=KTML_Bold=النزعة العروبيّة والكرديّة العراقيّة في العصر الحديث=KTML_End=
د. علي أبو الخير
=KTML_Bold=تمهيد=KTML_End=
العراق دولة غارقة في القِدم، دولة وشعب ذو عراقة وحضارات متعددة، عاشت على أرضه، وانتقلت العروبة في عروق أهله، وعاش الإسلام عصره الذهبي في ظل الخلافة العباسية، ومازالت أسماء الأحياء تُنسب للخلفاء العباسيين في عصرهم الذهبي… المنصور – الرشيد – الأمين – المأمون… إلخ.
فالحديث عن العراق وشعب العراق، يتميّز بالكرم التاريخي السخي، وهو أمر مفروغ منه، ولكن في الجانب الآخر، ولأننا نكتب عن العراق في العصر الحديث، من حيث دوره العروبي وأيضاً الدور الوطني في الداخل العراقي.
إن الحديث عن العراق حديث ذو شجون، ونقصد بالعراق، عراق العصر الحديث منذ بداية تأسيس الهاشمية الملكية عام 1921 حتى اليوم، ونكتب عن العراق حكومات وشعوب، تعيش على أرض دجلة والفرات، والحديث عما يُسمّى عروبة العراق ودور العراق في القضايا العربية والإسلامية، حيث قد نرى ما لا يراه الآخرون، أو ربما أنا مصيب أحتمل في رأيي الخطأ.
ولا يستطيع أي كاتب أن ينجو بنفسه عن الوقوع في فخ النقد من غيره، وتحمّل الهجوم على شخصه، فالعراق شعب مُتعدد الأعراف (عرب أغلبية – كرد – تركمان – آثوريين – مندائيية… ومعهم إيزيديين أو يزيديين … إلخ).
عدم وجود قوة ناعمة عراقيّة
من الأمور اللافتة للنظر هو عدم امتلاك العراق للقوة الناعمة، التي تفرض وجودها في الداخل العراقي ويتأثر بها الجار الخارجي، العربي والإسلامي، تصلح للداخل وتفرض نفسها على الآخر.
إنه لا يمتلك رموزاً تفرض الثقافة العربية أو الإسلامية على غيرها من الشعوب، وتتكون القوى الناعمة من ثقافة متميزة متقدمة متطورة، والثقافة هي الكتب والفنون بمختلف أنواعها (غناء – موسيقى – سينما – مسرح … إلخ)، فمصر على سبيل المثال تمتلك قوى ناعمة متعددة، رغم فقرها المالي، لكنها فرضت نفسها على الشعوب العربية والإسلامية.
فالمدرسة القرآنية المصرية في الترتيل والتلاوة، لا يوجد لها نظير في العالم، وكذلك الأزهر الشريف، وهي قوة ناعمة، فضلاً عن روّاد النهضة في العصر الحديث، مما جعل الدكتور جمال حمدان يصف مصر في كتابه (شخصية مصر… دراسة في عبقرية المكان) إن مصر بخصوصية شعبها تحركت كقوة، حتى وهي ولاية تخضع لدمشق ثم لبغداد ثم لإسطنبول.
وقد استقبلت مصر اللاجئين المضطهدين من الحكم التركي… أرمن – كرد – يونانيين وغيرهم، وكل ذلك حقق لها قوتها الناعمة، وهو مثال مصري نكتبه بدون أي نزعة شوفينية، ولكن هذا ما فرضه الواقع. صحيح يوجد قوة ناعمة مالية نفطية، كما هو الحال في دول الخليج، ولكنها قوة مالية تفتقد فرض رؤية وجهات النظر الثقافية والمعرفية.
وهو أمر يفتقده العراق، لعدة أسباب (من وجهة نظرنا)، فالشعب الذي يعيش في بلاد الرافدين، شعب متعدد الأعراق والأديان، وكان من المفترض أن يكون هذا التنوّع مصدر ثراء، ولكن ما حدث هو العكس، وذلك في العصر الحديث كما ذكرنا، فالعرب الأكثرية ضد غير العرب من كرد وتركمان وغيرهما، والعرب أنفسهم منقسمون ما بين السنة والشيعة.
=KTML_Bold=توتر عراقي معاصر=KTML_End=
لقد عاش العراق في توتر سياسي وشعبي، سواء في العصر الملكي أو العصر الجمهوري، ودخلت الدولة العراقية في صراعات كثيرة، بعضها طائقية وبعضها عرقية، وشيعة العراق أغلبية، ولكنهم يفكرون بعقلية الأقلية، لأنهم عاشوا كأقلية في ظل الدولة العثمانية، وشاركوا في ثورة العشرين.
وكان التوتر الشعبي الحكومي والرسمي العراقي يمنع الدولة من المشاركة الإيجابية في الشأن العربي، وانشغل العراق بالشأن الداخلي، ودخل في حروب دامية مع الكُرد.
العراق والعروبة
لم يشارك العراق بصورة حقيقية وإيجابية، في الصراع مع الدولة الصهيونية، منذ عام 1948، فقد شاركت قوات عراقية رمزية، وعندما طلبت منهم القيادة المصرية الهجوم على الجيش الصهيوني من الشرق ليخفف الضغط، ولكن القيادة المسلحة في فلسطين رفضت وقالت “ماكو أوامر” من بغداد ثم انتهت الحرب بالهزيمة المعروفة.
لم يشارك العراق في باقي الحروب مشاركة عالية حقيقية، فقط سرب طيران هنا أو هناك، وفي حرب عام 1973 وصل الجيش العراقي لسوريا بعد انتهاء الحرب، فلم يلحق بالمشاركة.
أما سلوك العراق العروبي فقد تميّز بالعمل ضد العروبة نفسها، فحاول خلال العصرين الملكي والجمهوري احتلال الكويت، حدث ذلك في عصر الرئيس “عبد الكريم قاسم”، ثم وصل الأمر بعراق صدام حسين أن يحتل الكويت عام 1990 ليمزق أواصر الإخوّة العربية والعروبة كما هو معروف.
كما رأينا فإن الدور العراقي العروبي الرسمي كان سلبياً لدرجة خطيرة، مازال العرب يتمزقون أكثر، ولكن الأمر المربك المحيّر، هو السلوك العربي نفسه تجاه العراق، فالعرب ساعدوا العراق بسخاء في حرب الثمان سنوات العجاف ضد إيران، ثم انقلبوا ضده بعد غزوه واحتلاله للكويت، ثم برروا مذابحه ضد الكرد.
السلوك الحكومي العراقي ضد الكُرد
الحقيقة أن صدام حسين لم يكن أول من قتل الكرد، هو أكثرهم دموية ووحشية، ولكنه كان النقطة الأخيرة في الهجوم العراقي ضد الكرد، وهو سلوك يتنافي مع القيم الوطنية العراقية ومع الشعور الإسلامي وكذلك الإنساني، بصورة وحشية.
فقد دخلت حكومات العراق ثلاث حروب دموية خلال العصر الحديث ضد الكرد، نذكر منها الحرب عام 1961 ثم ازداد الخطر في الحرب الثانية وأُريقت الدماء في العصر البعثي عام 1974 و1975.
ثم تصاعدت الوتيرة الدموية في عصر الرئيس صدام حسين، وما حدث في (حلبجة)، مشهور ومعلوم، ولم نكتب بالتفصيل عن الظلم الحكومي العراقي ضد الكرد، فهي معروفة.
ولا ننسى الاضطهاد البعثي ضد الإيزيديين والشيعة والسنة والآثوريين المعارضين لنظام الحكم البعثي، ومن يريد الاستزادة، فعليه اللجوء لشبكة المعلومات الدولية، الإنترنت.
هدفنا من هذا المقال، هو إيراد الحقائق بصورتها، دون التهويل أو التهوين، لا نغالي في دور العراق العربي، وموقفه الدائم من قضية الكرد… مازال كرد العراق يحلمون بحق تقرير مصيرهم.. مثلهم مثل باقي الكرد في الدول التي يعيشون فيها…
ولا نكرر ما يُقال عن البوابة الشرقية للأمة العربية، ولكن في المقابل لا ننكر الدور العروبي لشعب العراق، الشعب وليس الحكومة، الشعب الكريم المتعدد الأعراق والثقافات، تجمعه أرض واحدة، يعم منها الخير، طالما ظل فيها دجلة والفرات…[1]