“توقف واقرأ جيدًا: الاستقلال حقٌ مشروع وليس انفصالًا يا هذا”
أزاد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8229
المحور: القضية الكردية
حينما أسدلت الحرب العالمية الأولى ستائرها، وقعت المنطقة فريسة للتقسيمات الاستعمارية، وأُبرمت اتفاقية سان ريمو عام 1920، التي شرّعت تمزيق أوصال أراضي الشعب الكردي التاريخية. فجأة، وجد الكرد أنفسهم مجزّئين بين أربعة كيانات سياسية جديدة: تركيا، إيران، والعراق وسوريا. وباتت أرضهم التي عاشوا عليها منذ آلاف السنين، بل عشرات الآلاف من السنين، في قبضة قوميات أخرى لا تعترف بحقوقهم، وتتنازع هويتهم، وتطمس وجودهم.
أمةٌ بلا دولة: مأساة الكرد في القرن العشرين
الشعب الكردي الذي لم يعرف وطناً غير جباله وسهوله الممتدة، أصبح ضحية لنظام دولي تحكمه أطماع استعمارية، ضربت بحق الشعوب في تقرير مصيرها عرض الحائط. تم تجاهل مطالبه الوطنية، وجرى تهميش حقوقه في مقابل إرضاء الدول القومية الحديثة التي استحدثتها مصالح الحلفاء. وهكذا، تحولت القضية الكردية إلى ملف شائك، تتقاذفه سياسات الإنكار والقمع والتنكيل.
طمس الهوية: سياسة الغزو الثقافي
منذ لحظة التقسيم، مارست الأنظمة السياسية التي تقاسمت الكرد أبشع أشكال الغزو الثقافي ضد هذا الشعب الأصيل. في تركيا، مُنع الكردي من التحدث بلغته، وأُطلق عليه “تركيٌّ على الهوية”. في العراق وسوريا، جُرّد من قوميته وأُلصقت به هوية عربية زائفة. وفي إيران، أُجبر الكردي على أن يصبح فارسياً. أما أسماء القرى والمدن الكردية، فقد تم تعريبها وتتريكها وتفريسها، كجزء من سياسة ممنهجة لطمس تاريخ الكرد وإلغاء وجودهم.
هذا غير ما تعرض له الشعب الكوردي من محو لهويته الثقافية والقومية ومحاربته وزج بأبناءه في أقبية المعتقلات ومنعهم من أعيادهم ومنعهم من أسمائهم وتعريب وتتريك وفرسنة أسماء مدنهم وبلداتهم وقراهم بأسماء عربية وتركية وفارسية وأهمال مناطقهم وممارسة سياسة عنصرية مقيتة جداً بحق هذا الشعب الذي لا ذنب له سوى إنه ولد كورديا
أساطير زائفة لتبرير الظلم
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فقد روجت الأنظمة الحاكمة أساطير سخيفة لتشويه صورة الكرد وتجريدهم من شرعية وجودهم. مرةً يقال إنهم “بدو الفرس”، ومرةً إنهم “أبناء الجن”، بل وصل الأمر إلى الادعاء بأنهم جاؤوا من كوكب آخر بمركبات فضائية! وعندما يقف الكردي ليقول: “هذه أرضي، أريد حقي”، يتم اتهامه فورًا بأنه “انفصالي”، “خائن”، و”خنجر في خاصرة الأمة”.
ازدواجية معايير ظالمة
هذا النفاق السافر يطرح سؤالاً ملحًا: لماذا تُحلل القوميات الحاكمة لنفسها أن تكون لها دول وجيوش تعبّر عن لغتها وثقافتها، بينما تُحرم هذه الحقوق على الكرد؟ أليس الكرد بشرًا لهم الحق في تقرير مصيرهم؟ لماذا يُنظر إلى الاستقلال على أنه جريمة؟ أليس من حق أي شعب أن يحيا بحرية وكرامة على أرضه؟
الحقيقة الواضحة كالشمس هي أن ما يطالب به الكرد ليس انفصالاً كما يروج الأعداء، بل استقلالًا مشروعًا يكفله القانون الدولي. الاستقلال يعني الحق في تقرير المصير، وليس الاعتداء على حقوق الآخرين. ولكن، في عقول القوميات المستبدة، يصبح مجرد طلب الحق جريمةً تستوجب العقاب.
ماذا بعد؟ نداءٌ للعدالة
لقد عانى الشعب الكردي من مئات السنين من الظلم والاستبداد، وصبر على محاولات القهر والترويع. آن الأوان أن يسمع العالم صوته. فالأرض ليست ملكًا لأحد ليقرر من يعيش عليها ومن يُجرد من هويته. عمر الشعوب من عمر الأرض نفسها، ولا أحد أقدم أو أحق من الآخر.
حتى في الطبيعة، تدافع الحيوانات عن أوطانها وممالكها. فلماذا يُجرد الإنسان الكردي من حقه الطبيعي في الدفاع عن وطنه وهويته؟ لماذا يُسمح للظالم أن يطغى بجبروته بلا حساب، بينما يُقمع الكردي إذا طالب بحقوقه؟
دعوة إلى العقلانية والعدالة
إن لغة التجريح والإلغاء والتهديد لن تجلب سوى المزيد من الألم والدمار. آن الأوان أن يمد الجميع أيديهم لبعضهم البعض، لبناء مستقبل قائم على العدالة والاحترام المتبادل. دعونا نحتكم إلى منطق العقل لا سلاح القوة، ولنسمح للحق بأن يأخذ مجراه.
في النهاية، الاستقلال ليس جريمة، بل حقٌّ مشروع لشعبٍ أثبت وجوده وتاريخه عبر آلاف السنين. وتذكروا: الحق بين والباطل بين، وشتان ما بينهما.[1]