#علي شمدين#
نشرت رووداو مؤخراً في موقعها مقالاً للكاتب سيامند حاجو، يتناول فيها مضمون وثيقة فرنسية هامة، وجدت في مجلّد عام (1924) في الأرشيف الوطني الفرنسي في مدينة نانت وتحمل الرقم (S-L: C.P 569)، وهي تثبت بأن الكورد في الجزيرة كانوا الأغلبية الساحقة قبل ترسيم الحدود الحالية لمنطقة الجزيرة، والتي جاءت نتيجة لسلسلة متتالية من التفاهمات والإتفاقات بين الطرفين، والتي تمت على إثر إتفاقية سان ريمو (26-04-1920)، تمخض عنها البروتوكول النهائي الذي تمّ توقيعه بين السفير الفرنسي في أنقرة ووزير الخارجية التركي حول الحدود الحالية لمنطقة الجزيرة بتاريخ (22-06-1929).
يقول الناشر بأن الوثيقة تتضمن أسماء (14) عشيرة على طول حدود الجزيرة مع تركيا، منها (11) عشيرة كوردية، و (2) عشيرة عربية، و (1) عشيرة شيشانية، ويقول بأنه وجد في أرشيف الدومينيكان في باريس (Saulchoir) وبرقم الملف IV Djezireh, 45, Dossier 45, Historie de la Haske، إحصائية لعدد أفراد وقرى تسع من العشائر الكوردية الأحدى عشر الواردة اسماؤها في الخرائط والتي بلغت (509 قرية/ 43.355 نسمة)، بالإضافة إلى عدد أفراد وقرى العشيرتين العربيتين والتي بلغت (117 قرية/ 8.630 نسمة)، لكن بيانات العشيرة الشيشانية غير موجودة في هذا الملف، ويقول بأنه ورد تعداد مجموعة أخرى من العشائر الكوردية في وثيقة الدومينيكان، مثل عشيرة (هفيركا)، إلاّ أنه لم يدرج تعدادها في الإحصائيات، بحجة أن عشيرة (هفيركا)، قدمت إلى منطقة الجزيرة مع حاجو عام (1926).
وبالرّغم من ضرورة إرفاق الناشر لصورة عن الوثيقة الأصلية مع مقاله للأمانة التاريخية، إلاّ أن هذه الوثيقة تعد من الوثائق الهامة التي تعكس التركيبة العشائرية في الجزيرة في فترة ماقبل تاريخ توثيق هذه المعلومات والذي صادف عام (1924)، ويشكر الناشر عليها جزيل الشكر، ولكن ما يؤخذ عليه هنا هو تجاهله لتعداد سكان عشيرة (هفيركا)، التي ورد إسمها في الوثيقة بحجة إنها: (قدمت إلى منطقة الجزيرة عام 1926)، وهذا الرأيّ ليس دقيقاً، وخطؤه يكمن في إنه اعتبر قدوم عشيرة (هفيركا)، متلازماً مع قدوم زعيمها (حاجو)، وهذا ليس صحيحاً، إذ من الممكن أن تكون قد جاءت مع حاجو بعض العوائل وخاصة المسيحية منها والإيزيدية التي كانت منضوية تحت لواء تحالفه، ولكن المئات من العوائل الأخرى من عشيرة (هفيركا)، كانت تسكن في الجزيرة قبل ذلك بكثير، وظلت بعد ترسيم الحدود ضمن حدود الدولة السورية الحديثة، ولعل تردد حاجو بحرية وأمان إلى ما تحت الخط لأكثر من مرّة قبل أن يستقر هو ومن معه في منطقة الجراح ، إنما يفسر بأنه كانت هناك حاضنة واسعة من حلفه موجودة في المنطقة قبل مجيئه.
فمثلاً كانت ملكية قرية معشوق وبحسب الوثائق العثمانية تعود لعائلة (كنعو) وهم لايزالون يحتفظون بسند تمليك القرية الموثقة بإسم (عيسى عمر كنعو)، والمؤرخة بتاريخ (1858)، وبعد مجيئه إلى سوريا قام حاجو بانتزاع القرية من ملاكيها بدعم من الإنتداب الفرنسي، ليسلمها لإبنه (أكرم)، إلى أن تم إستيلاء الدولة عليها وتوزيعها فيما بعد على عرب الغمر، وكذلك قرية (كرديم)، التي تعود بملكيتها لعائلة (علي برو) والتي بنتها العائلة بنفسها عام (1910) ، والعائلتان تنتميان لعشيرة (دلممكا)، التي تعتبر من أهم عشائر التحالف الهفيركي، فضلاً عن العوائل الهفيركية الأخرى المنتشرة في قرى المنطقة والتي كانت تعيش في موطنها قبل مجيء حاجو منذ مئات السنين..
حقيقة إن تاريخ مجيء حاجو إلى سوريا عام (1926)، والذي أعقب إنهيار ثورة الشيخ سعيد بيران (1925)، وبغض النظر عن الأسباب والدوافع والأهداف التي قادته للإستقرار في منطقة الجراح، خلق ولايزال الكثير من المتاعب للشعب الكوردي في سوريا، لأن الشوفينيين أخذوه حجة برّروا بها حملاتهم الشنيعة ضد الوجود الكوردي والذي اعتبروه وجوداً طارئاً في الجزيرة، وصاروا يروّجون بإن الكورد مهاجرون من تركيا، وجاؤوا مع مجيء حاجو إلى المنطقة بعد فشل ثورة شيخ سعيد وازدياد الظلم التركي ضدهم.. إلخ، ولكن الحقيقة كما أسلفنا لم تكن كذلك أبداً والوثائق والأدلة تؤكد ذلك، لأن مجيء حاجو شيء، والوجود الكوردي في الجزيرة شيء آخر، فإذا كان مفهوماً بالنسبة لنا جميعاً إصرار الشوفينيين على خلط هذين الموضوعين معاً، فإنه من غير المفهوم أبداً أن ينجّر الأخ سيامند إلى هذه المصيدة مع الأسف الشديد.[1]