العلاقات الآشورية - الميتانية (1)
مهدي كاكه يي
الحوار المتمدن-العدد: 6054 - 2018-11-14 - 20:37
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
آشور تحت الحُكم الميتاني
عندما كان الملِك الميتاني (باراتارنا Barattarna) أو قد يكون إسمه (پارشاتاتار Parshatatar) في الحُكم، عيّن ملوكاً لعدد من ممالك المدن، كانوا تابعين لمملكة ميتاني، وهذا العمل قام بتسهيل الأمر لإبنه (شاوشتاتار Shaushtatar) الذي خلّفه في الحُكم، ليجعل من مملكة ميتاني مملكةً قويةً في میزوپوتامیا، حيث أنه في حوالي سنة 1500 قبل الميلاد، قام الميتانيون بقيادته بِتحرير بلادهم، سوبارتو من حُكم السلالة الأمورية(1-2-3).
لذلك خلال فترة حُكم الملِك (شاوشتاتار)، أصبحت مملكة ميتاني في أوج عظمتها وقوتها وكانت الأوضاع الداخلية فيها مستقرة، مما دفعتْ مملكة ميتاني الى التفكير بِدرء الخطر الآشوري من خلال إخضاع آشور لِحُكمها، حيث كانت آنذاك علاقاتها جيدة مع مصر، التي مكّنتها في تحييد مصر في صراعها مع آشور(a).
قام الميتانيون بِبسط سيطرتهم على المناطق الشرقية وإتّجهوا نحو بلاد آشور الواقعة شرقي نهر دجلة حتى جبال زاگروس ومنطقة أرابخا. قاد الإمتداد الميتاني الى نشوب حربٍ شرِسة بين الدولة الميتانية والدولة الآشورية والتي تمخضت عنها إخضاع آشور للحُكم الميتاني في حوالي سنة 1500 قبل الميلاد. أصبحت بلاد آشور جزءً من الإمبراطورية الميتانية لحوالي 150 سنة (سنة 1500 – 1350 قبل الميلاد). سمِح الميتانيون لِآشور أن تحتفظ بنظامها الملِكي خلال فترة تبعيتها للإمبراطورية الميتانية(4-5-6).
في عهد الملِك الآشوري (نور- إيلي Nur-ili) (1466 – 1454 قبل الميلاد)، قام الملك الميتاني (شاوشتاتار) بِنقل الأبواب الفضية و الذهبية للقصر الملِكي الآشوري من آشور الى العاصمة الميتانية (واشوكاني Washshukanni). تم الحصول على هذه المعلومات من وثيقة هيتية (حيثّية) تتضمن معاهدة تم إبرامها بين الملك الهيتي (سوپيليليوما Suppililiuma) والملك الميتاني (شاشاتيوازا Shattiwaza).
بعد أن أصبحت آشور تابعةً لِمملكة ميتاني، كان من المفروض أنْ تدفع مملكة آشور جزية لمملكة ميتاني خلال فترة تبعيتها لمملكة ميتاني التي إستمرت الى فترة تولّي حُكم الملك الآشوري (آشور أوبلليت الأول Ashur-uballit I) (1354 - 1318 قبل الميلاد)، إلّا أنه لا توجد أي إشارة لدفع الجزية للميتانيين في سجلات ملوك الآشوريين، لذلك فأنّه من المُرجّح أنّ آشور كان يحكمها ملوك محليون تابعون للملوك الميتانيين، إذ يتضح ذلك من أسماء كبار موظفي الإدارة فيها، الذين كانوا يحملون أسماءاً خورية. خلال فترة تبعية آشور للميتانيين، تم بناء معبد (Sin) و (Shamash) في آشور.
من جهته، يقول (جورج رو) بأنّه تتوفر براهين كافية لأن تحملنا على الإعتقاد بأنّ كافة ملوك آشور الذين حكموا بين أعوام 1500 – 1360 قبل الميلاد، كانوا خاضعين بالفعل لنفوذ المملكة الميتانية(b) ، حيث يذكر الملِك الميتاني (شاوشتاتار) بأنه غزا آشور عندما تجرّأ أحد ملوكها على إعلان عصيانه وأنّه نقل من آشور باباً مصنوعاً من الذهب والفضة، إلى عاصمته واشوكاني(7).
كما أنّ المؤرخ المصري محمد بيومي مهران، في حديثه عن خضوع آشور للحُكم الميتاني، يقول أنّ بلاد آشور كانت من المناطق التي وقعت تحت نفوذ الميتانيين وسيطرتهم المباشرة، ومع ذلك ضمّت قائمة الملوك الآشوريين أسماء عدد من الملوك الذين حكموا في بلاد آشور في فترة السيطرة الميتانية، وقد يكون هؤلاء الملوك ملوكاً محليين تابعين للملوك الميتانيين(6).
مما سبق يظهر أنّه في الفترة الواقعة بين سنة 1500 - 1350 قبل الميلاد، كان الأشوريون يحكمون آشور إسميا، لأنه كان يتم حُكمهم فعلياً من قِبل الملوك الميتايين، حيث أن الملوك الآشوريين التالية أسماؤهم كانوا تابعين لِملوك مملكة ميتاني خلال الفترة المذكورة:
بوزور - آشور الثالث (1502 - 1479 ق.م)
إنليل - ناسير الأول (1479 – 1466 ق.م)
نور- إيلي (1466 – 1454 ق.م)
آشور - شادوني (1454 - 1454)
آشور - رابي الأول (1454 – 1435 ق.م)
آشور- نادين- اههئ الأول (1435 – 1421 ق.م)
إنليل - ناسير الثاني (1421 – 1415 ق.م)
آشور - نيراري الثاني (1415 – 1408 ق.م)
آشور - بل- نيشئشو (1408 – 1399 ق.م)
آشور - ريم - نيشئشو (1399 – 1391 ق.م)
آشور - نادين- اههئ الثاني (1391 – 1381 ق.م)
إريبا - أداد الأول (1381 – 1354 ق.م)
هكذا مع بداية العصر الآشوري الوسيط في الفترة ما بين 1500 1350 قبل الميلاد، إتسعت مملكة ميتاني وتعاظمت نفوذها، حيث إمتدت مملكة ميتاني من بحيرة (وان) شمالاً الى أواسط میزوپوتامیا جنوباً ومن جبال زاگروس وبحيرة (أورمية) شرقاً الى البحر الأبيض المتوسط غرباً، فكانت تضمّ مملكة ميتاني سوريا الحالية أيضاً ووصلت نفوذها الى فلسطين(8-9-10).
كما أنّ أسلاف الكورد الميتانيين - الخوريين والكاشيين حكموا مصرلمدة 150 عاماً مع الهكسوس (سنة 1625 -1519 قبل الميلاد)، حيث أنّ هناك قرابة إثنية بين هذه الشعوب الثلاث، فأنهم إنطلقوا من فلسطين الى هناك(11).
المصادر
1. عامر حنا فتوحي. الكلديون / الكَلدان منذ بدء الزمان 5300 ق. م - الآن. الطبعة الثانية، 2004، صفحة 105.
2. جرنوت فلهلم. الحوريون تأريخهم وحضارتهم. ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 35.
3. وليام لانجر. موسوعة تاريخ العالم، الجزء الأول، 1959، صفحة62.
4. جرنوت فلهلم. الحوريون تأريخهم وحضارتهم. ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 62.
5. الدكتور جمال رشيد أحمد. ظهور الكورد في التاريخ. دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، كوردستان، الطبعة الأولى، 2003، صفحة 251,
6. الدكتور محمد بيومي مهران. تاريخ العراق القديم. الاسكندرية، 1990، صفحة 343-344.
7. توفيق سليمان. دراسات في حضارات غرب آسية القديمة. صفحة313 ، 319.
8. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 489.
9. جورج رو. العراق القديم. ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، 1986، صفحة 129.
10. عامر سليمان. العراق في التاريخ القديم. الموصل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1992، صفحة 131.
11. الدكتور سمير أديب. تاريخ وحضارات مصر القديمة. 1997، صفحة 143.
a. Bryce, Trevor (2003). Letters of the Great Kings of the Ancient Near East.
b. Georges Roux. Ancient Iraq. Third edition, 1992, page 256.[1]