أسلاف الكورد الخوريون يبتكرون أول أبجدية في تاريخ البشرية (1 – 4)
د. مهدي كاكەيي
في مدينة (أوگاريت) التي تقع شمال مدينة اللاذقية بحوالي 12 كيلومتر، تم العثور في سنة 1933 ميلادية، على رُقيم فخاري صغير، طوله 5.5 سنتيمتر وعرضه 1.3 سنتيمتر والموجود حالياً في متحف دمشق الوطني. يحوي هذا الرُقيم (30) ثلاثين حرفاً مسمارياً، التي كانت عبارة عن حروف أبجدية لم يُعرف لها نظير في العالم من قبل، حيث كانت أول إبتكار للأبجدية في تاريخ البشرية والتي تمّ إبتكارها في حوالي سنة 1500 قبل الميلاد. هذا النظام للكتابة الأبجدية المسمارية كان نظام كتابة مسماري سهل التعلم والإستخدام، مقارنةً بالكتابة السومرية والأكادية المقطعية. هذا النظام هو أقدم نظام كتابي أبجدي مسماري في العالم الذي إمتلك نظاماً قواعدياً متكاملاً، وكان يُكتب من اليسار إلى اليمين. كانت الحروف السبعة والعشرون الأولى هي حروف ساكنة و الأحرف الثلاث الباقية هي صوتية، أي حروف علّة. إن إبتكار الأبجدية كان حدثاً هاماً جداً لا يمكن مقارنته بأي حدث آخر في تاريخ الجنس البشري، وهو أعظم من إبتكار الطباعة، إذ أن تحليل الكلام وإرجاعه إلى عناصره الأولية يحتاج إلى عمل فكري عظيم.
كما أنه في سنة (1929) ميلادية، تم اكتشاف حوالي ستين رُقماً طينياً في منزل الكاهن الأكبر، يعود تاريخها الى سنة (1300) قبل الميلاد، كتبها كاتب خوري إسمه (إيلوميلكو)، حيث أنّ توقيعه كان موجوداً على بعض هذه الرُقم. أتاحت هذه الوثائق لعلماء الآثار والتاريخ واللغة التعرّف على نظام كتابة الأبجدية الخورية ومواصفات مهنة وثقافة كاتبها والتعرّف على أدوات الكتابة المستخدمة على الرُقم الفخارية ودرجة المتانة المثالية المطلوبة للصلصال للكتابة عليها.
تؤكد النقوش الكتابية المكتشفة أن الملوك الخوريين وأفراد الأسرة الحاكمة كانوا يتعلمون القراءة والكتابة باللغة الخورية وتشير هذه النقوشات الكتابية الى وجود مدارس لتعليم القراءة والكتابة بِلغاتٍ أخرى كالسومرية والأكادية وكان يتم أيضاً إعداد المترجمين.
كانت الكتابة من أوليات إهتمامات الخوريين وكانت تشغل حيّزاً كبيراً في الحياة المعيشية اليومية وبشكل لافت للنظر، على سبيل المثال، هناك نص خوري تم العثور عليه، والذي هو عبارة عن رسالة توصية وطلب مساعدة لِرجل يعمل كاتباً وهي تُشبه قصيدة على شكل إبتهال ونصها كالآتي:
للقضية التي أستعطفك من أجلها لا تظهر في عظمتك عدم الإهتمام
بهذا التلميذ الفتي الجالس أمامك
لا تظهر عدم الإهتمام في فن الكتابة
أي سر إكشف له العدّ المحاسبة
أي حل إكشف له الكتابة السرية
إكشفْ له القصب المبرئ والجلد الدهن والفخار
أعطِ ذلك لهذا التلميذ الفتى أذناً من كل ما يتصل بفن الكتابة
لا تهمل شيئاً!
دلالة أخرى على إهتمام الخوريين بالعلم والكتابة، هي أن التعليم كان يتم في المكتبات و في قاعات مخصصة، لذلك فأنّ معظم الوثائق ذات الطابع المدرسي قد وجدِت في تلك القاعات. كما أنه تم العثور على عدة أقلام كانت تُستخدَم لحفر الإشارات المسمارية فوق فخار الرُقم، وعُثِر على تمرين مدرسي يتضمن أربعة حروف تفصل بينها خطوط صغيرة عمودية التي قد يكون تدريباً للتلاميذ على تركيب كلمة وهناك إكتشافات كثيرة أخرى تُظهِر جهود الكتبة والتعليم التي كانت يتم تقديمها للتلاميذ. كما أنّ معظم النصوص التي كُتبت بهذه اللغة هي نصوص إقتصادية وأدبية. تُدرس الكتابة الخورية حالياً في أكثر من 40 جامعة من جامعات العالم.[1]