تأليف: بابلو نيرودا تاريخ النشر: 01/01/1999
رجمة : د. زهير عبد الملك
عن دار نشر اديسة، صدرت ترجمة عربية لديوان «أشعار القبطان» لبابلو نيرودا أنجزها زهير عبد الملك وجاء في التقديم ولد بابلو نيرودا في 12 يوليو (تموز) 1904 في بارال بتشيلي ومنذ صباه الباكر كتب الشعر واصدر أول ديوان له «عشرون قصيدة حب وانشودة بائسة» وهو في العشرين من عمره. وعمل في السلك الدبلوماسي ممثلا لبلاده وتعرف على أبرز شعراء العالم آنذاك وفي مقدمتهم غارسيا لوركا.
بعد الحرب العالمية الثانية نشر عدة قصائد ابرزها «اسبانيا في القلب» و«اغنية حب الى ستالينغراد» واصبح رمزا للشاعر السياسي اليساري المدافع عن قضايا السلم والحرية والديمقراطية انذاك مع عشق لا متناه للحب والسلم والجمال، بحيث عرف ب «شاعر الحب والنضال». وخلال الحرب العالمية الثانية ظل نيرودا مطاردا ومنفيا، ولكنه عاد الى بلاده وانتخب عضوا في مجلس الشيوخ. وكان القى خطابا هاما هاجم فيه السلطة الحاكمة هجوما عنيفا، مما اضطره الى الخروج من تشيلي والعودة الى حياة المنفى ثانية. وفي منفاه نشر نيرودا معظم اعماله الشعرية ومنها «الحب كله» و«الكرامة والريح» و«مذكرات الجزيرة السوداء». وبعد فوز سلفادور الليندي برئاسة الجمهورية في تشيلي عين سفيرا لبلاده في باريس. عام 1971 حاز جائزة نوبل للآداب وعاد الى وطنه وتفرغ لكتابة الشعر وتدوين مذكراته، ولكن الانقلاب العسكري ضد الليندي رفع بنيوشيه الى الحكم، الذي اغرق البلاد في بحر من الدماء ولم يستطع نيرودا ان يحتمل اكثر من هذا الحزن المدمي فتوفي في سبتمبر (ايلول) 1973. كتب نيرودا أشعار القبطان بمنفاه بجزيرة كاري بايطاليا وهو برفقة حبيبته ماتيلدا عام 1952ونشرها في نابلي.
.......................
الإبحار بعيدا عن خيانة النص واغتيال الشاعر
إذا ما كانت الترجمة خيانة على حد تعبير احد النقاد الفرنسيين ، فان ترجمة الشعر تعتبر خيانة عظمى لصعوبة التعامل مع صورها الشعرية بفضائها الموزون والمقدر بقافية تعتبر ضرورية في تركيبة القصيدة لدى العديد من الشعوب التي مازالت تبحث من خلال نقادها ودارسي علم جمالها عن إجابات لأسئلة مطروحة حول الشعر الذي يتعرض للخيانة ، والشاعر لمحاولات اغتيال يومي منذ طرده من جمهورية أفلاطون التي لم تكتمل فضيلتها بعد نفي شعراءها وصلبه بحديث جَعلِه قائلا بما لا يفعل ، وقائدا لمن يغوى ؟.
من الذي يخون النص ويغتال الشعراء ؟
هل هناك ممر آمن مابين ترجمة القصيدة بتطابق المفردة ومن ثم خيانة النص وبين إعادة كتابتها ومن ثم اغتيال الشاعر ؟
هل هناك ممر آمن يوصل المترجم بالشاعر، ويعود محملا بوصايا القصيدة التي لا تنتهي ؟
أسئلة يطرحها مترجمو الشعر ومنهم الشاعر والسياسي الكوردي المعروف د. زهير عبد الملك الذي أبحر مع (أشعار القبطان ) لشاعر الحب والجمال ، لشاعر اليسار والإنسان ( بابلو نيرودا ) ليترجمها إلى العربية في مساهمة جديدة وجادة لآغناء الفكر والثقافة الإنسانية في المكتبة العربية .
جمع المترجم خزين مفرداته كي يبدأ مشواره ليعود متخما بألم الممرات التي توصله للخيانة أو اغتيال يرفضه لأنه العاشق الإنساني والثائر الذي تخندق في صراع الطبقات و نضالات تاريخه الجبل ، جبلا كوردستانيا لا يعرف التراجع .
يرمي د. زهير عبد الملك بقصائد عشقه الأولى وذكريات القلب وسنوات النضال في قارب قبطان نيرودا وأشعاره ليبدأ رحلة الألم ، فأشرعة الرحلة اصغر من المسافات والبوصلة لا تحدد الاتجاهات والموجة مغلقة لا تحاور تجاورها ، وفي المركب لا يجد غير القبطان وسنوات نيرودا .
يحاور المترجم القبطان في قارب شعره ، يقارب الأحداث ، ويجاور الأسماء مع نيرودا ( بغداد بسانتياغو ، ماتيلدا بالحبيبة الأولى ، اليسار العراقي برفاق سلفادور اليندي ، الجبل الكوردستاني بجبال النحاس ) .
ويكتشف المترجم ملاذا آمنا للحب بعيدا عن الخيانة أو الاغتيال ، فيترجم نيرودا من خلال امتداد المكان وعمق الفضاء لأجواء بغدادية لا يفهمها إلا الشعراء والثوار.
يستعين المترجم بقصائد عشقه وسنوات نضاله ليفهم نيرودا ويعود محملا بوصاياه و ترجمة رائعة لأشعار القبطان الذي كتبه نيرودا عن الحبيبة ماتيلدا والتي اختزلت كل الأشياء وفتحت الأبواب .
هل اكتشف الدكتور زهير عبد الملك ملاذه الآمن من خلال مشترك التجربة والرموز؟ . (.... واظبت أثناء دراستي لأشعار نيرودا على العودة إلى أوراقي الخاصة وأفكاري حول تجربتي الشخصية ، كي أتأمل فيها في ضوء تجربة نيرودا مع حبيبته ماتيلدا ، وكان ذلك عملا مرهقا أتعبني كثيرا ، لكنه أفادني في تقريب فهمي لمنطق نيرودا في إدراك معاني الفرح والحزن ) ص7 .
فعودة المترجم للبحث في الذاكرة من خلال عيون الحبيبة وحدود القصيدة قد فتحت له الأبواب
من كفاحي الصعب أعود
بعينين متعبتين
لأني شهدت أحيانا
عالما لا يتغير
وعندما ألاقيك تصدح السماء ضحكتك باحثة عني
وتفتح كل أبواب الحياة أمامي
إن عودة المترجم لقصائد عشقه لاكتشاف مفهوم الحب عند نيرودا والتأمل في ملامح ماتيلدا كانت مسالة طبيعية وذلك لتطابق مفهوم المترجم والشاعر للمرأة التي كانت التاريخ وما قبلها .
إنها ليست بجسد أو ارض قابلة للاحتلال ، لا من قبل ذكورة الفكر ولا من فكر الذكورة ، لأنها الوطن و تضاريسه ، التاريخ وصيرورته لذا يكتب نيرودا :-
في عينيك بلدان وانهار
في عينيك ،
وطني في عينيك ،
أتجول فيها ،
هما اللتان تضيئان العالم
حيثما امشي ،
حسناء
حسناء ،
نهداك خبز
من قمح الأرض
ومن قمر ذهبي
ولان جغرافية جسدها اكبر من الأنوثة وان تضمنتها
عندما أتطلع إلى شكل
أمريكا على الخارطة
حبيبتي، أنت التي أرى
مرتفعات من النحاس على راسك ،
نهديك ، قمح وثلج
فانه لا يستطيع ضمها أو احتواءها رغم اليد التي خلقت الأشياء
هل ترين هاتين اليدين ؟ اللتين شبرتا
الأرض ، واللتين فصلتا
المعادن والحبوب ،
وصنعتا السلم والحرب
وقوضتا المسافات بين كل
البحار والأنهار ،
كيف تعجزان ،
صغيرتي ، حبة قمح ، وقبرة ،
عن احتضانك مرة واحدة .
فالمرأة التي قاومت أبشع أنواع الاضطهاد الجنسي والاجتماعي بعد سقوط المشاعة الأولى لم تكن رمزا للثورة أو مقياسا للتطور الاجتماعي والتحرر الانساني فحسب، بل كانت وتبقى نبعا للقوة الإنسانية
اضحكي لان ضحكك
ستكون في يدي سيفا ماضيا .
إن امتلاك الوزن الذري للقصيدة ، وقافية صراع الطبقات الذي وحد البشر في خندقين متناقضين ، متضادين ، متلازمين رغم اختلاف اللغات والهويات وضع الشاعر في خندق المضطهدين وان لم يعرف الملامح وتفاصيل المدن
كلا ، لم أتوقف في مسيرتي نحو الحياة ،
نحو السلم ونحو الخبز للجميع ،
رفعتك بين ذراعي
وقيدتك بقبلاتي
والصورة الشعرية والموقف الإنساني لقصائد نيرودا يذكرنا بالمشهد الأبرز في رواية الإخوة الأعداء للروائي المعروف نيكوس كازانتزكي حينما يتساءل القس لحظة لقاءه بالأنصار اليونانيين وهم يحتفلون بانتصار رفاقهم في الصين حول الفكرة التي ألغت الحدود وجعلتهم يفرحون لانتصار بشر لم يلتقوهم
في وطني جبل
في وطني نهر
تعالي معي
الليل يتسلق الجبل
الجوع ينزل إلى النهر
تعالي معي
من هم أولئك الذين يتعذبون ؟
لا اعرفهم ، لكنهم ينادوني
تعالي معي
لا اعرفهم ، لكنهم يخصونني
ويقولون لي :- ( نحن نتعذب )
وأخوة الجوع، ومشترك الألم ، والعمل مع الجماهير تضفي قوة غير مرئية لا يشعر بها إلا المناضلين من اجل الحرية
سارت معي للنصر آلاف
الوجوه التي لا تستطيعين رؤيتها ،
وآلاف الأقدام والصدر التي تزحف معي ،
من إنني لاشيء ، لا وجود لي ،
وإنني طليعة لاغبر بين السائرين معي ن
من إنني لا احمل في داخلي
حياتي الصغيرة وحدها
وإنما حياتهم جميعا
وامضي مطمئنا إلى الأمام
لأني لي ألف عين ،
واضرب الصخرة بقوة
لان لي ألف يد
وصوتي مسموع على سواحل
كل القارات
لأنه صوت
كل الصامتين
كل الذين لا يغنون
ويغنون اليوم بهذا الفم
الذي يقبلك
إن أجواء القمع وأشكال الاضطهاد تعج بالقصيدة النيرودية مع تأكيده على جذرها المتمثل بالطبقي كمحرك رئيسي لأشكال الصراع ومفردات الاستغلال
انهضي ، أنت
انهضي معي ، لنخرج معا
نقارع وجها لوجه
شبكات الشر
ونظاما يوزع الجوع والبؤس .
يتساءل القبطان عن العمل إن وجد العالم مسكونا بالعدم ، ما لعمل ؟ وكيف ؟
يكتشف القبطان الجواب الفوتشيكي وان لم تتأرجح رقبته تحت أعواد المشنقة الفاشية
لو فجأة كنت غير موجودة ،
لو فجأة كنت بلا حياة ،
سأواصل حياتي ،
لااجرؤ
لااجرؤ على الكتابة
لو مت .
سأواصل حياتي ،
كي يرتفع صوتي
حيث لاصوت لإنسان ما .
وحيث يضربون السود بالعصي ،
لااستطيع أن أكون ميتا .
وحيث يزجون إخوتي في السجون ،
سأذهب معهم .
وعندما تحين
ساعة النصر ،
لا اعني انتصاري ،
بل ساعة النصر العظيم ،
سأتكلم وان كنت اخرسا ،
واراه مقبلا حتى لو كنت أعمى .
وإذا ما كانت نهاية مجموعة نيرودا ( أشعار القبطان ) برسالة تؤشر لبدايات جديدة لمجتمع أكثر إنسانية
هكذا تنتهي الرسالة دونما حزن
قدماي ثابتتان فوق الأرض
ويدي تكتب هذه الرسالة على الطريق
وفي خضم الحياة سأكون
دائما
إلى جانب صديق ، نواجه الأعداء
وعلى شفتيّ اسمك
وقبلة
لن تفرق قبلتك .
فان البداية لن تكون إلا بمجاورة رفيق يجاور رفيقا وفكرة تحاور فكرةً وشفة تلامس شفة تولد من خلال مفردات الحب والإنسان .
أشعار القبطان
المؤلف : بابلو نيرودا
ترجمة : د. زهير عبد الملك