“سوريا بعد بشار الأسد: فراغ سياسي وهويات متصارعة في ظل تدخلات دولية”
آزاد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8206
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
سقوط بشار الأسد وأزمة الهوية والفراغ السياسي في سوريا
مرت سوريا بتطورات دراماتيكية منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، والتي تحولت إلى صراع طويل الأمد، أسفر عن تدمير البنية التحتية للبلاد وأدى إلى خسائر بشرية ومادية ضخمة. مع تدهور الأوضاع السياسية والعسكرية، استمر بشار الأسد في التمسك بالسلطة، مدعومًا من حلفائه الإقليميين والدوليين، وفي المقابل كانت المعارضة تنقسم إلى فصائل متعددة، بعضها مدعوم من دول غربية وعربية. ومع مرور الوقت، تحول سقوط بشار الأسد إلى مسألة مفتوحة تتعلق بمستقبل سوريا السياسي، والهويات المختلفة في المجتمع السوري، فضلاً عن التدخلات الدولية التي أعقدت من إمكانية التوصل إلى حل سياسي.
سقوط بشار الأسد: خطوة نحو التغيير أم تكريس للواقع؟
إن سقوط بشار الأسد يمثل لحظة مفصلية في تاريخ سوريا الحديث، حيث أنه بعد عقد من الصراع، أصبح واضحًا أن بقاء النظام أو انهياره سيحدد شكل المستقبل السوري. إذا سقط الأسد، فمن الصعب تصور أن يظل النظام الذي حكم سوريا طيلة عقود بنفس الهيكلية. لكن من جهة أخرى، فإن فقدان الأسد للسلطة قد يفتح الباب أمام الفوضى السياسية، حيث لا يزال فراغ القيادة قائمًا، وتستمر الهوية السورية في الانقسام على نفسها.
من غير الممكن نفي تأثير الأسد العميق على الهوية السياسية والاجتماعية في سوريا. فقد تمكن من ترسيخ نظام ديكتاتوري يعتمد على الطائفية والسلطة الفردية، مما جعل من سقوطه خطوة محفوفة بالمخاطر. هوية سوريا في ظل حكمه كانت ترتكز على وحدة البلاد تحت طائفة واحدة، وقد تسبب هذا في صراعات طائفية ومناطقية مستمرة.
أزمة الهوية والفراغ السياسي
تعد أزمة الهوية في سوريا من القضايا المركزية التي برزت منذ بداية الثورة. المجتمع السوري يتكون من مكونات طائفية وعرقية متنوعة، مثل العرب السنة، العلويين، الأكراد، المسيحيين، وغيرهم. هذا التنوع الذي كان يُعتبر قوة في الماضي، أصبح مصدرًا رئيسيًا للانقسامات في أعقاب بدء الثورة، حيث تحولت الأزمة إلى صراع طائفي وإثني.
الفراغ السياسي الذي خلّفه النظام السوري بعد سنوات من القمع والتفكك الاجتماعي، جعل من الصعب تحديد معالم الحل السياسي. كانت هناك محاولات لإنشاء هياكل قيادية بديلة، إلا أن غياب التوافق بين القوى المعارضة أتاح المجال لتعدد الفصائل، التي بدأت تُحارب بعضها البعض بنفس قدر محاربتها للنظام. هذا الفراغ عزز من قوى التطرف والمليشيات المسلحة المدعومة من قوى خارجية.
التدخلات الدولية: تأجيج الصراع أم التخفيف من حدته؟
التدخل الدولي في سوريا كان أحد العوامل الأساسية التي أطالت أمد الحرب وأدت إلى تعقيد الحلول. التدخل الروسي والإيراني لصالح نظام بشار الأسد من جهة، والتدخل الأمريكي والغربي في دعم المعارضة من جهة أخرى، حول الصراع السوري إلى لعبة مصالح جيوسياسية، جعلت من الصعب إيجاد حل نهائي يعيد الاستقرار إلى البلاد.
روسيا، عبر دعمها العسكري والسياسي للنظام، كانت تسعى لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، في حين أن إيران، بحكم تحالفها مع النظام السوري، اعتبرت سوريا جزءًا من محور المقاومة ضد القوى الغربية والإسرائيلية. من ناحية أخرى، كانت القوى الغربية تدعم المعارضة السوريا في محاولات للإطاحة بالنظام، مما أدى إلى تشجيع الانقسامات داخل المعارضة نفسها.
التدخلات العسكرية والتسليح لم يقتصر فقط على القوى الكبرى، بل شمل أيضًا القوى الإقليمية، مثل تركيا التي كانت تساند فصائل المعارضة المسلحة في شمال سوريا، والأكراد الذين كانوا يحاولون فرض سيطرتهم على الأراضي ذات الأغلبية الكردية في الشمال الشرقي.
الحلول الممكنة للأزمة السورية
في ظل تعقيدات المشهد السوري، قد تبدو الحلول السياسية بعيدة المنال. ولكن هناك بعض النقاط التي قد تشكل بداية طريق نحو الاستقرار.
1. إعادة بناء الهوية السورية: من الضروري أن يتم التوجه نحو بناء هوية وطنية شاملة تضم جميع الأطياف والطوائف السورية. يجب أن يكون هناك تقبل للتنوع الثقافي والديني ضمن إطار دولة مدنية ديمقراطية قائمة على المواطنة وليس الطائفة أو العرق.
2. المصالحة الوطنية: لا بد من إيجاد آلية للمصالحة الوطنية تعيد للسوريين الثقة في بعضهم البعض وتضع الأسس لمرحلة انتقالية. هذه المرحلة يجب أن تكون تحت إشراف دولي لتجنب الانزلاق إلى صراعات طائفية جديدة.
3. التفاعل مع المجتمع الدولي: يجب على المجتمع الدولي العمل على إيجاد حل سياسي دائم للأزمة السورية يشمل جميع الأطراف المعنية، وذلك عبر عملية سياسية تضم الحكومة والمعارضة، وتضمن حقوق جميع الأطياف السورية. ويجب أن يكون المجتمع الدولي حريصًا على وضع ضوابط لوقف التدخلات العسكرية التي تؤجج الصراع.
4. الانتقال إلى مرحلة ديمقراطية: يتطلب الحل السياسي في سوريا انتقالًا حقيقيًا نحو الديمقراطية، وإقامة مؤسسات سياسية قوية تحترم الحقوق والحريات الأساسية. يجب أن يُسمح للمواطنين بالمشاركة الفعالة في صنع القرارات دون الخوف من القمع أو التهميش.
الخاتمة
إن نهاية حكم بشار الأسد، إذا تحققت، لن تكون نهاية معاناة الشعب السوري، بل ربما بداية مرحلة جديدة من التحديات التي تتطلب تعاونًا داخليًا ودوليًا. الفوضى السياسية المستمرة والأزمة في الهوية السورية تستدعي حلولًا جذرية وفورية. من دون حل سياسي شامل ومتوازن، ستظل سوريا مسرحًا للصراعات الداخلية والتدخلات الدولية.[1]