د . عروبة جميل محمود
تعد #الموصل# ثاني المدن العراقية من حيث الأهمية بحكم من موقعها الجغرافي ، وامكانياتها الاقتصادية ، فضلا عن تكوينها التاريخي الذي اتصف بالاصالة والتطور .
تقع الموصل على الضفة الغربية لنهر دجلة ، ضمن رقعة جغرافية متموجة تربط بين اقليم الجبال ذي المسالك الوعرة والاقليم الصحراوي ذي السهول المنبسطة ،
مما جعلها مركزا عمرانيا استيطانيا مهما لكلا الاقليمين . اما تحديد موقع المدينة بقياس خطوط الطول والعرض ، فان الموصل تقع عند تقاطع خط العرض (36ْ) شمالا ، وخط الطول (43ْ) شرقا .
عرفت الموصل باسماء عديدة ، منها ب (الموصل) لأنها تصل ما بين الفرات ودجلة . كما وردت اسماء مدينة الموصل في المدونات التاريخية الاجنبية ، اذ ورد اسم مسبلا( لدى المؤرخ الاغريقي (زينوفون) في مدوناته التاريخية في احداث سنة 401 ق.م باسم كما وردت عند المؤرخين السريان باسم حصن عبرايا ، كما سميت (نواردشير) وتعني عند الفرس الساسانيين عرين الاسد .
ووصف الموصل (بالحدباء) الجغرافي الاسلامي ياقوت الحموي لوجود احتداب نهر دجلة خلال مروره بالمدينة وتعرجات في جريانه ، غير ان الجغرافي الاسلامي ابن بطوطة اسماها بالحدباء نسبة إلى قلعتها المحدودبة ، وورد في تاريخ الاولياء : انها سميت بالحدباء ، لان البيوت والمحلات فيها لم تقع على مستوى واحد بل بعضها قلاع وبعضها في منخفض من الارض ، ويعتقد ان التسمية مشتقة من كلمة حدياب وكانت تطلق بشكل عام على الديار في عهد انتشار المسيحية . وفضلا عن ذلك فقد عرفت الموصل بأم الربيعين لأن الله حباها بربيعين في فصلي الربيع والخريف ، وكذلك عرفت ب (الخضراء) لاخضرار براريها وضواحيها عند سقوط الامطار بغزارة في فصلي الشتاء والربيع .
ولاعطاء صورة عن النشأة والتطور العمراني لمدينة الموصل ، يمكن وصفها على وفق الأبعاد الآتية :
سور المدينة
احاط مدينة الموصل سور امتاز بمتانته تصميما وبناء وذلك لغرض الدفاع والتصدي لهجمات الاعداء التي استهدفت المدينة في فترات تاريخية متباينة ، ولهذا السبب كان السور يرمم بعد انتهاء تلك الهجمات التي تركز على هدمه لدخول المدينة ، ولعل آخر تلك الترميمات ما حصل في سنة (1743م) وتضمن السور ابراج وابواب عدة فضلا عن وجود خندق مائي من نهر دجلة ليؤدي دوره في اكمال التحصينات .
وأظهرت الدولة الاموية (41ﮪ/616م) اهتماما بسور الموصل ، ومن الملاحظ ، ان تناقض آراء المؤرخين القدامى أمثال ابن الاثير ، والبلاذري والأزدي والحموي ، في اول من شرع ببناء سور المدينة ، قد اظهر تباينا في آراء المؤرخين المعاصرين حول تاريخ بنائه على نحو دقيق . اذ نجد الصوفي يورد ان الوالي محمد بن مروان بن الحكم هو اول من بنى سور الموصل في العهد الاموي . في حين ذكر سعيد الديوه جي ان الوالي سعيد بن عبد الملك (684-707م) هو اول من بنى السور . وتجدر الاشارة إلى ان بعض المراجع التاريخية اشارت إلى ان الولاة الامويين الثلاثة قاموا بالفعل ببناء سور المدينة واعماره كل حسب توليته لامارة الموصل ، اذ كانت المدينة معرضة لاعمال التمرد والعصيان واستفحال الحركات الخارجية ، وتشير بعض المصادر التاريخية إلى بقاء السور قائما إلى عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي أمر بهدمه عام 796م فبقيت المدينة بدون سور حتى عام 1081 اذ قام الامير مسلم بن قريش العقيلي ببناء سور الموصل ، ولم يرد ذكر لسور الموصل ابان حكم الحمدانيين للموصل (905-991م) إلى ان تولى بنو عقيل الحكم فيها (990-1095م) وهم الذين شيدوا السور اذ استغرق بناؤه ستة اشهر مما يشير إلى قصر المدة التي شيد فيها فلم يكن من القوة مقارنة بسور الموصل في العهد الاتابكي . وفي فترة الحكم الاتابكي (1127-1261م) اتخذ عماد الدين زنكي (521-541ﮪ) الموصل قاعدة لدولته وعني بعمارة المدينة وتحصينها فعمر سورها ووسعه من الجهة الشمالية للمدينة وادخل الميدان بما فيه قصور الامارة داخل السور الجديد . كما رفع السور من سائر جهاته وعمق الخندق الذي يحيط به فكان هذا سنة (1133م) وقد وصف الرحالة الاسلامي ابن جبير هذا الانجاز مشيدا بفخامته ومناعته .
واعطى الصوفي ملاحظات قيمة عن سور المدينة ابان العهد العثماني ، واشار إلى ان واليها بكر باشا اسماعيل (1630م) اول والٍ قام بترميم سور المدينة ، فبعد ان ان هدمه الغزو المغولي ، رمم السور مرات عدة ، ففي عام (1743م) قبيل حصار نادر شاه ثم تولى (الحاج حسين باشا الجليلي) والي الموصل (1727-1746م) مع ابناء مدينته القيام باعمار السور ثم جرى ترميم آخر في ولاية سليمان باشا الجليلي عام (1785م) ، فقد بلغ ارتفاع السور في العهد العثماني عشرة امتار وسمكه ثلاثة امتار وكان آخر ترميم للسور عام (1821م) ، وقد رافق الترميم اجراء تعمير عدد من ابواب السور وفتح ابواب جديدة بناء على الحاجة الماسة من جراء اتجاه العمران نحو شمال وغرب المدينة في العهد الاتابكي .
وتباينت آراء الصوفي والديوه جي في عدد ابواب مدينة الموصل اذ يذكر الصوفي ثلاثة عشر بابا وهي على النحو الآتي :
(باب الجسر) ، (باب الطوب) ، (باب القش) ، (باب السراي) ، (باب الجديد) ، (باب البيض) ، (باب العمادي أي باب الوباء) ، باب شط عين كبريت (باب السر) ، باب شط المكاوي (باب المشرعة) ، (باب شط القلعة) ، (باب سنجار) ،(باب السر) ،(باب الحرية) .
في حين يذكر الديوه جي احد عشر بابا ، على النحو الآتي :
باب الطوب ، باب لكش ، باب السراي ، باب الجديد ، باب البيض ، (باب العمادي أو باب الوباء أو باب الحرية) ، (الباب الصغير) ، (باب شط عين كبريت) ، باب شط الحصى ، باب شط المكاوي ، باب القلعة .
ويلاحظ ان الصوفي اورد الابواب التي استحدثت في العهد العثماني والابواب التي كانت موجودة في السور ابان حكم الاتابكيين ، اما الديوه جي فقد اورد ابواب السور في العهد الاتابكي واكتفى بايراد ابواب السور التي استحدثت في العهد العثماني ، ومما يلاحظ ان
الديوه جي قد كرر ذكر باب شط المكاوي مرتين.
المساجد والجوامع والكنائس :
عرف الموصليون بالتزامهم الديني والاخلاقي سواء على مستوى فهم مبادئ الشريعة الاسلامية واستيعابها ، أو في آدابهم النابعة من فضائل الدين الاسلامي ، اذ ما زالت الموصل تتصف بكونها بالمدينة المحافظة على التزامها الديني الاسلامي .
شهدت الموصل تطورا ايجابيا ملحوظا في بناء المساجد فضلا عن الجوامع التي كانت تقام بها الصلوات بما فيها صلاة يوم الجمعة ، مثل جامع الاغوات الذي شيده في عهد الدولة العثمانية سنة 1703م الاخوة (اسماعيل وخليل وابراهيم) من عائلة الجليلي . وهذا يوضح مدى اهتمام الموصليين وحرصهم على ممارسة الشعائر الدينية وتثقيف الناس بالثقافة الاسلامية التي تعد حصنا اخلاقيا منيعا للمجتمع .
اما على مستوى المساجد ، فقد شهدت مدينة الموصل حركة ايجابية بتشييد المساجد ، ففي سنة 1767م قام احد تجار الموصل المدعو عبد الحافظ الموصلي بتشييد جامع العلوة الواقع في منطقة باب السراي الحالية .
وفي السياق ذاته اقدم احد وجهاء الموصل المدعو حسن افندي بن شعبان بتشييد مسجد جامع كان الهدف منه استقطاب الاهالي لاداء الشعائر الدينية ومنها الصلاة .
وعلى الرغم من قلة المعلومات التاريخية عن المساجد والجوامع الا ان جذور تشييدها تنبع من حرص اهالي مدينة الموصل على استمرارية الشعائر الاسلامية ، وانتشار العلوم الاسلامية داخل الاوساط الاجتماعية المختلفة . فالمساجد ادت دورا ايجابيا في اقامة الحلقات العلمية فضلا عن دورها في صلاة الجمعة التي تعد منبرا الهدف منه اشاعة الوعي الديني والاخلاقي في المجتمع الموصلي .
كما شيدت مدارس دينية ملحقة بالمساجد والجوامع مثل مدرسة جامع سوق العلوة ، اذ اوقف له الحاج عبد الحافظ الموصلي دعما ماديا لغرض استمرار الدراسة فيها، التي تضمنت علوم اللغة العربية والفقه الاسلامي وعلم الحديث. وفي سنة 1841م اقدم الوالي محمد باشا اينجه بيرقدار على تجديد المدرسة والجامع على السواء، وهنالك منها مدرسة محمد بن خياط الملحقة بمسجد الامام ابراهيم الواقع في سوق الشعارين، اذ قام احمد بن محمد الخياط بتجديد المسجد وجعله مدرسة دينية في عام 1856م ، كما اوقف مجموعة من الكتب الدينية النادرة في المدرسة.
وكان للمساجد والجوامع مكانة مرموقة في نفوس الاهالي ولها دورها الديني الفاعل في الحياة العامة فقد شهدت مدينة الموصل العديد من المساجد والجوامع ، التي تعد بمثابة منشآت دينية وثقافية واجتماعية فهي من الناحية الدينية مكان للعبادة واقامة الشعائر من صلاة وقراءة القرآن الكريم واقامة المواليد النبوية ، ومن الناحية الثقافية تعد مكاناً لتدريس العلوم الدينية وتعليم القراءة والكتابة ، ومن الناحية الاجتماعية تعد مكاناً لاجتماع العامة من الناس في الاعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية ، فضلا عن كونها مأوى لمن لا يجد له مسكنا من الفقراء وللمسافرين والمتعبدين ، وكان في هذا ما يخفف بعضاً من اعباء الحياة ومصاعبها .
ليس هناك اتفاق كامل على عدد المساجد والجوامع في مدينة الموصل ابان العهد العثماني ، وتذكر بعض المصادر التاريخية الى وجود (18 جامعا) فضلا عن وجود
(50 مسجد) ، وهذا يعطي تصورا عن مدى الاهتمام الواضح بانشاء المساجد والجوامع في تلك الفترة التاريخية .
وتجدر الاشارة إلى ان المساجد والجوامع التي كانت موجودة قبل القرن التاسع عشر، ادت ادوارها الدينية والعلمية ومنها ، جامع الاغوات وجامع الباشا ، وجامع الرابعية وجامع الزيواني ، وجامع النبي شيت التي كانت موضع نشاط واهتمام لاهالي الموصل بهذه الاماكن الدينية والعلمية التي تصب في الحفاظ على المجتمع الموصلي وكانت تلك المساجد والجوامع تبنى بحجر (الحلان والمرمر) الذي اتصف بمتانته وصموده امام تداعيات الزمن وهذا ما يفسر مقاومة هذه الابنية لفترة طويلة .
أما الكنائس فيعود وجودها في مدينة الموصل إلى فترات تاريخية قديمة ، واتسمت من الناحية العمرانية بالحفاظ على متانة بنائها الحجري ضمن تخطيط عمراني يتناسب مع اهدافها الدينية بوصفها اماكن العبادة ، فعلى سبيل التمثيل هناك موضع خاص يسمى (المذبح) ، واماكن اخرى للقساس والرهبان القائمين على متابعة الامور الدينية في تلك الكنائس . ومن تلك الكنائس كنيسة مار اشعيا الواقعة في محلة رأس الكور حاليا .
ونشطت الطوائف المسيحية ببناء العديد من الكنائس في مدينة الموصل ، اذ شيدت طائفة الارمن كنيسة الارمن في سنة 1857م الواقعة في زقاق محلة حوش الخان احدى ازقة مدينة الموصل . كما شيد الكاثوليك كنيسة مار توما في محلة خزرج سنة 1865م . كما نشطت فعاليات ترميم الكنائس المسيحية ابان تلك الفترة التاريخية ومنها تجديد كنيسة المياسة التي رممت في سنة 1853م وتجديد كنيسة ماراشعيا الواقعة في محلة راس الكور وذلك في سنة 1855م ، فضلا عن ترميم دير مار متي الواقع في ضواحي مدينة الموصل وذلك في سنة 1858م ، وتم تجديد دير (مار ميخائيل) الواقع على نهر دجلة في سنة 1867م ، وكذلك جددت كنيسة مار احوديمي في محلة القنطرة سنة 1896 .
كان الحفاظ على الكنائس في مدينة الموصل يحقق اهدافا دينية بوصفها دورا للعبادة . فضلا عن اشاعة التسامح الديني ما بين المسلمين والنصارى فالمجتمع الموصلي باطيافه الدينية والقومية حرص على التماسك الاجتماعي منطلقا من انتمائه المحلي المحافظ عبر تاريخ المدينة.
القلعة
وتعرف القلعة بقلعة باشطابية الواقعة على مقربة من نهر دجلة في الجانب الايمن منها ، وتسمية باشطابية ترجع إلى اللغة التركية ، فهي مؤلفة من كلمتين الاولى (باش) وتعني الرئيس ، و(طابية) تعني البرج وما زالت تعرف بها.
ان المعلومات المتعلقة بقلعة باشطابية مستمدة من تاريخ تأسيسها في فترة حكم عماد الدين زنكي (521-541ﮪ/1127-1146م) ، اذ اتخذها مركزا عسكريا لجيوشه التي حاربت الصليبيين ، وكانت مخزنا للمواد والاسلحة حينذاك وبعد السيطرة العثمانية على الموصل عام 1516م شرع العثمانيون باعادة ترميمها لاتخاذها برجا للاسلحة والمؤن ، واحدثوا في القلعة فتحات كبيرة تتسع الواحدة منها لمدفع ، واخرى صغيرة على شكل مزاغل يرمى منها اطلاقات البنادق ، وهكذا عمل الولاة العثمانيون على توسيع اقسام القلعة وانشأوا لها سورا متصلا بسور البلد ، وبنوا فيها غرف للجيش . وفضلا عن ذلك يوجد قلعة داخلية تعرف باسم (ايج قلعة) بناها الوالي بكر باشا بن اسماعيل باشا بن يونس الموصلي سنة (1030ﮪ/1620م) ، اذ كانت مركزا الولاية والجيش .
يقوم تصميم القلعة على بناء عمراني مجوف بشكل ساحة داخلية محدودة ، فضلا عن انشاء عدد من الغرف تؤدي ممراتها إلى دهليز اتخذه العثمانيون ممرا سريا ومنفذا داخل القلعة إلى خارجها ، فيما تتركز الجدران على عدد من الركائز الجدارية مثلثة الشكل لامكانية فتح المزاغل التي تعد نوافذ مهمة في القلعة ويشيد برج اصغر حجما فوق البرج الاساس للقلعة ، وما بين البرجين هناك ممر عرضه (170سم) وسمكه (190سم) في القاعدة ويقل السمك كلما ارتفع البناء إلى الاعلى ، ويوجد في جدران البرج اربعة فتحات كبيرة نسبيا بقياس فوهة مدفع واحد فضلا عن وجود المزاغل بين تلك الفتحات ، التي تشكل نوافذ لرصد تحركات العدو في حالة استهدافه المدينة . وفضلا عن ذلك ، يوجد في اعلى جدار البرج
(18 شرفة) ، لتمثل مقطعاً نصف دائري وشكلاً هرمياً في تصميمه . ويلاحظ في هذا التصميم العمراني للقلعة الاخذ بنظر الاعتبار الجوانب العسكرية التي تعد الهدف الاساس من بناء القلعة فضلا عن مرونة الحركة في داخل القلعة مما يضفي اجواء مناسبة للنشاط العسكري فيها .
ومن الجدير بالذكر ان الرحالة ابن جبير زار مدينة الموصل في سنة (579ﮪ/1183م) واصفا قلعتها بقوله وفي اعلى البلد قلعة عظيمة قد رص بناؤها رصا ، ينتظمها سور عتيق البنية مشيد البروج ، وتتصل بها دور السلطان وقد فصل بينها وبين البلد شارع متسع يمتد من اعلى البلد إلى اسفله ، ودجلة شرقي البلد وهي متصلة بالسور والقصد من ايراد هذا النص المتعلق بالقلعة يكمن في طبيعة بنائها القوي منذ ذلك الحين . ومما يؤكد ذلك فشل حملة نادر شاه في السيطرة على مدينة الموصل سنة (1156ﮪ/1743م) في عهد الوالي حسين باشا الجليلي مما يدل على اهتمام اهالي الموصل وولاتها بتجديدها وترميمها بوصفها اهم معالم المدينة الحربية.
حافظت القلعة على مكانتها واهميتها ، اذ قام الوالي احمد باشا الجليلي بترميمها في سنة (1237ﮪ/1821م) ، ومن تلك الترميمات اعادة ترميم الاسوار والنقوش والمدونات فوق باب القلعة (لا اله الا الله … فضلا عن وجود آيات قرآنية مجيدة منها قوله تعالى : (نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ).
لقد وصف الضابط الانكليزي جونس مدينة الموصل حينما زارها في سنة (1269ﮪ/1852م) قائلا : ان الدار الخاصة بالباشا ، وثكنات المدفعية تقع على حافة نهر دجلة جنوب شرقي الاسوار ومستودع الذخيرة (الطوبخانة) تتوسط بينهما باب الطوب .
وابان ادارة الوالي العثماني محمد اينجه بيرقدار (1251-1260ﮪ/1835-1844م)، عمد إلى مغادرة القلعة بوصفها المركز الاداري والعسكري ، اذ عمل على استحداث ثكنات للجند خارج سور الموصل ، ومنها الطوبخانة وتقع بالقرب من الجامع المجاهدي (نسبة إلى مجاهد الدين بن قيماز) المعروف لدى اهالي الموصل ب (جامع الخضر)، اذ اتخذه موقعا للدفاع ، كما انشأ دارا للضيافة ، فضلا عن انشائه المستشفى العسكري لتقديم الخدمات للقوات العثمانية الموجودة في القصبة وفي اثر ذلك هجرت قلعة الموصل لتداعيات الزمن، احد اهم معالم الموصل الحضارية .
القشلة والسراي
القشلة هي بناء لاهداف عسكرية ومدنية ، قام بتشييد قشلة الموصل الوالي محمد إينجه بيرقدار وذلك في سنة (1259ﮪ/1843م) ولغرض انجاح مشروع بناء القشلة طلب الوالي محمد اينجه البيرقدار من وجهاء الموصل وتجارها المساهمة في تأمين الامكانيات المادية لغرض انجازها .
وتجدر الاشارة إلى ان البيرقدار استعان بخبرة الضابط الالماني مولتكه اثناء مروره بمدينة الموصل طالبا منه وضع تصميم معماري لادارة أعمال الولاية . وتقديرا لجهود مولتكه ، فقد اهداه البيرقدار ساعة ثمينة .
وتم البناء على اساس نوعين من القشلات ، القشلة المدنية والقشلة العسكرية ، احتوت القشلة المدنية على دوائر الولاية ذات الصلة بامور المجتمع المدني . اما القشلة العسكرية، فكانت على شكل ثكنات للجيش ، صممت وفق الاصناف العسكرية العثمانية ، فهناك قسم لقوات الخيالة (السباهية) واخرى لقسم المشاة (البيادة) . مع وجود مكان يعد مركزا للارزاق والمؤن وتهيئة الطعام ، اما القسم الآخر فكان بمثابة مستشفى (خسته خانه) للوحدات العسكرية . اما الطابق الثاني فقد خصص مكانا لمبيت الوالي ، فضلا عن بناء جامع تقام فيه الصلوات التي كان يحضرها عموما ، منتسبوا القشلة من العسكريين ، فضلا عن الموظفين المدنيين ، وتجدر الاشارة إلى ان الانتهاء من بناء القشلة كان في عام (1258ﮪ/1842م) .
ولا بد من الاشارة إلى ان موقع القشلة بجانبها العسكري والمدني كانت تقع في المنطقة المطلة على نهر دجلة وتشغلها حاليا بلدية الموصل والمستشفى العسكري . وفي الجهة المقابلة للقشلة يقع المتحف الحضاري بالقرب من حديقة الشهداء .
اما السراي ، فيعود في جذوره التاريخية إلى حقبة الحمدانيين والعقيليين والاتابكة ، والذي كان يمثل في بدايته دورا رسمية للحكام والقوات العسكرية .
اما تسميتها بالسراي فكانت منذ العهد العثماني حين اطلق العثمانيون تسمية (السراي) على تلك الدور ، وقد اتخذها الولاة العثمانيون مقرا لادارة شؤون ولاية الموصل ، فضلا عن اهميتها العسكرية ، وفي هذا الصدد وصف الرحالة الإنكليزي بكنغهام (السراي) بقوله والقوة العسكرية الموكل اليها امر الدفاع عن المدينة وما جاورها لا تتجاوز ألف رجل ، ومعظم هؤلاء من الخيالة ، ويعمل نصف هذا العدد منهم في قصر الباشا أو منزله الذي شيده وهو واسع الأرجاء، وضم دواوينه ودوائره حتى بدا وكأنه إحدى القرى الصغيرة .
يتكون التصميم العمراني للسراي من عشرين غرفة مستطيلة الشكل ، مما يدل على سعة المكان، وبما يتناسب مع المهام التي اعتمدها الوالي في ادارة شؤون المدينة .[1]