صلاح بدرالدين
مايغفله الكثيرون من المهتمين بالشأن الثقافي للكرد السوريين حقيقة ان السياسي، والثقافي مترابطان، متكاملان، لاينفصمان، والتأثير متبادل، ففي حين الثقافة السياسية موروثة منذ عقود، وقرون، الا ان للسياسة الثقافية الدور الأبرز في التجديد، وتطوير المسار الثقافي، وهي نابعة من نخب الشعوب، وادارتها من ترتيب السلطات الحاكمة الدكتاتورية منها، والديموقراطية، وفي الحالة #الكرد#ية المشخصة في الوضع السوري الراهن تقوم سلطة الامر الواقع لحزب – ب ي د – وملحقاته، والأحزاب الأخرى خارج السلطة ( ولو بشكل جزئي غير مباشر )، برسم وفرض السياسة الثقافية، والخطاب السياسي، وتتحمل المسؤولية الكاملة في جميع المآلات، والنتائج المترتبة على الحاق الضرر بكل ماهو ثقافي في المشهد الكردي العام .
الثقافي في ظل ذوبان الشخصية السياسية المستقلة
أحد أسباب أزمة #الحركة الكردية# السورية، بل أهمها، واخطرها هو التبعية السياسية لمصادر أخرى، والتخلي، او الاهمال المقصود عن وللمورث السياسي لتراكمات نضال الكرد السوريين أقله منذ حركة – خويبون – قبل اكثر من قرن، ومااعقبتها من تطورات نوعية في مجال استمرارية النضال القومي، والوطني، وإقامة الجمعيات، وحركات المجتمع المدني، وتشكيل التنظيم الحزبي الأول، وتجربة الاتحاد الشعبي في إعادة تعريف الشعب، والقضية، والحقوق، وترسيخ التحالفات الوطنية والكردستانية، والاممية، واحياء الثقافة الكردية، وتنشيط عملية التاليف والترجمة والطبع والنشر، ودمج الثقافة بالسياسة بأجلى وابهى صورها، واستنباط خطاب سياسي – ثقافي موزون، وعميق : ( القضية الكردية جزء من النضال الوطي الديموقراطي في سوريا – حل القضية الكردية على مبدأ حق تقرير المصير في اطار سوريا تعددية تشاركية موحدة – احياء الثقافة الكردية، والتصالح بين الثقافي والسياسي - تحريم التبعية لانظمة الدول الغاصبة لكردستان – علاقات التعاون والتنسيق مع العمق الكردستاني وعدم التدخل بشؤون البعض الاخر .
بعد اكثر من نصف قرن، وتحديدا منذ اندلاع الثورة السورية المغدورة، وبعد توافد مسلحي – ب ك ك -، وسيطرة ب ي د على مقاليد سلطة الامر الواقع، وبعد تبادل الأدوار بين أحزاب طرفي الاستقطاب، واجهت الثقافة السياسية تراجعا خطيرا، وتبدلت تسمية كردستان السورية الى ( شمال شرق سوريا او روزئافا )، وطالت الهجرة والتهجير اكثر من نصف السكان وجلهم من المنتجين في مجالات العمل اليدوي والفكري والابداع الثقافي ، وتحولت قضية كرد سوريا الى مجرد نزاعات بين المحاور الكردستانية، أو قضية مواجهة مع تركيا وليس النظام السوري، وذابت الشخصية القومية لكرد سوريا، ولم تعد للثقافة أية قيمة، بل الحق الثقافي بالسياسي عنوة اما بالعنف او بالترغيب المالي على ضوء تردي الوضع المعيشي، واصبح الخطاب السياسي الوحيد الدارج هو المماحكات الحزبية، والاتهامات المتبادلة، والتخوين .
اين موقع الثقافي في المشهد السياسي المتردي الراهن ؟
لم يكن المتعاطون مع الشأن الثقافي ( ولاأقول المثقفون ) في الحالة الكردية في أحسن أحوالهم، بل لم يكونوا محصنين من التأثيرات الحزبية السياسية، فانجرفوا بغالبيتهم مع الخطاب السياسي الغالب، حيث كانوا الضحية الأولى لعملية ذوبان الشخصية الكردية السورية في المجال السياسي التي طالت الشخصية الثقافية أيضا، وبدلا من الصمود امام التدهور الحاصل، ولملمة الجراح، والاستنجاد بالسلف الثقافي الكردي السوري وهو مصدر الاعتزاز، وعنوان الاصالة، من الموروث البدرخاني الأكثر غنى على الصعيد الكردستاني، والاعمال الأدبية، والشعرية، والغنائية، واللغوية لجيلين من المبدعين من جكرخوين، واوصمان صبري، ونوري ديرسملي، وقدري جان، ورشيد كرد، وحسن هوشيار، وجميل هورو، وبافي صلاح، وسليم بركات، والعشرات من الأسماء الأخرى اللامعة منهم من رحلوا عنا ومنهم من مازالوا بيننا، نعم للأسف أقول بدلا من الاهتداء بالسلف المعطاء، اقتدوا بالسياسي الحزبي بالانقطاع عن الجذور والتبعية والاستسلام، اما بالطاعة العمياء لصاحب القرار السائد أو التعويض عن النقص عبر التوجه نحو الخارج،، والانقطاع عن الجذور .
ليس عيبا التفاعل مع النشاطات الثقافية في الجوار الكردستاني ان كانت في ديار بكر، او أربيل، او السليمانية، او دهوك، او مهاباد، لان لغتنا واحدة رغم تعدد اللهجات، ولكن العيب كل العيب في اعتبار مايحصل بالجوار هو القدر المحتوم، او مقياس الثقافة القومية، او مصدر حسن السلوك الثقافي، او ختما للاهلية، والابداع لاينعم به الا من حضر الفعاليات، صحيح نحن شعب واحد في الأجزاء الأربعة، ولنا لغة موحدة، ولكن لدينا خصوصيات ثقافية، واجتماعية، كما الخصوصية السياسية، ولدينا أيضا تأثيرات متنوعة من المحيط الوطني، فالمهتمون بالشان الثقافي من الكرد السوريين اكثر تأثرا بالمشهد الثقافي السوري، وكذلك الامر في أجزاء كردستان الأخرى حيال البعد الوطني العراقي، والإيراني، والتركي، والامر الآخر فان المسار الثقافي محكوم بشروط وعوائق في جميع الأجزاء، كما لدى سلطة الامر الواقع لايمكنه الخروج من دائرة أصحاب القرار .
المهتمون بالشأن الثقافي بكل جزء وفي الدياسبورا من جمعيات، واتحادات، ومراكز، من واجباتهم إقامة فعاليات ثقافية، ودعوة من يشاؤون، وهي ستصب بالنهاية ومع كل المآخذ في المجرى العام للثقافة القومية، وذلك لايعني ان مايصدر عنها يمثل النخبة الكردية في كل مكان، فهناك كيانات باسم الثقافة على سبيل المثال وتماما مثل حالة الأحزاب يقودها شخص فرد منذ عقود، ولايتبدل، فهل يمكن التعويل على مثل هؤلاء بان يمارسوا الديموقراطية، والتشاور الجماعي في مسألة حسن اختيار المحاور الثقافية، او في توجيه الدعوات خلال عقد المهرجانات ؟ .
لقد تابعت مداخلات عدد من المهتمين بالشان الثقافي من الكرد السوريين بخصوص ( مهرجان دهوك الثقافي ) وبالرغم من ان غالبية هؤلاء من الأصدقاء، والاحبة، الا انني تالمت حقا من طريقة تناول بعضهم للموضوع، التي لم تحمل أي تقييم نقدي مستقل، او تحليل لابحاث ودراسات قدمت بالمهرجان ( هذا في حال توفرها ! ) بل كانت عبارة عن ردود فعل في اطار ( الشخصنة ) على دعوة فلان، او عدم دعوة علان، لم تخرج من اطار المجاملات، والتحابي، البعض منها الى درجة الرياء، كما لاحظت مااصاب البعض من احباط لان أسماءهم لم تكن في قائمة المدعوين .
مهلا ياسادة فمهرجان دهوك الثقافي لن يكون نهاية الدنيا، وخاتمة النشاطات الثقافية، ولن يكون النموذج الأمثل اعدادا، وتنظيما، ودعوات، ولن يكون الغائبون عنه ( لاي سبب كان ) اقل ثقافة، وعلما، ومعرفة من الذين دعوا اليه، وعندما تحل ازمة حركتنا، ويعود السياسي الى التصالح مع الثقافي فهو بحد ذاته اكبر واعظم المهرجانات في حياتنا الثقافية .
وفي الختام أقول للجميع من متابعي الشأن الثقافي من الكرد السوريين : لن يكون لكم ولا للسياسيين اية قيمة لدى القريب والبعيد مادامت حركتنا السياسية مفككة، ومنقسمة، تتحكم بها أحزاب طرفي الاستقطاب، فماعلينا جميعا الا التعاضد من اجل إعادة بناء الحركة الكردية السورية، وإعادة الاعتبار لشخصية الكرد السوريين القومية، والوطنية المستقلة .
والقضية قد تحتاج الى نقاش [1]