سيرة مشو بكابور برازي
1889/1956
Misho Beke bûr Berazi - مشو بكی بور برازي - kobani
من أعمالي الأدبية
(مم الان وزين – تيار وغزالة) وسيتابع سيره إلی (سيامند وخج – بنفش – عيشا ايبی – صالح وكز – و بيمال) وغيرها.. تلكم القصص الفولكلورية المستمدة من التراث الكردي الأصيل.
وفيما يخص قصائده الوطنية.. فقد دونت منها :
(هاوار لاو ولاتو – ز سالي سي مه هافينه – كرمانج جه قاس برن – از جومه شامي باكي)
مشو بن بكر بن صالح بن عطو من بلدة (رها) في كردستان تركيا , ينتمي إلی عشيرة بزان(Pijan) البرازية.
تزوج أبوه بكر من امرأة كردية تنتمي إلی عشيرة (قره كًيجي) الرحل , التي كانت تستوطن علی أطراف البلدة , وعرف (بكر) باسم بكابور أي (الرجل العنيد) ذلك لجرأته وعناده.
كان يملك بيتا متواضعا في (رها) , وأراض زراعية , ظل يعمل فيها فلاحا إلی أن توفت زوجته , فاختلف بعد ذلك مع أخيه الأكبر (حم كَاور) الذي كان شرسا وذو طبع حاد , حينها ذهب بولديه (ايبو ومشو) إلی عشيرة (قره كًيجي) للعيش مع انسبائه , وهناك لم تطب له العيش كما خطط لنفسه , فرحل إلی قرية عثمانك التركية المجاورة لبلدة (كوباني) السورية , ليعيش مع أقربائه , وعشيرته (بيزان) , وظل ي هذه القرية مدة من الزمن يعمل مع ولديه في الزراعة إلی أن وافته المنية عن عمر ناهز السبعين عاما..
أما ولداه (مشو وأخوه الأكبر ايبو) لم يستقر بهما العيش معا في مكان واحد , كانا قد افترقا عن بعضهما لأكثر من مرة وخصوصا بعد وفاة والدتهما (يازي) , حينها لم يكن مشو بكابور قد تجاوز الواحد والعشرين من عمره وكان شابا طموحا حالما قد تأثر كثيرا بالأغاني الشعبية والقصص الاجتماعية حيث عصفت به اڵامال أن يكون اسمه علی كل لسان في المنطقة , ولمَ لا.. وهو يمتلك صوتا جميلا وذكاء حادا وموهبة كبيرة.
ركز مشو جلّ اهتمامه بقصة (جبلی وبنفش) كباكورة لأعماله , وهي قصة اجتماعية من التراث الكردي تحكي عن الحب وعشق الطبيعة , وراح يربط بين أحداثها ومجرياتها بالشعر والنثر وانطلق بها يغني بإحساس المتلهف المبدع بصوت شجي ونغم حزين , فلاقت هذه القصة نجاحا باهرا لدی أوساط الناس , مما عززت لديه الثقة بالنفس والشعور بالمتعة.
وحينها لم يتردد (مشو) أن ينطلق بعد ذلك إلی عدد من الأغاني الأخری التي شكلت لديه رصيدا من القصص الغنائية الممتعة المستمدة من حياة الشعب الكردي ومآثره الاجتماعية , يؤديها بأسلوبه الأخاذ وبألحانه المتميزة.. فاتسعت شهرته لتجتاح أمواج صوته العذب سهول (دشتا سورجی) الخضراء وتردد صداها تلال كوبانی وجبال كرداغ.
.. وباندلاع الحرب العالمية الأولی في العام 1914م , وفي ظل الأحلاف والتكتلات الدولية , وما تلتها من عمليات التعبئة والاستعدادات لمجابهة أتون الحرب هذه - وفي أوج انتشار البطالة وتفشي البؤس والمجاعة في تركيا – سُيق (مشو بكابور برازي) من قبل السلطات التركية ضمن قافلة ضمّت المئات من شباب وكهول الشعب الكّردي إلی العراق مرغمين , لزجهم في الحرب الدائرة هناك دفاعا عن مصالحها.
وهناك.. في معركة الكوت والعمارة أصيب مشو بطلق ناري غير مميت في خاصرته اليمنی , وبقي في ارض المعركة دون إسعاف , حيث تمكن من الفرار ليلا متخفيا ومختفيا عن أنظار القوات التركية.. ذلك لعدم قناعته بالدفاع عن العثمانيين من ناحية , وعبثية هذه الحرب التي ليس للكرد فيها ناقة أو جمل , بل الانكی حين تم تقسيمهم حسب مؤامرة سايكس-بيكو المشؤومة.. وحينها سُجّل اسمه في عداد المفقودين.
كان يختبأ نهارا ويسر ليلا حتی وصل إلی قرية (عثمانك) , بقی متواريا عن الأنظار فترة من الزمن , يتردد خلالها بحذر إلی قرية (سويرك) القريبة من بلدة (رها) , وبعض قری (دشتا سروجي) , فلقي رعاية كريمة من (غالب بيك) رئيس عشيرة (بيزان) البرازية في تركيا , الذي قدم له كل المساعدة الممكنة للحيولة دون إلقاء القبض عليه من قبل السلطات التركية , وتقديمه إلی المحاكمة بجرم الفرار.
وباندلاع الثورة الكردية التي تزعمها الشيخ سعيد البيراني عام 1925م - لتحرير الأرض والشعب في تركيا الكمالية - والتي أخمدت بوحشية لا مثيل لها , وتدلت من خلالها أجساد المناضلين الكرد مع زعيمهم البيراني علی حبال المشانق في عاصمة الكرد (آمد = دياربكر) , واتسعت دائرة العنف والتنكيل وحملات الاعتقالات العشوائية التي طالت مختلف أطياف الشعب الكردي في أنحاء تركيا ترهيبا واضطهادا.
فان هذه الأحداث الرهيبة قد ألقت بظلالها الثقيلة علی المشاعر الوطنية (لمشو بكابور برازي) , فتولد لديه الإحساس بالخسارة علی الشهداء , وامتلأ قلبه حقدا وغضبا علی هؤلاء المعتدين من جراء الممارسات اللاانسانية بحق الشعب الكردي والتنكيل بهم , فانطلق يشفي غليله مع بعض رفاقه الشجعان , بمقاومات فردية وجماعية هنا وهناك , والی إلحاق أضرار بالمعتدين في مواقع عديدة , ردا طبيعيا علی الممارسات الشمولية الكمالية , نذكر منها علی سبيل المثال لا الحصر.
- قيامه في سحر الليل مع عدد من رفقائه الملاحقين بالاستيلاء علی العربة الخلفية من (فاركًَونات) الشحن لقطار الشرق السريع في محطة (كوباني) , التي كانت مليئة بالتجهيزات والبطانيات والألبسة الخاصة بالجنود , بعد أن قاموا بفصلها عن القطار الذي كان معدا للانطلاق إلی بغداد , حيث تم دفعها من قبلهم علی السكة الحديدية بعيدا عن المحطة واحرقوا محتوياتها - بعد حصولهم علی ما يحتاجون منها.
- محاولته اغتيال والي متصرف (رها) ليلا , عندما كان يسير موكبه في طريق عودته من (عينتاب) , بعربة (حنتور) تجرها أربعة أحصنة , وفي هذا السياق يقول (مشو بكابور برازي) : انه كان قد عَلم هو واثنان من رفاقه بعودة الوالي من (عينتاب) إلی (رها) , فنصبوا له كمينا علی الطريق , وأثناء المداهمة , وتبادل إطلاق النار تمكن من الصعود إلی العربة , فأطلق علی الوالي عدة عيارات نارية محاولا اغتياله , لكنه سقط علی الأرض أثناء حرد الأحصنة ودوران العربة حول نفسها , حينئذ أطلق عليه الوالي عدة عيارات نارية وهو ملقی أمامه علی الأرض.. وبدا إطلاق النار بين الطرفين بشكل عشوائي وبكثافة كبيرة.. وفي عتمة الليل المظلم تمكن مشو ورفاقه من الهرب دون أن يصابوا بأذی.
وفي اليوم التالي تكثفت الدوريات الجندرما بحثا عنهم , وبمساعدة بعض المتعاونين معهم من الأهالي تم إلقاء القبض علی مشو بكابور , وسيق إلی سجن (رها) , وبقي هناك في معتقلة عدة اشهر ولم يتمكن رئيس عشائر البرازية بالمنطقة من إخلاء سبيله , حيث صدر بحقه حكما بالإعدام.
وأثناء تنفيذ الحكم , حشدت السلطات التركية الكثير من الأهالي لمشاهدة عملية إعدامه , لتكون عبرة لكل من يتجرا بالاعتداء علی السلطة , والخروج عن قانونها.
كان الوالي رجلا مسنا , حاجا , دّينا , من سكان (رها) , فلما صدر هذا الحكم الجائر استيقظ فيه الضمير , , لاسيما أن الحادثة كانت قد مرت بسلام دون أن يصاب احد بأذی , فاعتبر نفسه قاتلا عن عمد إذا نفذ الحكم, وكان قلقا من هذا الهاجس فلا ينام من خشية الله.
وفي يوم تنفيذ الحكم , سُيق (مشو بكابور) إلی حبل المشنقة في ساحة عامة وهو معصب العينين , حينئذ.. اندفع الوالي إلی الإمام , ووقف أمام جموع الناس قائلا: أيها الناس إن هذا الرجل (مشو بكابور برازي) الذي ترونه أمامكم , هو اڵان علی قاب قوسين أو أدنی من الموت , كان قد أطلق علي عدة عيارات نارية نجوت منها.. ولم أمت , كما إنني أطلقت عليه وهو مرمی أمامي علی الأرض سبع رصاصات قاتلة نجا منها بأعجوبة.. ولم يمت , فكانت هذه مشيئة الله أن أبقی وإياه أحياء حتی هذه اللحظة من تلك الواقعة , لان اڵاجال بيد الله وبأمره دون سواه , لذلك فإنني اسقط حقي الشخصي عن هذا الرجل , ولا أريد أن أكون جهارا سببا في إنهاء حياته..
عندئذ: تعالت التكبيرات وزغاريد النساء من الجموع المحتشدة مهللين لهذا الموقف النبيل , ويذكر ان ولاة العثمانيين آنذاك كانوا يتمتعون بصلاحيات واسعة بما فيها العفو عن جرائم الإعدام , وأعيد مشو بكابور إلی سجن (رها) , حيث أفرج عنه بعد ذلك بكفالة غالب بيك رئيس عشيرة (بيزان)..
وبعد مدة لم تدم طويلا عاد مشو إلی مسرح الأحداث , فأغار علی العديد من نقاط المراقبة والمخافر ودوريات (الجندرما) التركية في المواقع القريبة علی الحدود السورية التركية وغيرها كثير.
وفي غمرة هذه الأحداث تكثفت دوريات التحري والبحث عن (مشو بكابور) لاعتقاله من جديد , فاضطر حينئذ إلی ترك أراضيه وممتلكاته في قرية (عثمانك) و(رها) , واللجوء مع أخيه الأكبر (ايبو بكابور) جنوبا إلی بلدة (كوباني) السورية , واستقر فيها.
وهناك لم يهدا له بال – لأنه لم يعد يطال العدو يدا بيد - , فسرعان ما ارتجل عددا من القصائد الشعرية الوطنية التي كانت تلهج بها وجدانه رافعا صوته , والتي احتوت جميعها علی مضامين محزنة عن مآسي وآلام الشعب الكردي , يحثهم فيها علی التمسك بالأرض والجذور , وهذا ما أثار حفيظة الترك غضبا , فأصدروا بحقه حكما غيابيا بالقبض عليه وإعدامه شنقا حتی الموت مرة أخری.. لإسكات صوته وكتم مشاعره , وترهيب الكرد.
بقي (مشو بكابور برازي) يعيش في سوريا لا يغادرها , يعمل فلاحا في الزراعة ويمارس هوايته في تنظيم القصص الغنائية التراثية والقصائد الشعرية بشكل مرتجل.. إلی أن توفي عام 1956م في بلدة (كوباني محافظة حلب) عن عمر ناهز السابعة والسبعين عاما[1]