ماذا اقول وكيف أصف تاريخاً لا يحمل سوى الظلم والقسوة والوحشية ...
كيف أصف يوما مثل هذا اليوم قبل العشرات من السنين ...
يوم فيه احداث لو كتبت عنها !!! يتطلب ذلك مجلدات ...
كم كانت الفرحة كبيرة ... عندما رن جرس التلفون البيتي ولا أنسى كان رقمه (3082) وكانت مديرة مدرستي الست بدرية طاهر على الخط وهي تقول لوالدي ان نتائج الامتحانات البكالورياللصف السادس الابتدائي ظهرت ... وان گيلاس هي الاولى على مدارس البنات في جميع #اللواء# ... اللواء كان اسم المحافظة حالياً ..
تصوروا فرحة الطفلة التي تسمع هذا الخبر ... هرعت الى غرفتي للاستعداد للذهاب الى المدرسة لاستلام النتيجة المفرحة وبالتاكيد الهدايا التي ساتلقاها من المديرة والمعلمات ... كانت مدرستي بعيدة وعلى أطراف نهر الخاسة في #كركوك# الجريحة عبر التاريخ ... وأنها مدينة الذهب الأسود ... لكنها ليست سوى مدينة للدخان الأسود والدماء المهدورة غدراً وظلماً وعدواناً ..
وجدران بناياتها تشهد إطلاق الرصاص على شبابها ... امام اهاليهم عبر التاريخ ...
هرعت الى المدرسة وانا اقطع الطريق والفرحة تملأني الى ان وصلت الى منطقة ........... يا للهول والكارثة رايت !!! ماذا رأيت .... اجساد معلقة على حبال للمشانق ونسوة يهللن ويزغرطن وينثرون الحلويات ...
اول ما جلب نظري ... الجسد الطاهر للشيخ مارف البرزنجي ... المفكر والشاعر والفيلسوف والإنسان المتواضع الذي كان يحضنني عندما يزور والدي ويقول ان لابنتك مستقبلا مشرقاً ...
جسده الطاهر معلق على الحبل.
والى جانبه أشخاص اخرين !من ؟من ؟من ؟صديق والدي الحميم المحامي جبار پيروز خان .... هذا الانسان الرزين القانوني الفذ ....
من آخر ؟ الشيخ حسين البرزنجي ومن هو هذا الشيخ الأديب الفنان الذي لحن النشيد القومي الخالد للكورد ( ئه ى ره قيب )
هو ايضاً ... وأسماء كثيرة (29)... شهيدا مغدورا معلقين في أماكن مختلفة من كركوك ... لم تكن لدي فكرة في ذلك الوقت عن اليساري واليميني ويا ليتني لن اعرف ذلك ...لان اليساري كان تهمتهم التي اودت بحياتهم وشنقوا بسببه
رايت هولاء بهذا الشكل !!! فكيف لي ان أذهب الى مدرستي والصياح والعويل تملأ سماء بيوت هولاء ...ماذا افعل ؟؟؟ عدت أدراجي الى البيت وانا ابكي بحرقة ... ورميت نفسي في حضن والدي ووالدتي وحكيت لهما ماذا رايت .... قال والدي كان هذا متوقعاً ...قلت لوالدي يا ابي الست حاكماً ؟؟؟ لماذا سمحت بذلك ولم تفعل شيئاً من اجلهم واكثر هولاء من من أصدقائك ومعارفك ...
اجاب يا ابنتي ... انا لست حاكما عسكرياً ... هولاء حوكموا من قبل أناس لا يعرفون من القانون غير اسمه...
هولاء حوكموا في محكمة عسكرية مستبدة لا تعرف الرحمة ...
لم تكمل فرحتي كالعادة ...ومنذ ذلك اليوم ولحد الان والمسلسل الدموي مستمر وبدون انقطاع...
وأفراحنا مبتورة ... ونجاحاتنا لا اثر لها غير مشروعة ...
هذه صفحة من التاريخ الذي عشناه ... ونعيشه كل يوم في دول شاء القدر ان نعيش في...( ظلهم )....
گیلاس