة بالتفاؤل، لأن أوساط مهمة في المجتمع التركي مازالت محافظة وقومية، وضد الأرمن، وإن الأحزاب السياسية المهمة في تركيا متمسكة بهذه النزعة. ولكن الزيادة في وعي أفراد الشعب، وتعزيز دور المجتمع المدني، وبموازاة الضغوط الدولية والوساطات التي تبديها أطراف ثالثة أحياناً، يمكنها أن تحل عقدة من عقد تخفيف حدة التوتر في المنطقة. ومن ضمن المرشحين لهذه الوساطة هي الجمهورية الاسلامية الإيرانية، جارة كلا البلدين تركية وأرمينيا، ولها روابط حسنة مع الطرفين.
إيران : إن نتيجة الانتخابات التركية، وفشل المشاريع العثمانية الجديدة لزعمائها يشكل تحذيراً أيضاً لتلك الأجنحة في الهيئة الحاكمة الإيرانية التي مازالت تحلم بتصدير الثورة إلى الخارج. فالانتصار البارز للقوى الديمقراطية في تركية، لا يمكنه إلاّ أن يؤثر ويشجع المجتمع المدني والنشطاء والساعين إلى طريق الديمقراطية في إيران. ولا يمكن إلا أن نتصور إن تعزيز مواقع القوى الإصلاحية والديمقراطية في إيران من ناحية، ومن ناحية أخرى استمرار الضغط الدولي حول الملف النووي، من شأنه أن يؤدي إلى تراجع مواقع الأجنحة غير الراضية عن رفع العقوبات عن إيران مقابل التراجع عن الطموحات النووية.
وخلاصة القول، ففي حالة الاستفادة العقلانية من نتائج الانتخابات من قبل زعماء تركية الجدد، يمكن القول إن الانتخابات الأخيرة في هذا البلد ستترك آثاراً بعيدة المدى على الأحداث في المنطقة صوب التخلي عن الفرقة والصراع والخراب.
* آرسن نظريان كاتب إيراني من أصول أرمنية. ولد في طهران وأكمل تعليمه الابتدائي في المدرسة الأرمنية، والمتوسطة في دار الفنون في الفرع الأدبي. ثم واظب على التعليم في جامعة طهران في كلية الحقوق والعلوم السياسية. امتهن الترجمة منذ أن كان طالباً في الجامعة، وبعد أن أكمل الدراسة الجامعية عمل كمترجم في المؤسسات الحكومية. في عام 1982 أرسل في بعثة لدراسة الترجمة الحقوقية في هولندا وتعلم اللغة الهولندية، واستمر في العمل في المؤسسات الحقوقية الايرانية. استقال من الخدمة وغادر إيران ليعمل في لاهاي في مكتب للترجمة.[1]