آزاد أحمد علي
ابان الكوارث المدمرة، كالزلزال الذي ضرب مناطق واسعة من كوردستان وتركيا وسوريا، يزداد الحديث عن المسببات والنتائج. كما يتصاعد السجال والنقاش حول أضرار هذا الزلزال الذي يعد من أكبر الزلازل التي حدثت في منطقة سكنية عبر التاريخ المعاصر، ويتفرع الحديث حول موضوعين مهمين.
الأول: حقيقة القدرة على التنبؤ مسبقاً بحدوث الزلازل، وكذلك طبيعة الهزات الارتدادية التي تتبعها. في هذا الجانب يجب التذكير ببعض الحقائق العلمية الجيولوجية والجيوفيزيائية، والتي تتلخص في أن العلم لم يصل بعد إلى الدقة المطلوبة والكافية للتنبؤ بيوم أو ساعة، أو حتى شهر حدوث الزلازل. وليس هنالك القدرة على تحديد مركزها المحتمل. على الرغم من التقدم في حقول أبحاث الجيوتكنيك وجيولوجيا الأعماق، فضلاً عن علوم الاحصاء والاحتمالات، تظل هنالك صعوبة بالغة في معرفة حقيقة سلوكية الفوالق والحركات التكتونية للصفائح الكبرى التي ترتكز عليها قارات الأرض اليابسة. وبالتالي لا يمكن المعرفة والاحاطة بسلوكية أعماق الأرض، وأهمها تلك التي تترجم في النشاط الزلزالي والبراكين.
أما بعد حدوث الزلزال فالهزات الارتدادية تكون مؤكدة، نظراً لعدم استقرار منطقة النشاط الزالزالي حتى يتخامد النشاط الزلزالي وتطلق الطاقة الكامنة في طبقات الأرض، وهذه الهزات تظل أقل شدة من الزلزال الرئيسي.
ثانياً: تحديد المسؤوليات، ويتم عادة إلقاء اللوم على جهات متعددة، فالخراب والدمار وعدد الضحايا الكبير يولد الكثير من العتب واللغط. وفي المحصلة يحق للمجتمعات المتضررة أن تطالب الحكومات والادارات المحلية بالاجابة عن هذه التساؤلات، والتعويض عن الأضرار التي هم غير مسؤولين عنها بشكل مباشر. فهل المسؤولية تقع على جهات محددة أم ستسجل ضد قوى الكارثة الزلزالية الخفية والمجهولة؟!
مسؤولية المهندس والهيئات الهندسية والنقابية
يحق التساؤل فيما اذا كان الخراب نتيجة لقوة الزلزال وعنصر المفاجأة فيه أم ينبغي احالته الى جهات ذات صلة، كالمهندسين والمقاولين والبلديات. وبمعنى أكثر وضوحاً، يمكن التساؤل لماذا لم يتحمل المبنى هذه الهزات؟ على اعتبار أن النظم وقوانين الهندسة الانشائية تحسب هذه الاحتمالية ضمن التصاميم لتحمل صدمة الزلزال. خاصة للمباني التي تقع ضمن المناطق ذات النشاط الزلزالي المتوقع. فمسؤولية السلامة الانشائية للمبنى تقع بشكل حصري على كاهل المهندس الانشائي الدارس للمبنى، خاصة للمنشآت المشيدة من الخرسانة المسلحة (Reinforced Concrete)، التي يجب ان تحسب على أساس امتصاص القوى الناتجة عن الهزة الزلزالية القصوى في المنطقة التي يتم البناء فيها. فكل النظم الإنشائية لها (كودات لحساب) مقاومة الزلازل، وان لم تحسب فهي مسؤولية المهندس الانشائي، وفي حال لم تنفذ فهي مسؤولية المهندس المشرف، الذي لم يطبق المخططات، أو لم ينتبه الى الخلل والنقص في المخططات. وفي المحصلة يجب حصر وتحديد درجة المسؤولية لكل من صاحب المبنى أو المقاول، وقبلهم طاقم المهندسين الدارسين والمشرفين وصولا إلى نقابة المهندسين.
ولفهم مشخص لما ذهبنا اليه، تفصح ظاهرة سلامة وبقاء أحد المباني سليما أمام قوة الزلزال وانهيار مباني أخرى مجاورة له عن الخلل في أنظمة البناء، وتسهل تشخيص أحد أهم أسباب الدمار في هذه الكارثة التي تكمن في عدم التقييد بالنظم والحسابات الانشائية التي تقاوم القوة المدمرة للزالزال. ولن نبالغ ان قلنا أن نصف أسباب الكارثة تنسب الى ثقافة البناء ومجموعات العاملين في قطاع الانشاءات من مهندسين ومقاولين، أما نصفها الاخر فتنسب إلى قوة الزلزال بصفته كارثة محتلمة دوماً.
كلفة هيكل البناء المقاوم للزلازل
السبب الرئيسي لانهيار المباني اثر تعرضها للزلازل هو عدم قدرتها على مقاومة القوى الأفقية الناتجة عن حركة الزلزال والتي تعالج بامتصاصها من قبل العناصر الشاقوية في المبنى وهي الأساسات والأعمدة والجدران القصية. أو عندما لا تكون الجدران والبلاطات مترابطة بشكل كافٍ، اضافة الى الضعف في ربط الأعمدة الخرسانية مع الجسور، فينهار كل طابق على الطابق الذي في اسفله. في المحصلة سبب الانهيار هو ضعف مقاومة مجموع العناصر الانشائية في الهيكل البيتوني أو حتى المعدني. وبسبب تعرضها المفاجئ لقوى القص التي هشمت الأعمدة. وبالتالي يهبط البناء أو يتصدع على أقل تقدير.
ان النظم الانشائية التي يؤخذ فيها بعين الاعتبار مقاومة الزلازل يتم فيها تكبير العناصر الشاقولية في هيكل البناء بحيث تمتص قوى القص الأفقية الهائلة. ومن المفيد ان نذكر أن تقدير كلف تقوية هذه العناصر تظل ضمن حدود بسيطة تقدر بثلاثة بالمئة فقط من كلفة البناء الكلية (3%).
لذلك الدرس الأول والأخير الذي يجب تعلمه من هذه الكارثة، والخيار الذي لا بديل له، هو أن تبادر كل المؤسسات الانشائية والبلديات الى التقيد التام بشروط انشاء المباني على اساس مقاومة اشد الزلازل، حيث تظل الكلفة المالية لتأمين السلامة التامة للمبنى قليلة أمام هول الكارثة والخسارة المعنوية وفقدان الأرواح.[1]