=KTML_Bold=مستقبل قوات سوريا الديمقراطية بين مشاريع الدمج والاحتواء=KTML_End=
كاوه نادر قادر
تُعدّ قوات سوريا الديمقراطية “قسد” اليوم من أكثر القوى العسكرية الفاعلة في روج آفا شمال وشرق سوريا، وهي قوة متعددة المكونات، يشكّل الكرد وخاصةً وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة (YPJو YPG) مكونها الرئيسي، وقد لعبت “قسد” دورًا حاسمًا في هزيمة داعش، بدعمٍ مباشر من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
ومع تغيّر المعادلات الإقليمية، خصوصًا بعد سقوط النظام السوري السابق في دمشق في #08-12-2024# وتشكيل حكومة مؤقتة هناك، طُرحت تساؤلات متعددة حول مستقبل هذه القوات، لا سيّما بعد الحديث عن خطة لدمجها ضمن “الجيش الوطني السوري”. ورغم إبداء “قسد” استعدادها للاندماج، فإنها تواجه اتهامات من بعض الأطراف السوريّة بأنها مشروع انفصالي، وقد استنجدت الحكومة الانتقالية في دمشق رسميًا بالمساعدات العسكرية التركية تحت شعار “دولة واحدة وجيش واحد”.
إلا أن واقع شمال وشرق سوريا و”قسد” يفرض نفسه، فالقوات تدير وتحمي مناطق شاسعة تُشكّل نحو ثلث مساحة البلاد، وتضم ” كرد وعرب وسريان”، وتدير مؤسسات أمنية وإدارية وخدمية يصعب تجاوزها كما تتمنى السلطات السورية والتركية.
لذا، فإن الحديث عن نزع سلاح (قسد) يكشف عن أزمة بنيوية في المشهد العسكري والسياسي السوري. ولا يمكن تنفيذ مثل هذه العملية خارج إطار حل سياسي شامل يضمن مشاركة جميع الشعوب السوريّة في مشروع بناء الدولة الجديدة، بما يتجاوز الأدوار التركية والروسية والأمريكية في هذا الملف.
الخط السوري الرسمي وازدواجية المعايير
خلال الأشهر الأخيرة، تصاعدت لهجة الخطاب الرسمي السوري والتركي معًا تجاه قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، حيث اتُّهِمت هذه القوات بأنها تمثل تهديدًا للوحدة الوطنية السورية. غير أن هذا الخطاب يتناقض مع الواقع السياسي، إذ لم تُطرح مشاريع مشابهة لاستعادة الأراضي السورية في الجولان المحتل من قبل إسرائيل، ولا الحديث عن المناطق المحتلة من قبل تركيا، بينما تصبّ أغلب الدعوات إلى “التحرير” على حد قولهم ضد المناطق الواقعة تحت سيطرة “قسد”. هذا التناقض يدفع إلى التساؤل عن انتقائية الحكومة الانتقالية في تحديد أولوياتها الوطنية.
=KTML_Bold=تركيا ومشروع الجيش الوطني السوري=KTML_End=
من جهة أخرى، تُخطط تركيا والحكومة الانتقالية، لبناء “جيش وطني سوري” من خلال دمج قوات المجموعات المسلحة، المعروفة ب “الموالية” لأنقرة، والتي تعمل بطريقة تتوافق أيضًا مع المصالح الأمنية التركية، وقد طُرحت مقترحات غير رسمية في الأشهر الأخيرة بشأن إمكانية دمج قوات سوريا الديمقراطية في هذا “الجيش الوطني” كبادرة لتخفيف التوترات الأمنية.
وترى غالبية القيادات الكردية أن هذا المقترح ليس جهدًا وطنيًا حقيقيًا، بل محاولة لحصر قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في سياق عسكري مرتبط بتركيا أو بالنظام السوري، تمهيدًا لتفكيكها تدريجيًا.
=KTML_Bold=دور الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية=KTML_End=
في هذا السياق، صرّحت إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، بأن “الإدارة الذاتية لا تقبل بأي مشروع تكامل لا يعترف بهوية وإنجازات قوات سوريا الديمقراطية ومشروع الإدارة الذاتية”، وأضافت: “الأمر ليس بهذه البساطة: سلموا أسلحتكم، وانتهى الأمر”. وتابعت: “ما يُسمى بالتكامل الذي اقترحته دمشق لا يمكن أن يتحقق دون اعتراف حقيقي بإرادة الشعب”، مشيرةً إلى أن “الأولوية يجب أن تكون للمشاركة، لا للتبعية”.
كما حذّرت الإدارة الذاتية من أن الوضع في سوريا “يُدار حاليًا بوحشية”، حيث تُرتكب مجازر وجرائم إبادة جماعية أمام أعين العالم. واعتبرت أن الدعوة لإلقاء السلاح في هذا السياق تمثل خطوة بالغة الخطورة، وأن “الدور الكردي يجب أن يُحدد بالتفاوض لا بالإملاءات”
وأضافت: “قوات سوريا الديمقراطية جزء من المنظومة الوطنية السورية، وليست قوة تمرد. نرفض إعادة تأهيلها أو دمجها بما يسلب هويتنا ودورنا في مكافحة الإرهاب”.
=KTML_Bold=مواقف متناقضة وتشجيع على التشرذم=KTML_End=
تُظهر هذه الحقائق إن مشروع “الجيش الوطني السوري”، سواءً كان مدفوعة تركيًا أو رسميًا من دمشق، لا يقوم على قاعدة وطنية شاملة، بل على أسس إقصائية وتهميشية. بينما ينكر النظام أي شراكة حقيقية مع القوى الخارجة عن سيطرته، تسعى تركيا إلى إعادة تشكيل المشهد العسكري بما يتناسب مع أولوياتها الأمنية، وليس مع رغبات السوريين عمومًا أو الكرد خصوصًا.
في ضوء هذا الواقع، تبدو قوات سوريا الديمقراطية “قسد ” هي الفاعل الوحيد الذي يروّج لمشروع متماسك لإعادة هيكلة الدولة السورية على أسس ديمقراطية وتعددية. غير أن هذا المشروع يواجه تحديات إقليمية صارمة ترفض أي شكل من أشكال الحكم أو الإدارة الذاتية وتتمسك بإخضاع القوى المحلية لمعادلات الهيمنة الخارجية.
=KTML_Bold=الخلاصة.. بين الاندماج القسري والشراكة الحقيقية=KTML_End=
إن دعوات دمج “قسد” في الجيش السوري أو في مشروع “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا لا يمكن فصلها عن السياقات الأيديولوجية والسياسية الإقليمية، فبدلًا من التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية كشريك في الحل السياسي، يُصوَّر دورها كعقبة أمام “الوحدة الوطنية”، ويتم تهميش مساهمتها الحاسمة في مكافحة الإرهاب.
أي مشروع وطني سوري حقيقي يجب أن ينطلق من مبدأ الشراكة لا الإقصاء، وهذا يتطلب اعترافًا سياسيًا وعسكريًا بدور “قسد”، وضمان تمثيل فعلي للإدارة الذاتية في أي عملية دستورية مستقبلية. وما عدا ذلك، فإن كل محاولات الدمج ستبقى في جوهرها أدوات للهيمنة، لا لبناء وطن مشترك. [1]