=KTML_Bold=التسامح الديني في الضمير الكردي=KTML_End=
د. علي أبو الخير
الشعب الكردي له خصوصيته الحيوية، التي جعلته روحاً دافقةً في تاريخ المنطقة والعالم؛ فقد مارسوا أكبر قدر من أريحية السلوك تجاه المخالفين في الدين أو العرق أو المذهب؛ واستمرار تسامحهم يميز الشعب الكردي عن باقي الشعوب؛ كما أن حيوية الكرد جعلتهم شعباً مساهماً فعالاً في تاريخ المنطقة والعالم.
وفي العصر الحديث جعلته يتعرف على النظريات السياسية والاجتماعية؛ عرفوا الماركسية والشيوعية والليبرالية والرأسمالية؛ ونقدوا كل النظريات من واقع تجاربهم وحيويتهم؛ وإن كانوا يتعرضون وتعرضوا للاضطهاد والتشويه. فليس من الغريب أن يظهر فيهم قادة عظام ومفكرون أثروا في الفكر الإنساني؛ وخير نموذج هو القائد عبد الله أوجلان.
=KTML_Bold=الكرد.. بعيداً عن التطرف الديني=KTML_End=
الكرد لم يعرفوا التطرف الديني؛ ليس في العصر الحديث فقط؛ بل نكاد نجزم أن الشعب الكردي لم يعرف التطرف طوال تاريخه، وهو أمر مدهش أن يوجد شعب في العالم ينبذ التطرف الديني بتلقائية شعبية وروح دينية معتدلة .
الكرد مسلمون سنة؛ بأغلبيتهم، وتوجد بينهم أيضاً نسب قليلة من أتباع ديانات أخرى كالمسيحية واليهودية والإيزيدية؛ وكان هذا من أسباب انتشار الاعتدال في الشعب الكردي، فلم نسمع يوماً عن شباب كُرد ذهبوا لأفغانستان أو العراق؛ ولم ينتشر الفكر المتطرف في كردستان؛ ولم يحدث أن قام أحد الكرد بتفجير كنيسة أو مسجد شيعي أو إباضي؛ ولم نسمع عن شيخ في بلاد الكرد أصدر فتوى تكفير ضد كاتب أو سياسي معارض؛ وهذا أمر يستجلب البحث عن أسباب النقاء الكردي من لعنات الإرهاب، فالمجتمع الكردي تاريخياً ميّال للتصوف الإسلامي الروحي المعتدل؛ ما ساهم في الابتعاد عن التطرّف الديني. ولقد أدى وقوع الكرد في مناطق ذات تنوع عرقي وديني إلى تقبلهم للآخر المختلف .
وهناك أسباب أخرى قد تُفسر ميول المجتمعات الكردية نحو الاعتدال؛ وهو التصوف الإسلامي وانتماء علمائهم للطرق الصوفية مثل النقشبندية القادرية. كما ذكرنا.
وفي التاريخ الكردي ما يؤيد تحضّره؛ فأنجب علماء ساهموا بشرفٍ وعبقرية في الحضارة الإسلامية؛ نذكر منهم ابن خلكان وابن الأثير وابن الصلاح الشهرزوري، وابن الحاجب والشيخ عبد القادر الكيلاني وخالد النقشبندي وعبدالرحمن الكواكبي وأحمد شوقي وآل الحيدري وعباس محمود العقاد؛ فضلاً عن القائد الكبير المشهور صلاح الدين الأيوبي؛ وغيرهم يفوقون الحصر .
=KTML_Bold=محاولات التطرف لغزو الشعب الكردي=KTML_End=
حاولت أنظمة الإسلام السياسي غزو الأرض الكردية؛ في سوريا والعراق وتركيا؛ فضلاً عن إيران؛ مع العلم إن أنظمة الإسلام السياسي هي مقدمة للتطرف ثم الإرهاب؛ وطبيعة الكرد رفضت مثل تلك المحاولات حتى اليوم .
وكما ذكر الأستاذ حمزة همكي في موقع رصيف 22؛ يوم #17-04-2019# ؛ فقد شهدت المنطقة الكرديّة في سوريا، محاولة تشكيل حزب سياسيّ ذي صبغةٍ إسلامية شبيه بالإخوان المسلمين في مصر على يد بعض مشايخ النقشبنديّة، حاملاً اسم (هيوا)، ترأسه الشيخ أحمد بن الشيخِ عبد الله الديرشوي، وانتسبت إليه طبقةٌ من الفقهاء الكرد، من أبرزهم الشيخ إبراهيم تل شعيري، والملّا طاهر، إمام قرية تل زيارات آباسا، وحصل الحزب على تأييد مشايخ آل حقي وآل الديرشوي،؛ ولم تنجح المحاولة؛ وبعد انتشار جماعة الإخوان المسلمين في سوريا في فترة الثلاثينيات، حاول التنظيمُ الإخواني التغلغلَ بين كرد سوريا؛ لكنه لم يتمكّن من ذلك، فقد انحصر الموضوع بانضمام عددٍ قليلٍ من الأشخاص، لكن هذه المجموعات ما لبثت أن تلاشت كتنظيمٍ متطرف؛ كما خاض التنظيم الإخواني صراعاً مع نظام حافظ الأسد عام 1982 في مدينة حماة؛ لم ينتصر فيها النظام ولا استفاد الإخوان المسلمون؛ ولم يحدث أن انتشر فكر الإخوان في كردستان سوريا؛ وحتى في كردستان العراق وإيران لم ينتشر الفكر المتطرف.
أما كرد تركيا فلم يتأثروا بفكر الإسلام السياسي منذ وصول أردوغان للحكم عام 2002 وظل الكرد على ولائهم الفطري للإسلام المعتدل؛ ولم يتسرب التطرف لكرد تركيا؛ ونشطوا في المقابل للدفاع عن هويتهم وثقافتهم؛ وتعرض الكرد للتشويه من الحكومات التركية المتتالية وادعت إنه يوجد إرهاب كردي متمثلاً في أحرار حزب العمال الكردستاني والقائد عبد الله أوجلان؛ وهو اتهام له بُعد سياسي استبدادي؛ لأن القائد أوجلان رجل سلام ومفكر عالمي من طراز رفيع؛ فيحاول رجب أردوغان إسكات صوته وفكره طوال أكثر من ربع قرن؛ ولكن فكره شع ويشع في أرجاء منطقة الشرق الأوسط؛ وبفكر المفكر عبد الله أوجلان وصمود قوات سوريا الديمقراطية “قسد” انتصر الحق على داعش الإرهابي.
=KTML_Bold=مستقبل سوريا يحدده الكُرد=KTML_End=
تعيش سوريا فترة عصيبة في تاريخها المعاصر؛ تكالبت عليها دول الجوار التركي والإسرائيلي؛ وتسعى إسرائيل لفصل الدروز عن سوريا؛ وخلق دولة السويداء؛ كل هذا مفهوم.
والحقيقة بلا مغالاة إن مستقبل سوريا يحدده كرد سوريا؛ ليس بالضرورة أن يكون رئيس سوريا من الكرد؛ ولكن لابد من استلهام النموذج الكردي في القيادة؛ خاصةً قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وحنكتها السياسية في الإدارة الذاتية.
إن الكرد شعب غير متآمر؛ ويحرص على وحدة التراب السوري؛ واتفق القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي ورئيس الحكومة الانتقالية أحمد الشرع في شهر آذار 2025 على دمج مؤسسات الإدارة الذاتية في مؤسسات الدولة؛ وهو ما لم يتحقق حتى الآن، ونأمل أن يتحقق لحماية سوريا الأرض والشعب من التمزق… حمى الله الشعب الكردي وكل شعوب المنطقة. [1]