رمزية الحب الإلهي في الشعر الكردي الحديث
مع تطور التجربة الشعرية الكردية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، لم يختفِ البعد الصوفي من النص الشعري، بل اتخذ أشكالًا جديدة تعبّر عن التحول في الوعي الجمعي والروحي للشعب الكردي. فقد أعاد الشعراء المحدثون توظيف رمزية الحب الإلهي لتكون وسيلة للتعبير عن الاغتراب، والحنين، والرغبة في الخلاص، سواء من القمع السياسي أو من العدم الوجودي. وهكذا امتزجت الرؤية الصوفية القديمة بروح الحداثة، لتُنتج خطابًا شعريًا يجمع بين العاطفة والموقف الفلسفي.
من أبرز الشعراء الذين جسّدوا هذا الاتجاه عبد الله كوران وشيركو بيكهس. استخدم كوران رموز الحب الإلهي كاستعارة للوطن والحرية، فالعشق هنا لم يعد مقتصرًا على الذات الإلهية بل امتدّ إلى الأرض والإنسان. أما شيركو بيكهس، فقد أعاد صياغة مفهوم العشق الإلهي بلغة شعرية حديثة، إذ صوّر الله كقيمة روحية كبرى تُختزل فيها المحبة والعدالة والجمال. يقول في إحدى قصائده:
يا إلهي، إن لم تكن في الوردِ
فلِمَ تهتزُّ الأزهارُ حين تمرُّ الريح؟
في هذا البيت، يتحول الله إلى حضور كوني شامل، لا يُرى بالعين، لكنه يُحسّ عبر الطبيعة والحياة، وهي فكرة صوفية أصيلة أعاد الشاعر توظيفها بلغة معاصرة.
الشعر الكردي الحديث، خصوصًا بعد ثورة روجافا وما تلاها من تحولات فكرية، بدأ يُظهر تصوفًا جديدًا يمكن وصفه بالتصوف الإنساني، حيث لم يعد الهدف الاتحاد بالله بقدر ما أصبح تحقيق الانسجام بين الإنسان والعالم. الحب الإلهي في هذا السياق لم يعد مفارقًا للحياة، بل صار جزءًا منها، يتجلى في علاقة الإنسان بالأرض، بالشهداء، وبالحرية.
كما أن رمزية النور والظلام، الفناء والبقاء، استُخدمت كثيرًا في هذا الشعر كأدوات لتمثيل الصراع الروحي بين القهر والأمل. فالقصيدة الحديثة عند شعراء مثل لاتف حجي وعبد الرزاق موكرياني تجمع بين التمرد الصوفي والوعي القومي، لتؤكد أن طريق الله لا ينفصل عن طريق الحرية.
ومن الملاحظ أن الشعراء الكرد المحدثين لم يتعاملوا مع التصوف بوصفه موروثًا دينيًا جامدًا، بل بوصفه طاقة إبداعية قابلة للتجدد. فهم أعادوا توجيه رمزية الحب الإلهي نحو الإنسان، فصار العشق في القصيدة الكردية المعاصرة يعكس تجربة جماعية تبحث عن الخلاص، لا عن النجاة الفردية.
بهذا المعنى، يمكن القول إن التصوف في الشعر الكردي الحديث يمثل مرحلة تحوّل لا انقطاع، حيث ظلّ الحب الإلهي رمزًا جوهريًا، لكنه اكتسب أبعادًا جديدة تُعبّر عن نضج الوعي الكردي وتجدده في مواجهة العالم المعاصر.
مراجع:
1. شيركو بيكهس، مختارات شعرية، ترجمة: بدل رفو، دار ئاراس، أربيل، 2015.
2. عبد الله كوران، ديوان عبد الله كوران، المجلد الأول، دار سبيريز، بيروت، 1983. [1]