(تركيا) ..... الى أين؟ (30) – إستراتيجية النضال التحرري الكوردستاني 1. إيجاد مرجعية سياسية كوردستانية
د. مهدي كاكه يي
إن القضية الكوردستانية هي قضية واحدة لا يمكن تجزئتها، لذلك فأن المواضيع المتعلقة بالشعب الكوردستاني في هذه السلسلة من المقالات، تخاطب المواطنين الكوردستانيين في كل مكان، حيث أنها تخص شعب كوردستان بأجمعه، فأنها تخص شمال كوردستان كما أنها تخص الأجزاء الأخرى من كوردستان، حيث أن الدور الذي تلعبه تركيا في معاداة النضال التحرري الكوردستاني، يؤثر بالدرجة الأولى على النضال التحرري للكوردستانيين الشماليين، إلا أن هذا الدور يؤثر أيضاً و بشكل كبير على النضال الذي يخوضه الكوردستانيون في الأجزاء الأخرى من كوردستان.
تمر منطقة الشرق الأوسط الكبير في الوقت الحاضر بتغييرات كبيرة و إتفاقية سايكس – پيكو الإستعمارية التي تم إبرامها في عام 1916 في طريقها الى الإنهيار و بدأت تلوح في الأفق ملامح خارطة جديدة للمنطقة و التي سيتم رسمها على أسس مبدأ حق شعوب المنطقة في تقرير مصائرها بنفسها دون وصايات أو فرض إرادات أجنبية. لقد قامت كل من بريطانيا و فرنسا بموجب الإتفاقية المذكورة بتقسيم المنطقة بشكل قسري، خدمةً لمصالحهما و خلقتا كيانات سياسية فضفاضة على أنقاض الدولة العثمانية، دون إحترام إرادة شعوب المنطقة و دون مراعاة الخصوصيات القومية و التأريخية و الثقافية و اللغوية لهذه الشعوب، و دون التفكير بإستحالة مزج شعوب متخلفة متنافرة و إجبارها على العيش المشترك ضمن كيانات سياسية مشتركة، و التي نتجت عنها ولادة كيانات سياسية مشوّهة، تعيش في كل منها خليط من شعوب متنافرة لا تربطها ثقافة مشتركة و تأريخ مشترك و لا تجمعها مصالح و أهداف مشتركة و كانت نتائج هذا الجمع القسري كارثية لشعوب المنطقة، حيث تعيش هذه الشعوب منذ ذلك الوقت في حروب و دمار و إراقة بحارٍ من الدماء و العيش في تخلّف في كافة مجالات الحياة و إستنزاف موارد بلدان المنطقة الغنية بمواردها البشرية و الطبيعية.
هكذا رغم مرور أكثر من تسعين عاماً على عقد إتفاقية سايكس – پيكو و التي بموجبها تم حشر شعوب المنطقة في كيانات سياسية مصطنعة دون إرادتها، فأن هذه الشعوب المتنافرة فيما بينها في كل كيان سياسي من الكيانات التي خلقها الإستعمار، لم تستطع خلق شعوب متجانسة و موحدة تجمعها ثقافة و مصالح و أهداف مشتركة و يربطها مصير واحد لتستطيع الإستمرار في العيش المشترك الذي تم فرضه عليها، بل أصبح هذا العيش القسري مصدراً للخلافات و المآسي و الحروب الطائفية و الإثنية و الدينية بين الشعوب و القوميات و الطوائف و الأديان المختلفة التي تم حشرها في هذه الكيانات السياسية المصطنعة و التي أدت بدورها الى فرض حالة التخلف و الجوع و الفقر و المرض و الفساد على هذه الشعوب المسلوبة الإرادة و خلقت أنظمة حُكمٍ دكتاتورية شمولية عنصرية طائفية متخلفة في هذه الكيانات السياسية المصطنعة و التي أرغمت شعوب كل كيان سياسي على العيش المشترك بإستخدام القوة و البطش و الإكراه و الإرهاب و القتل و السجن و التعذيب.
بناءً على ما تقدم، فأن تمتع شعب كوردستان بحقوقه السياسية و الإجتماعية و الثقافية و الإقتصادية من خلال التمتع بالحقوق الثقافية أو الحكم الذاتي أو النظام الفيدرالي في ظل الدول المحتلة لكوردستان، هو أمرٌ مستحيل في الوقت الحاضر و في المستقبل المنظور، حيث ينجح هذا الأمر عندما تتحضر شعوب الدول المحتلة لكوردستان و تصبح هذه الدول دولاً ديمقراطية و هذه العملية تحتاج الى فترة زمنية طويلة جداً، تمتد لأجيالٍ عديدة و التي خلالها ينبغي على شعب كوردستان أن يناضل مع القوى الديمقراطية العربية و التركية و الفارسية و أن وجود مثل هذه القوى تكاد تكون معدومة بين العرب و الأتراك و الفرس في الوقت الحاضر. لذلك يجب النضال من أجل حرية الشعب الكوردستاني و إستقلال كوردستان و وضع مصلحة شعب كوردستان فوق المصالح الشخصية و العائلية و الحزبية و العشائرية و المناطقية و الإبتعاد عن الروح الأنانية و الرغبة الذاتية و تعريف الشعب الكوردستاني بذاته و حضارته و تأريخه و تراثه.
بعد تحرر شعوب المنطقة و إستقلال أوطانها و حصولها على هوياتها و حريتها، بضمنها إستقلال كوردستان و بناء دولتها المستقلة، و إقامة علاقات متكافئة بين شعوب المنطقة و من ثم بعد تحضّر شعوب المنطقة و تقدمها و الذي يستغرق أجيالاً عديدة، حينئذٍ قد تتطلب مصالح شعوب المنطقة الإقتصادية و السياسية و الأمنية أن تبادر دول المنطقة الى بناء إتحاد كونفيدرالي فيما بينها، على غرار الإتحاد الأوربي الذي يخطو خطوات حثيثة لتحويل الإتحاد الإقتصادي الذي يربط دولها الى إتحاد كونفيدرالي.
إيجاد مرجعية سياسية
إن شعب كوردستان يفتقر الى مرجعية سياسية موحدة تقود النضال التحرري الكوردستاني منذ إحتلال كوردستان.، في الوقت الحاضر، فأن شعب كوردستان بحاجة ماسة و مُلحة الى قيادة سياسية جامعة تُمثّل شعب كوردستان بأكمله و تُنهي بذلك حالة التشتت و التجزئة التي تُعاني منها شعب كوردستان و تزرع الوهن في جسده و اليأس في نفوسه، حيث يمر العالم بشكل عام و الشرق الأوسط الكبير بشكل خاص بتطورات و أحداثٍ تأريخية تُطيح بإتفاقية سايكس- پيكو الإستعمارية و تقود الى رسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة التي تُراعى فيها إرادة الشعوب و حقها في تقرير المصير. لذلك على شعب كوردستان أن يبادر فوراً الى إيجاد مرجعية سياسية جامعة لكافة أجزاء كوردستان للنضال الدؤوب في خضم هذه التطورات الكبرى الحاصلة في المنطقة لجعل الشعب الكوردستاني قوة إقليمية متميزة في المنطقة، لا يمكن الإستهانة بها و إستبعادها و إهمالها في المعادلات و التوازنات الإقليمية في المنطقة و في الخارطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط الكبير و بذلك يقوم شعب كوردستان بضمان إستقلال وطنه و التمتع بحريته و القيام بعلاقات متكافئة مع شعوب المنطقة و دول العالم أجمع و يكون حينئذٍ قادراً على المساهمة الفعالة من جديد في بناء صرح الحضارات الإنسانية و تقديم خدماته في تطوير حياة و معيشة الإنسان على كوكبنا الأرضي، كما فعل أسلافه الإيلاميين و السومريين و الميديين و غيرهم.
من أجل إيجاد مرجعية كوردستانية سياسية جامعة، ينبغي أن يتم عقد مؤتمر كوردستاني عام تشترك فيه الأحزاب الكوردستانية و الخبراء و المثقفون و الأكاديميون الوطنيون لتحديد هدف النضال الكوردستاني و إختيار وسائل هذا النضال و طرقه و أدواته لإنجاح النضال الكوردستاني و الوصول الى أهدافه المرسومة.
في الوقت الحاضر هناك مبادرة لإقإمة مؤتمر كوردستاني لجمع شمل كافة الكوردستانيين و من المؤمل أن يكون هدف إنعقاده هو تنظيم البيت الكوردستاني و الدفاع عن حق شعب كوردستان في تقرير مصيره و التمتع بحريته و بناء دولته المستقلة.
أود هنا أن أسجل بعض الملاحظات و المقترحات بصدد المؤتمر المذكور. إسم المؤتمر الذي من المؤمل إنعقاده في شهر تشرين الثاني 2013 هو المؤتمر القومي الكوردي و هذه تسمية خاطئة و خطيرة، حيث أنه يهمل القوميات الكوردستانية غير الكوردية، و أن القضية الكوردستانية لا تخص القومية الكوردية لوحدها، بل تخص كافة القوميات و الطوائف و الأديان الكوردستانية. أقول أن التسمية هي تسمية خطيرة لأنها تعزل الكورد عن الكوردستانيين من غير الكورد و تُمهّد الطريق عملياً لإنتهاج القادة السياسيين الكورد لنفس المسار العنصري للحكومات و التنظيمات العنصرية التركية و العربية و الفارسية و الوقوع في نفس الخطأ بل الجريمة الكبرى التي إقترفتها هذه الحكومات و التنظيمات بحق الشعوب التي هي ليست تركية أو عربية أو فارسية. إن كوردستان هي وطن جميع الكوردستانيين، بغض النظر عن قومياتهم و أديانهم و مذاهبهم و معتقداتهم، لذلك ينبغي إعادة النظر في إسم المؤتمر المزمع إنعقاده و تغيير إسمه الى المؤتمر الوطني الكوردستاني، حيث أن المؤتمر هو مؤتمر الكوردستانيين جميعاً و قراراته تؤثر على حياة الجميع بغض النظر عن القومية و أن كلمة الوطني تعني الأرض و الحدود و الهوية، إنها تعني وطن الكوردستانيين كوردستان، بينما كلمة القومي تعني القومية الكوردية التي قد لا تكون مرتبطة بالأرض و الوطن لأن هناك قوميات كثيرة في العالم ليس لها وطن خاص بها و هكذا فأن كلمة القومي تُلغي كافة القوميات و الأقليات الإثنية في كوردستان. كما أن كلمة الكوردي تعني أيضاً الكورد لوحدهم دون القوميات الكوردستانية الأخرى و في نفس الوقت فأن هذه الكلمة لا تدل و لا تشير الى وجود أرض محددة إسمها كوردستان و التي هي وطن جميع الكوردستانيين.
ينبغي توجيه دعوة لحضور المؤتمر المذكور الى الممثليين الحقيقيين للقوميات الكوردستانية غير الكوردية. كما أنه من الضروري أن تتم دعوة ممثلي أصحاب الديانات غير الإسلامية و الطوائف الإسلامية المختلفة، بحيث يتم تمثيل سكان الأقاليم الكوردستانية و الأحزاب و التنظيمات السياسية و تنظيمات المجتمع المدني و أصحاب الأديان و المذاهب المختلفة و الشباب و النساء و الشخصيات الكوردستانية الوطنية من مفكرين و أكاديميين و ناشطين، تمثيلاً متوازناً.
إن إختيار مدينة أربيل ليكون مكاناً لإنعقاد المؤتمر الوطني الكوردستني له جوانب إيجابية عديدة مثل سهولة وصول المشاركين الى أربيل نتيجة قُربها من مناطق سكن غالبية المشتركين في المؤتمر، حيث أنهم يعيشون في كوردستان و عدم حاجة المدعويين الى الحصول على تأشيرة سفر (ڤيزا) و تحمّل حكومة جنوب كوردستان مصاريف المؤتمر بالإضافة الى إنعقاد المؤتمر على أرض الوطن و بين المواطنين الكوردستانيين الذي له دلالة كبيرة. من ناحية أخرى، فأن إختيار جنوب كوردستان مكاناً لإنعقاد المؤتمر يُعرّض حكومة جنوب كوردستان الى ضغوط دولية و إقليمية و خاصة من قِبل كل من تركيا و إيران، حيث ستؤثر على نتائج و قرارات المؤتمر المذكور و التي لا تكون في مصلحة شعب كوردستان و لا تُلبّي إرادة الكوردستانيين في التحرر و في إستقلال بلادهم. لذلك أقترح أن يتم إنعقاد المؤتمر في دولة أوروبية، بعيداً عن النفوذ التركي و الإيراني و تحديد موعد إنعقاده قبل فترة زمنية مناسبة ليتمكن المدعوون من الحصول على تأشيرة سفر و بالتالي يتم ضمان حضورهم للمؤتمر.
على ذكر مدينة أربيل، يذكر الدكتور زهدي الداوودي في مقال قيّم له بعنوان لمحة عن تطور الكورد منذ أقدم العصور حتى الآن بأن إسم مدينة أربيل هو إسم سومري، حيث أن السومريين (أسلاف الكورد) قاموا ببناء هذه المدينة في حوالي عام 3000 قبل الميلاد، أي قبل ظهور الآشوريين و أن التسمية السومرية لهذه المدينة هي أربيلوم (للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع و حول التأريخ الكوردي القديم، يمكن الإطلاع على المقال المذكور في الرابط الموجود في نهاية هذا المقال). تغيًر الإسم السومري لمدينة أربيل بمرور الوقت من أربيلوم الى أربيل ربما لتسهيل تلفظها. الإسم الكوردي لمدينة أربيل هەولێر هو إسمٌ محوّر لأربيلوم، حيث أنه بمرور الوقت تم تحوير أربيلوم من قِبل الكورد الى هەولێر. كلمة أربيل مؤلفة من كلمتَين سومريتَين هما أر التي تعني الأرض و بيل التي تعني إله و بذلك تعني أربيل أرض الإله باللغة السومرية. لا تزال كلمة أر السومرية باقية في اللغة الكوردية، حيثُ تحولت الى أرد.
إنطلاقاً من مصلحة شعب كوردستان، من الحكمة و الوطنية أن يكون على الأقل نصف المدعويين للمؤتمر الوطني الكوردستاني المزمع عقده في شهر تشرين الثاني 2013، من الوطنيين الكوردستانيين المستقلين الذين لا ينتمون الى التنظيمات الكوردستانية و ذلك لسد الطريق أمام المنافسات و الخلافات و التناحرات الحزبية بين التنظيمات السياسية الكوردستانية. في هذه الحالة سيتم تجاوز النظرة الحزبية الضيقة و الآيديولوجيا و يسود الفكر الوطني الكوردستاني في المؤتمر و يتم كذلك وضع المصلحة الوطنية الكوردستانية فوق المصالح الحزبية و الشخصية.
بعد تأسيس مرجعية سياسية كوردستانية، يمكنها تقديم طلب العضوية الى منظمة الأمم المتحدة لتصبح على الأقل عضوة مراقِبة في المنظمة الدولية الى أن يتم إستقلال كوردستان، حينئذٍ ستتمتع كوردستان بالعضوية الكاملة في المنظمة المذكورة. كما أنه ينبغي أن تقوم المرجعية السياسية الكوردستانية بعد ولادتها بفتح مكاتب و ممثليات في مختلف عواصم و مدن العالم لتعريف شعوب العالم بالشعب الكوردستاني عن طريق إقامة العلاقات مع مختلف حكومات العالم و مختلف المنظمات الدولية و التنظيمات السياسية و المؤسسات الإعلامية في العالم و القيام بمختلف النشاطات السياسية و الثقافية و العلمية و الفنية و الرياضية و إقامة الندوات و المحاضرات و المؤتمرات الصحفية و اللقاءات التلفزيونية و تنظيم الجاليات الكوردستانية في دول العالم و خلق لوبي كوردستاني في هذه الدول للمساهمة في تحقيق تحرر شعب كوردستان من الإحتلال و الإستعمار.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=238569
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]