المرأة والنيوليبرالية وسبل مواجهة خطط تفكيك الأوطان.. من واقع فكر القائد عبدالله أوجلان
طالما شدّد القائد عبدالله أوجلان في أطروحاته الفكرية على دور المرأة، ليس فقط في بناء المجتمع، بل أيضاً في مواجهة النيوليبرالية الساعية إلى تفكيك المجتمعات ومحو الهويات الثقافية والحضارية في المنطقة.
تجسد قضية المرأة محوراً أساسياً في معركة التحرر وإعادة بناء الأوطان، في ظل تفكك المجتمعات تحت وطأة العولمة النيوليبرالية خلال القرن الجاري، وهو ما أورده القائد عبدالله أوجلان في أطروحاته الفكرية العميقة، مقدماً رؤية فلسفية تربط بين تحرر المرأة ومقاومة النيوليبرالية، وصيانة الهوية الوطنية. فبالنسبة للقائد عبدالله أوجلان، لا يمكن الحديث عن حرية شعب أو وطن دون تحرير المرأة من القيود التاريخية والسياسية والاقتصادية التي فرضتها الأنظمة الذكورية والرأسمالية.
أكدت عبير تقبية، الكاتبة الصحفية والبرلمانية السابقة، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF) ، أنّ رهان فكر الحداثة على تفكيك العائلة والأسرة في المجتمعات العربية بمثابة مخطط فاشل، لأن المرأة الشرق أوسطية تمثل الحبل السري للترابط العائلي والأسري، وطالما كانت المرأة موجودة ومؤثرة بما نشأت عليه من قيم وتقاليد، فإن هذا المخطط إلى زوال، لأن المرأة الشرق أوسطية معروفة بحرصها على لم الشمل وذلك ليس مرده إلى موروثات فقط، وإنما جينات وفطرة تدفعها إلى هذا السلوك. فيما أكدت الحقوقية المصرية ماجدة رشوان، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF) ، أنّ حرية المرأة هي حرية الحياة وفقاً لأقوال القائد عبدالله أوجلان الذي أكد أنه بدون تحرر المرأة لا يمكن لأي مجتمع أن يكون حراً، وأن الرجل حر فقط عندما تكون المرأة حرة، وإلا فكل حرية مزعومة كذبة.
التهميش والقيادة
وفقاً لرؤية القائد عبدالله أوجلان، كانت المرأة أول من تم استعباده في التاريخ من خلال النظام الأبوي الذي نشأ مع ظهور الملكية الخاصة والدولة القومية، وأسس لعلاقات قهر ممنهجة تجاه النساء تحولت إلى بنية ثقافية وسياسية واقتصادية متجذرة في المجتمعات، ومن ثم بات تحرر المرأة شرطاً أساسياً لتحرر المجتمع بأكمله، فالمجتمع الذي يقمع المرأة هو مجتمع عاجز عن إنتاج الحرية، ويظل رهينة لعلاقات السلطة والاستغلال، ولهذا، فإن القائد عبدالله أوجلان يدعو إلى ثورة نسوية جذرية، لا تكتفي بالمطالبة بالمساواة الشكلية، بل تسعى إلى تفكيك البنية الذكورية للسلطة، وإعادة بناء المجتمع على أسس تشاركية وديمقراطية.
وجه استعماري
طالما لعبت الخطط الاستعمارية على قضية تفكيك الروابط الاجتماعية، وتهميش القيم الجماعية، وتحويل الإنسان إلى مستهلك منعزل، لإعادة إنتاج الاستعمار بأشكال جديدة، حيث تُستخدم الشركات متعددة الجنسيات، والمؤسسات المالية العالمية، والإعلام، كأدوات لفرض الهيمنة الثقافية والسياسية، وتسعى النيوليبرالية إلى تفكيك الأوطان من الداخل، عبر ضرب البنية الاجتماعية، وتهميش دور المرأة، وتفريغ الهوية الوطنية من مضامينها التحررية، من خلال إشاعة نهج الفردية وإضعاف الحس الجماعي، وتحويل القضايا السياسية إلى منتجات قابلة للتسويق، مما يُفقد الشعوب قدرتها على المقاومة والتنظيم.
صراع مزدوج
في ظل النيوليبرالية، يجب إعادة تركيب المجتمعات وفقاً لخطط تستهدف العائلة والأسرة، وتتعرض المرأة خلالها لاستغلال مضاعف، فمن جهة، تُستخدم كأداة تسويقية في الإعلام والإعلانات، ومن جهة أخرى، تُهمش في مواقع القرار السياسي والاقتصادي من خلال إعادة إنتاج صور نمطية تُكرّس التبعية والضعف، ومن ثم يجب أن تركز خطط المقاومة على إعادة الاعتبار للمرأة كمحرك أساسي للتغيير. فالمجتمعات التي تُقصي النساء من الفعل السياسي والثقافي، تُسهل اختراقها من قبل القوى النيوليبرالية، وتفقد قدرتها على بناء نموذج مقاوم ومستقل، تزامناً مع إعادة بناء المجتمع من القاعدة، وتحرير المرأة، وتفكيك الدولة القومية المركزية وطرح مفهوم الكونفدرالية الديمقراطية كنموذج بديل للدولة القومية، يقوم على التنظيم الذاتي للمجتمعات، واحترام التعددية الثقافية، والمشاركة الشعبية، وهذا النموذج يُمكّن المرأة من لعب دور قيادي، ويُعيد بناء العلاقات الاجتماعية على أسس العدالة والمساواة، إلى جانب خلق مؤسسات تعليمية بديلة، تُركز على الوعي النقدي، وتُعزز قيم التعاون والمشاركة، وتقاوم الاقتصاد النيوليبرالي القائم على الربح والاستغلال، والترويج لنموذج الاقتصاد المجتمعي الذي يُركز على تلبية حاجات المجتمع، ويُشرك المرأة في إدارة الموارد، ويُعيد الاعتبار للعمل الجماعي والتضامن.
ووفقا لأطروحات القائد عبدالله أوجلان، فإن مواجهة خطط تفكيك الأوطان لا تبدأ من القمم السياسية، بل من القاعدة الاجتماعية، عبر إعادة بناء العلاقات الإنسانية على أسس العدالة والمساواة، وتمكين المرأة لتكون في قلب الفعل السياسي والثقافي وفتح آفاق جديدة أمام الشعوب الباحثة عن الكرامة والحرية. [1]