إعداد/ آرين شنكالي
الديانة الإيزيدية من أقدم الديانات التوحيدية، مع ذلك فأن الكثيرين ما زالوا يجهلون ماهية هذه الديانة وأسسها ومقوماتها والجوانب الهامة من أركانها، وإن كانت لا تختلف كثيراً عن الديانات التوحيدية الأخرى، لكن الأبرز والمميز فيها إنها تمجد الطبيعة البكر وتدعو للحفاظ عليها، وتحض على السلم المجتمعي والداخلي، والإيمان بالقضاء والقدر، والخير والشر الذي يعم العالم.
ويعد الصوم في الديانة الإيزيدية من أهم طقوس العبادة والتقرب إلى الخالق، وهو كما في باقي الأديان لا يُعدُّ امتناعاً عن الطعام والشراب واللذات والشهوات فقط، بل يُعد فرصة للتقرب أكثر إلى الله والتنسك والزهد، واللجوء الى الطبيعة وإيلاء الجانب الروحي الأهمية، لتصفو النفس وتعود لطبيعتها، وهو واجب ديني وأخلاقي قبل أن يكون فرضاً، وإمساك عن الطعام والشراب وامتناع عن أي رد فعل أو تصرف سلبي ينمُّ عن الشر والحقد.
والصوم يكون نوعان نوع يقوم به العامة من الناس يعرف ب “صوم إيزي Êzî”، وصوم للخاصة من رجال الدين واجب عليهم، وسنَّة لمن يرغب به من العامة، ومن ذلك صوم أربعينية الشتاء وأربعينية الصيف.
يصادف “صوم إيزي Êzî” -ويسبقه أيام صيام أخرى-الأيام الثلاثة التي تسبق الجمعة الأولى من شهر كانون الأول في التقويم الشرقي، وبما إن التقويم الشرقي متأخر عن التقويم الغربي ” الغريغوري” فإنه يصادف ما بين 14-20 كانون الأول، ويكون للعامة من رجال ونساء، مع استثناء الحالات الخاصة كالمرضى والأطفال، وفية يمتنع الصائم عن الاكل والشراب والملذات من مشرق الشمس إلى مغربها.
أصل الصوم ومعنى التسمية:
كما طال التحريف والتزوير الكثير من مفاصل التاريخ والثقافة الكردية فإن الدين والميثولوجيا أيضا لم تسلم من التحريف في أصل وغاية الصوم غير إن الرأي الأقرب الذي يقول به الأكثرية إن كلمة صوم تقال بالكردية “روج كرت” بتخفيف الكاف، وتعني الترجمة الحرفية “أمسَكَ الشمس” فالصوم عند الإيزيديين بدأ عندما لاحظوا أن النهار بدأ يقصر والليل بدأ يطول، وتلك الفترة هي فترة الانقلاب الشتوي، وبما أن الإيزيديين كانوا يرون في ذلك أمراً غير طبيعي، وقد يؤدي لسيادة الشر المتمثل بالظلام، ورحيل الخير المتمثل بالنور؛ والذي تهبه الشمس، وعندما بدأت الشمس تنحسر وتغيب عنهم بدأوا يتضرعون إلى الله لكي يوقف انحسار الخير أي الشمس، وصاموا ثلاثة أيام إكراماً وتضرعاً للشمس كي لا تغيب عنهم، فاستمر النهار بالنقصان والليل بالامتداد، فصاموا في الأسبوع التالي تضرعاً لأوليائهم “خودان Xudan” لكي يتدخل ويوقف الشمس عن الانحسار، ولكن الشمس أو النور أو الخير استمر في ذلك الانحسار، وفي الأسبوع الأخير صاموا ثلاثة أيام لوجه الله Êzî” ” تضرعاً، فتوقف انحسار الشمس، واحتفلوا في اليوم الرابع وفرحوا وابتهلوا لله تعالى الذي أوقف أفول الشمس –الخير- النور، ومنذ ذلك الحين وبنفس التوقيت يصوم الإيزيديون، الذين اعتقدوا أنهم أوقفوا الشمس، فقالوا بالكردية “me roji girt” أي أوقفنا أو “أمسكنا الشمس”.
فيما يعيد البعض الآخر السبب إلى الاقتداء بالنبي إبراهيم الخليل وأتباعه، حيث صاموا لوجه الله ثلاثة أيام قبل وضعه في النار، وعندما أصبحت النار برداً وسلاماً عليه في اليوم الرابع، ساد الفرح بينهم وأصبح عيداً لدى الإيزيدية حتى يومنا هذا.
أما طقوس العيد التي تشبه إلى حد بعيد أغلب الأعياد الدينية في الشرق فإنها تكون بنحر الأضاحي في الصباح، والتزين والتبرج والتعطر وارتداء أجمل الألبسة، وإقامة الصلوات الدينية والدعوات والتضرع، ومن أهم الطقوس زيارة الأضرحة والمقابر، وتكون أصناف الحلويات والمكسرات ضيافة وافرة للأطفال بينما تمتد الموائد العامرة في فناء كل منزل مما لذ وطاب، ويكون واجباً على كل الزوار أن يتذوقوا مما أُعِد من طعام في كل بيت يدخلونه، وتَبرَعُ المرأة الإيزيدية في التفنن بأنواع الحلويات وتقديم ألذ ما يمكن من الأصناف، فيما تكون بيوت كبار السن من الأجداد والجدات ملتقى لأفراد العائلة التي تنعم بالحب والسلام وتتمنى الخير الأوفر لأفرادها ولجيرانها والعالم أجمع، ويكون العيد فرصة للمصالحات ونبذ الخلافات وعودة الوئام والسلام.[1]