ازهر العبيدي
اعتاد الموصليون ممارسة المهن الحرة منذ أمد بعيد عندما كان الجهل وانعدام التعليم يعمّ العراق في الأزمنة القديمة، وبرع عدد كبير منهم في مهنته وطوّر في صناعته حتى غدت تنافس صناعات المدن العراقية الأخرى. وكان لكلّ مهنة في العهد العثماني صنفها الخاص ورئيساً للصنف يدعى (باش)، وكان الصنف يُعدّ بمثابة النقابة التي تنظم أمور المهن وتعاون أصحابها في حلّ مشاكلهم وقضاياهم مع الدولة أو فيما بينهم،
وكثيراً ما كانت هذه النقابات تجمع الأموال من منتسبيها لإعانة أحد المنتسبين الذي خسر في مهنته وتعيده إلى العمل. فكانت التسميات (دلاّل باشي) و(حكيم باشي) و(قصّاب باشي) و(عطّار باشي) و(معمار باشي) و(بقّال باشي) و(حمّال باشي)، و(قيّمجي باشي) التي تعني رئيس مقيمي الذهب في سوق الصاغة، و(جبوقجي باشي) وهو رئيس خدم الجبوق أي التبغ الذي يعدّ للوالي وحاشيته في الغليون، و(سقّا باشي) وهو رئيس صنف سقاة الماء في المدينة.
وحمل الموصليون ألقاب هذه المهن واعتزّوا بها، ونقلوها من الأجداد إلى الأحفاد. وكان ربّ الأسرة يحرص على تعليم أولاده المهنة دون الغرباء، لكي يبقى سرّ المهنة محفوظاً لدى الأسرة ولا تسرقه أو تتعلّمه الأسر الأخرى. وأصبحت هذه الألقاب علامة فارقة لعدد من البضائع عندما كانت الدعاية في وسائل الإعلام معدومة. في حين ابتعدت الأسر التي تعمل في المهن المتواضعة عن حمل لقب المهنة، مثل الزبّال والكنّاس والعربنجي والقوندرجي والمطيرجي.
وامتازت أسماء معظم المهن في العهد العثماني بإلحاق اللفظ (جي) في آخرها، وتعني لفظة الانتساب أو التملك للمهنة مثل: كبابجي وحلاوَجي وجايجي وحمامجي وفيترجي. وهذه المهن لا زالت تمارس في الوقت الحاضر واحتفظت بتسمياتها القديمة، فيما انقرضت مجموعة كبيرة من المهن بسبب انتفاء الحاجة لها أو حلول مهنة حديثة مكانها أو استيراد بضاعة أجنبية حلّت محلّها. ومن هذه المهن المنقرضة أو لم نعد نستعملها مهنة (الابريقجي) وهو المسؤول عن الأباريق في الجوامع، و(الاوتجي) وهو كوّاء الملابس، و(آوجي) الصيّاد أو القنّاص، و(البستنجي) أو (البغونجي) وتعني البستاني، و(البرذعجي) صانع براذع الحيوانات، و(البصوانجي) أو (الجرخجي) وهو الحارس الليلي، و(الجردقجي) وهو العامل في الجرداغ الذي يباع فيه الشمزي والبطيخ والخيار صيفاً، و(الجزمجي) بائع الجزم، و(الجادرجي) بائع الخيم والمشمّعات، و(الجقماقجي) مصلّح الأسلحة وأجهزة القدح، و(الجيتجي) بائع قماش الجيت أو (الجتجي) وهو مسؤول العساكر غير النظامية (الجتة)، و(الحيصجي) بائع الحياصة وهي حزام له ابزيم معدني كبير، و(التيلجي) وهو صالع خيوط التيل أو التيرة، و(الخانجي) صاحب الخان، و(الخزمجي) الخادم، و(الدكرمانجي) طحّان القهوة، و(الدنكجي) يعمل في الدنك الخاص بالبرغل والحبيّة، و(الدوغرمجي) النجّار، و(الديوة جي) ومرادفها (القاطرجي) وهو مسؤول القافلة من الجمال، و(الراوجي) وهو صانع معدات الآبار والمياه، و(السفرجي) منظم الموائد، و(سمرجي) يصنع سمرات الخيل، و(السوفاجي) صانع السيوف والخناجر، و(الصاغرجي) الجلّودي الذي يصنع حاجيات صغيرة من الجلود مثل الدفوف والإيقاع، و(القوطجي) بائع الشاي في علب معدنية (قواطي) وقيل بائع القوت، و(الطوبجي) المدفعي أو مصلّح المدافع، و(العلوجي) بائع الحبوب في العلوة ومرادفها (العلاّف)، و(القايغجي) وهو الذي يصنع (القايغات) وهي الزوارق التي توضع عليها أخشاب الجسر القديم، و(القزانجي) بائع القدور الكبيرة، و(القنطارجي) وهو الذي يعمل في البيع والشراء بالجملة، و(الكالجي) بائع الكالات، و(الكجة جي) بائع البسط من اللبّاد، و(الكركجي) خياط (الكرك) وهو معطف ثمين من الفراء، و(اللولجي) صانع وبائع الغليون، و(النعلبند) وهو منعّل الحيوانات.
وهناك مهن لا زالت قائمة حملت قديماً تسميات عثمانية وحافظت عليها، في حين استعملت تسميات حديثة لعدد منها مثل: (الأجزاخانجي) الصيدلي، و(الأطرقجي) بائع الفرش والسجاد، و(الآسكجي) بائع الملابس القديمة (اللنكات)، و(آلجي) الطبّاخ أو صاحب المطعم، و(الباججي) بائع الباجة، وفي بغداد يطلق على بائع المجوهرات (البارجة جي) ومنه لقب أسرة (الباججي). و(البسطجي) بائع اللبن والقيمر والقشطة والجبن، و(البنجرجي) الضلاّع، و(البوسطجي) ساعي البريد، و(التتنجي) بائع التبغ، و(التحافجي) بائع المفروشات، و(التنكجي) يعمل في صنع الأواني من الزنك، و(التورنجي) الخرّاط، و(التوكمجي) مصلّح أجهزة الطبخ والحنفيّات، و(الجامجي) بائع الزجاج، و(الساعجي) مصلّح وبائع الساعات، و(الكمركجي) الذي يعمل في الكمرك، و(الصابونجي) بائع الصابون، و(العرضحالجي) كاتب العرائض، و(الفروجي) بائع وخياط الفراوي الشتوية، و(القليجي) بائع القلية، و(القهوجي) صاحب المقهى، و(المحمّصجي) بائع ومحمّص القهوة، و(النوبجي) شرطي المرور، و(المكينجي) يعمل في المكائن، و(اليوزبكي) وهو بائع المائة حاجة من المواد الصغيرة.
ومن المهن التي حملت أسماء عربية وانقرضت في الوقت الحاضر، (السقا) وهو مجهز الماء للبيوت قبل ظهور الحنفيات وإسالة الماء، و(البارودي) الذي يعمل في صنع وبيع البارود في محلة البارودية أو الثلمي، و(الحائك) يعمل في حياكة القماش والبسط على آلة الجومة، و(الحصيري) بائع وصانع الحصران من الخوص والبردي، و(الخفّاف) صانع الأحذية القديمة المسماة بالخفّ أو (الايمني) التي يُكنّى العامة بها العنيد، و(الخنّاس) بائع السماد الحيواني، و(الدبّاغ) يعمل في دباغة الجلود، و(الدقّاق) يعمل في دقّ القماش، و(الدهّان) و(السمّان) بائع السمن الحيواني، و(الشمّاع) صانع وبائع شموع الإنارة، و(الكوّاز) وهو صانع وبائع المواد الفخارية، و(الصقّال) يعمل في صقل الجلود، و(العفّاص) بائع مادة العفص الدباغية، و(القزّاز) بائع خيوط الحرير من دودة القزّ، و(القصّار) يعمل في قصر ألوان الأقمشة، و(القرّان) بائع وصانع الحلي من قرن الجاموس للأعراب، و(الملاّح) بائع الملح وأدوات الملاحة النهرية، و(الوتّار) يعمل في بيع وشراء الأمعاء الدقيقة للماشية التي تستخرج منها أوتار تستعمل في العمليات الجراحية ولبعض آلات العزف، و(الوزّان) يعمل في وزن المواد الثقيلة في الكمرك.
وفي الماضي القريب كانت هناك مهن متجولة يمتهنها أناس بسطاء ممن لا يمتلكون رأس مال كاف لفتح دكان لهم، إذ لم تكن هذه المهنة بحاجة إلاّ إلى بعض اللوازم البسيطة مثل: (الجنبر) وهو محمل خشبي بثلاثة أرجل توضع عليه البضاعة في صينية معدنية أو سلة من أعواد الرمان، أو عربة خشبية صغيرة مكعبة الشكل. وكانوا يدورون في أزقة محلات الموصل القديمة قبل أن تتسع، وفي بداية التسعينات ظهر (الدنبر) الذي لم يكن معروفاً بعد جلبه من الكويت وأصبح يستعمله (أبو الكاز) و(أبو الغاز).
ومن مهن الباعة المتجولين (أبو الحلاوي) وهو بائع الحلاوة البيضاء والسمراء وعدة أنواع من الحلويات والمعجنات مثل: (العسل نعناع) و(اللكيلك) و(المعسلي) و(اللوزينا/ اللوزينج) و(شعر البنات) و(الشرابت) و(الكيك) و(المعكرونية) و(البقصم) و(الجورك). و(أبو الدوندرمة) الذي يبيع المرطبات في الصيف في علبة يحملها بيده، و(أبو الشامية) وهو بائع الذرّة المطبوخة، و(أبو المستوى) وهو بائع الشوندر والشلغم المطبوخ في قدر كبير، و(أبو اللبلبي) وهو الحمّص المطبوخ، و(أبو النامليت) وهو شراب محلّي ملوّن بألوان زاهية، و(أبو الحليب) الذي يدور صباحاً حاملاً على حصان برميلاً من الألمنيوم فيه حليب خالي من الدهون، و(أبو البيض) وهو من الأعراب يحمل وعاء (زمبيل) مملوء بالبيض والتبن، و(أبو البجنجل) وهو نبات الخرنوب الذي يستعمل لوقف الإسهال، و(أبو السعد) والسعد درنات نباتية صغيرة يستخدمها الآن بعض مرضى السكّر، و(أبو العلك ماي) وهو بائع العلك المحلّي، و(أبو الفستق) وهو بائع الفستق الأخضر في موسم نضوجه، و(أبو العلّو علّيج) وهو نبات من أعواد الحنطة الخضراء يستخرج منه مادة قطنية يأكلها الأطفال بلذّة، و(أبو الفرارات) الذي يحمل على كتفه ما يشبه الشجرة تحمل ألعاباً للأطفال منها الفرّارة والنقّارة والجزازة، و(أبو الملح) وهو أعرابي يبيع الملح من على ظهر الجمل ويعقّبه عدد من الأطفال المعجبين بمشهد الجمل، و(أبو القطا) وهو أعرابي أيضاً يبيع طير القطا الذي يكثر في موسم الحصاد، و(أبو الكيل) الذي يبيع (الكيل) المستخرج من منطقة (الجيلة) قرب حي السكر حالياً الذي تستخدمنه النسوة لتنعيم الشعر بدلاً من الشامبو، و(أبو الحطب) الذي يسوق عدداً من الحيوانات تحمل حطب الطرفاء لأغراض الطبخ والخبز، ومثله (أبو البعر/ البعرور) وهي مخلفات الأغنام، و(أبو السليل) وهو بائع السلال المصنوعة من أعواد الرمان.
ومن المهن المتجولة (أبو الطحين/ الطحان) الذي يجمع في عربة أو على حمار الحنطة من البيوت ويعيدها بعد طحنها في ماكنة طحن الحبوب، و(أبو مكينة البرغل) و(أبو الرشتة) مع مكائنهما لعمل البرغل والحبّية وتقطيع الرشتة في أواخر فصل الصيف، ويأتي من بعدهم (أبو الدنك) ليأخذ البرغل والحبّية إلى الدنك لتقشيرهما، و(كسّار الخشب) الذي يدور وهو يحمل بلطة لتكسير الأخشاب المستعملة في التدفئة والطبخ، و(أبو الحنفيات) ومعه عدّة لتصليح الحنفية الوحيدة عندما لم تكن الحمامات والمغاسل معروفة في الدور، و(حداد السكاكين) الذي يحمل آلة خاصة تدور بواسطة إطار دراجة يحدّ بها السكاكين العمياء، و(مبيّض المواعين) وهو الذي يطلي الآنية النحاسية القديمة بالقصدير بعد جمعها في كيس على ظهره، و(الندّاف) وهو الذي ينجّد القطن بآلة خاصة ويحشي الفرش، و(خيّاط الفرفوري) والفرفوري هي الآنية الخزفية مثل أباريق الشاي والصحون الثمينة التي تكسر، فيقوم هذا الرجل بخياطتها بأسلاك معدنية ولفّها بشرائط من الزنك، و(أبو القماش) وهو يحمل أطوالاً من القماش على كتفه ويبيع بالذراع.ويطلق الموصليون على بعض موظفي الدولة الذين يتعاملون مع البيوت لقب (أبو) مثل: موظف ومراقب البلدية الذي كان يدور في الأزقة القديمة لمراقبة البيوت ومنعهم من إخراج المياه الثقيلة خارج البيت، ويسمّيه العامة (أبو البلدية) أو (أبو الجزا) لكونه يفرض (الجزاء) أي غرامة مالية قدرها (20) فلساً لمن يخالف أمر الحكومة. ويسمّى مثله (أبو الماي) وهو قارئ المقاييس المائية، و(أبو الكهرب) وهو قارئ المقاييس الكهربائية، و(أبو الزبل) أو (أبو الوسخ) للزبّال الذي يجمع الأوساخ من البيوت في عربة يدوية صغيرة.
وأخيراً هناك مهن متجوّلة اختفت وعاد قسم منها إلى الحياة في فترة الحصار الاقتصادي بسبب حاجة الناس لها، ومنها مهنة (أبو العتيق)، و(أبو السعد). ومهن أخرى قد تعود إن استمرّت البطالة تنهش من لحم الناس مثل: أبو البجنجل، وأبو الفرارات، وأبو العسل، وأبو العلّو علّيج.[1]