موقف فرنسا من الحقوق القومية للكورد في سوريا المنتدبة - (القسم الثالث)
=KTML_Bold=اول دستور سوري :=KTML_End=
في عام 1928 اعربت فرنسا استعدادها لاطلاق مرحلة جديدة من الديمقراطية وانتخاب جمعية تاسيسة، تستطيع من خلالها فئات المجتمع السوري، تحديد مواقفها، لاعداد مسودة دستور، يتوافق مع تطلعاتها السياسية، وأثناء انعقاد الجمعية التأسيسية، قدمت المجموعات الكوردية من الزعماء والمثقفين، التي كانت تتولى الحراك السياسي الكوردي في سوريا، وثيقة إلى الجمعية التأسيسية السورية في 23 حزيران 1928، والتي طالب الموقعون عليها بتوفير الوسائل الكفيلة للحفاظ على ثقافتهم القومية، كي يصبحوا أعضاء نافعين في الدولة السورية، كما تضمنت مذكراتهم عدة مطالب، منها: استعمال اللغة الكوردية مع اللغات الرسمية الأخرى في المناطق الكوردية، وتدريس اللغة الكوردية في المدارس التي تقع ضمن المناطق الكوردية، واستبدال الموظفين الذين يعملون في المناطق الكوردية بموظفين كورد، كما تضمنت المذكرة أيضاً فكرة تشكيل قوة عسكرية كوردية بإدارة فرنسية لحماية الحدود، وتقديم التسهيلات للمزارعين الكورد في الجزيرة، واستثمار الأراضي زراعياً
وأقرت الجمعية التأسيسية في 11 أيار عام 1928، اول دستور لسوريا، الذي اشتمل على خمس فصول و (115) مادة، ونشره المفوض السامي الفرنسي (بونسو)، في 22 أيار عام 1930، بعد إضافة المادة (116) التي نصت على (أحكام مؤقتة تحول دون المس بالتزامات فرنسا، وأن تعد صياغة المادة الثانية التي تنص على أن سوريا غير قابلة للتجزئة) كما نشرت دساتير أخرى، لدولة جبل الدروز واللاذقية ولواء اسكندرون، وكان إعلان هذه الدساتير إيذاناً بتكريس التجزئة السياسية لسوريا.
ويلاحظ من خلال قراءة مواد الدستور السوري، أنه لم يتم الإشارة إلى القومية الكوردية كقومية ثانية في البلاد، حيث جاء في المادة الأولى من الفصل الأول: (سورية دولة مستقلة ذات سيادة، لا يجوز السماح باقتطاع أي جزء كان من أراضيها)، والمادة الثانية نصت على أن (سورية وحدة سياسية لا تتجزأ) ، وورد في المادة الثالثة (سورية جمهورية نيابية، دين رئيسها الإسلام، وعاصمتها مدينة دمشق)
وجاء في المادة الخامسة (الجنسية السورية تحدد في قانون خاص)، وأوضحت المادة السادسة «السوريون متساوون لدى القانون، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي ما لهم وعليهم من الواجبات والتكاليف. ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الدين أو المذهب أو الأصل أو اللغة»
ويتضح أن الدستور الأول في سوريا الذي كان من المفروض منه أن ينضج الخلاف، ليغدو اختلافاً في النسيج الثقافي والاجتماعي والقومي في سوريا، سوغ فكرة التنكر للكورد وبحلة جديدة، وأمعن في تجاهل تأسيس أرضية مشتركة، يتم فيها الإشارة إلى دور الكورد الريادي والإيجابي في البلاد، كما أن تجاهل الحقوق القومية الكوردية بعد أن أصبحوا جزءاً من الوطن السوري في تلك الفترة، أصبحت سياسة ثابتة للسلطات الفرنسية المنتدبة على سوريا، بعكس ما قدمته من حقوق وتسهيلات واضحة لطوائف سورية أخرى، حتى أنها سمحت لها بتكوين كيانات ودساتير مستقلة ضمن الاتحاد السوري، كما جاء الإهمال والتنكر من الجانب السوري العام للحقوق الكوردية بعدم الاشارة إليهم في مواد الدستور السوري لعام 1928، مع أن الكورد شكلوا في تلك الفترة أكثر العناصر السورية دفاعاً عن استقلال البلاد، وكان الدستور تكفل ضمناً بإعطاء الطوائف الدينية بعض حقوقها الثقافية، كما يجب التأكيد على حقيقة، أن تلك السابقة أصبحت ركناً أساسياً من أركان سياسات الحكومة السورية المتعاقبة، في السعي إلى التنكر ومحو ما يمت للهوية الكوردية بصلة.
=KTML_Bold=حقيقة الموقف الفرنسي من الحقوق الكوردية :=KTML_End=
كانت السياسة الفرنسية إزاء الحقوق السياسية للشعب الكوردي في كوردستان سوريا غير واضحة، على الرغم من وجود إشارات برغبة بعض دبلوماسيها أحياناً بإعطاء الكورد حقوقهم، ومنحهم الكيان السياسي الخاص أسوة بغيرهم، ومن ذلك ما ورد في تقرير بريطاني، أن فرنسا رغبت في عام 1929، بإقامة كيان كوردي مؤلف من مناطق جبل سنجار إلى الخابور وجزيرة بوتان وسري كاني (رأس العين) ومنها إلى الحسكة.
وإذا ساهمت فرنسا في غض الطرف عن تحرك كورد سوريا، خلال ثورة آرارات عام (1927–1930)، لدعم أخوانهم في كوردستان الشمالية، ومساهمتها في افتتاح فرع الجمعية الكوردية خويبون في دمشق عام 1927، فأنها كانت تسعى من وراء ذلك لتحقيق هدفين، الأول: كسب كورد المنطقة إلى جانب فرنسا لموازنة ثقل الوطنين السوريين الذي كانوا يطالبون بالاستقلال الكامل، ويرفضون ربط سوريا بأية معاهدة، والثاني: الضغط على تركيا التي كانت ترفض تخطيط الحدود بينها وبين سوريا.
إن عدم فاعلية الكورد وتأثيرهم على سير الأحداث، أدى إلى أن تصبح منطقة مثل الجزيرة مسرحاً للفوضى، وإخضاعها بالقوة لسيطرة الاستخبارات الفرنسية، ومجموعة من المستشارين المتعاونين معهم، كما أن الحالة السياسية الداخلية في سوريا بعد ثورتها الكبرى، كانت قد هزت مكانة فرنسا وجيشها، مما دعا فرنسا الى إتباع طرق سياسية خاصة لحل مشاكلها مع الأتراك، وهذ ما ادى الى دخول فرنسا في مفاوضات مع تركيا وقبول شروط معاهدة انقرة عام 1928 باسم سوريا، التي لم يكن لفرنسا ان تقبلها لوكانوا في وضع عسكري أفضل.
=KTML_Bold=معاهدة انقرة :=KTML_End=
خلق هذا الاتفاق وضعاً دائماً فيما يخص الكورد ووضعهم، من خلال تقسيم القرى والمدن الكوردية على جانبي الحدود، وجرى ذلك على قاعدة التعويض المتبادل، وهذا يعني إعطاء منطقة بدل منطقة على طول الحدود، كأن يمر خط الحدود في منتصف قرية، فتترك القرية موحدة على أن يعوض للطرف الخاسر في مكان أخر على طول الحدود، وقد حددت مسألة التعويض المتبادل بالمواد (7 و 14) من الاتفاق الموقع في 29 حزيران 1929، وتم وضع نظام خاص بالمناطق الحدودية (نظام مراقبة الحدود)، وتطبق على كامل الحدود السورية – التركية، ولم تقتصر تركيا على رسم الحدود،بل واصلت الى حد التدخل في تنظيم مسافة 50 كم جنوب حدودها،وذلك بطلب تركي لاجل غايات امنية، واتخذت في هذا المجال عدة قرارات منها: اتخاذ إجراءات مكثفة ضد التهريب، وقمع الجرائم، وتشمل الإجراءات الواجب اتخاذها في حالة السرقة والجرائم (الإبعاد عن المناطق الحدودية، الطرد، النفي) وتبادل اسماء لوائح الأشخاص غير المرغوب فيهم، فضلا عن نزع سلاح العشائر الكوردية، وتعيين تحديد نقاط العبور الإجبارية لتجاوز الحدود، وتم مراقبة تطبيق نظام الحدود من السلطات المختصة المكونة من والي ماردين على الجانب التركي، وممثلين عن دير الزور من الجانب السوري وتجتمع هذه السلطات كل شهرين.
وبذلك أحكمت فرنسا سلطتها العسكرية على الجزيرة وتم وضع حل لأصعب جزء من الأراضي الكوردية التي قسمت بين الجانبين، ورغم هذه الاتفاقيات بقيت الحوادث الحدودية مستمرة بشكل دائم، وكانت السلطات التركية تتساهل مع منفذي الاعتداءات من الجانب التركي على سوريا، وتجلى ذلك في العديد من الحوادث، كالتي تعرض لها العشيرتين الكورديتين (شيتيه وآليان) المقيمتان داخل الحدود السورية في العاشر من تشرين الأول عام 1929، حيث اغارت عليها بعض قبائل البدو العربية، ولم تتخذ السلطات الفرنسية أي إجراء بخصوص ذلك، حتى أنها لم تعترف وتقر بالحادثة، كماأخذت القوات التركية وعلى مرأى السلطات الفرنسية باجتياز الحدود السورية من أجل سرقة مواشي العشائر الكوردية، دون اية ردة فعل من السلطات الفرنسية .
=KTML_Bold=دور المخابرات الفرنسية في تلك المرحلة :=KTML_End=
توطدت علاقات تلك العشائر مع سلطة الانتداب الفرنسي، منذ أن سيطرت على الجزيرة عسكرياً عام 1930، وقامت الإدارة الفرنسية بتكوين إدارة خاصة بالقبائل تسمى ب (إدارة مراقبة البدو) ، ووضعتهم تحت إشراف جهاز المخابرات الفرنسية وجاءت هذه الاجراءات بعد أن أصبح الكورد يشكلون أحدى فئات المجتمع السوري، والذي وجد صعوبة في التعايش مع نمط الإدارة الفرنسية، التي خلقت لها الحدود،كما وضعت فرنسا قبائل وعشائر الجزيرة وخصوصاً الجزيرة العليا تحت الإدارة الفرنسية العسكرية، وعن طريق هذه القوة وضعت حداً للعديد من الخلافات القبلية، كما أنه بواسطتها امست الجزيرة رويداً رويداً تحت سيطرة الاحتلال الفرنسي، وأصبحت دير الزور المركز الرئيسي لمراقبة هذا العشائر، واستخدم الطيران الجوي لمراقبتها، وكان إدراك الفرنسيين طبيعة البدو دافعا لهم إلى تشكيل هذه الإدارة الخاصة للتعامل مع تلك العشائر، بذلك أصبحت منطقة الجزيرة تدار وفق أنظمة (S.S) وليس وفق القوانين المدنية، وهذا ما كان موضع انتقاد مبعوث عصبة الأمم في آب 1930 الذي استغرب من دور مصلحة الاستعلامات (المخابرات)، ورأى أن ذلك يتناقض مع دور نظام الانتداب، الذي يهدف إلى تطوير البلاد، حتى أن الحكومة السورية شكت من (S.S) في أنها تعرقل مهامها وعملها، وتحت ضغط هذه الشكاوي أسس في كانون الأول عام 1933 جهاز بديل هو (مصلحة المخابرات العسكرية) أوكل إليها مهمة البحث والاستعلامات الخاصة بالجيش الفرنسي، أصبحت مصلحة المخابرات القديمة تدعى (المصالح الخاصة) وأعيد ترتيبها وتهيئتها من أجل أهداف سياسية وإدارية بحتة، إلا أن مصلحة المخابرات العسكرية استخدمت كادرها القديم في الجزيرة، وبقي ضباط المخابرات هم الممثلون في الواقع للسلطة الفرنسية حتى نهاية الانتداب، وشمل دورهم جميع النواحي، وتولوا مهمة إدارة العلاقة بين السلطات المحلية والدول المجاورة، ويلاحظ انتشارهم على طول الحدود في تربه سبي، وسةري كاني (رأس العين)، وقامشلو، وعين ديوار، والحسكة، ودير الزور، والبو كمال، وكلفوا بتوطيد العلاقة مع السكان المحليين، وكانت لهم علاقات قوية مع زعماء العشائر من عرب وكورد، مثل حاجو أغا، وزعماء الدين المسيحييون مثل (المطران حبي).
وبذلك وطدت السلطة الفرنسية بذلك سيطرتها على العشائر الكوردية والعربية (من خلال مكتب مراقبة البدو ومصلحة الاستخبارات) وعملت على كسر حدة البداوة شيئاً فشيئاً، والسيطرة على الحدود نوعاً ما، ولم يعد بإمكان القبائل التحرك دون إذن من ضباط المخابرات الفرنسية، فقد قدم محمود أغا رئيس عشيرة الكيكية، عام 1932 طلبا رسميا من ضابط المخابرات الفرنسي في الدرباسية السماح لقبيلته بالدخول إلى الجزيرة، وذلك بعد تقسيم العشيرة إلى شطرين في تركيا وسوريا، وكتب وثيقة يتعهد فيها بالخضوع لمكتب قطاع الحسكة الفرنسي، كما قامت السلطات الفرنسية بإرسال بعض الخيالة الفرنسيين المقيمين على حدود الجزيرة، لمراقبة عشيرة المللي، التي كانت قد قسمت كغيرها من العشائر الكوردية بين جانبي الحدود، حيث بقي قسم من العشيرة في ويران شهر بتركيا، والقسم الآخر في بلدة سري كاني في سوريا.
وهكذا أصبحت السلطة الفرنسية في الجزيرة مرجعية مهمة بالنسبة للعشائر، وقام ضباط المحاريس باستدعاء شيوخ العشائر كل شهر تقريباً للتشاور معهم وحل الخلافات بينهم، كالاجتماع الذي عقد في سرى كانى (رأس العين) في الرابع من أيار 1933 وأجتمع فيه شيوخ قبائل الفرات والجزيرة مع المفتشين الفرنسيين، ووضعت حلول لأكثر من قضية، كما عقدت عشرات الاجتماعات الأخرى، وأصبحت مراجعات البدو للسلطات الفرنسية أمراً روتينياً.
ملاحظة : الصورة هي للدويلات السورية في عهد الانتداب الفرنسي
=KTML_Bold=ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ :=KTML_End=
ﻣﻦ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺎﺟﺴﺘﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻡ ﺑﻬﺎ ﺑﺮﻫﺎﻥ ﻧﺠﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺷﺮﻓﺎﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺯﺍﺧﻮ - ﻛﺮﺩﺳﺘﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ، ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ « ﻛﻮﺭﺩﺳﺘﺎﻥ - ﺳﻮﺭﻳﺎ ﺧﻼﻝ ﺍﻻﻧﺘﺪﺍﺏ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ 1921- 1946 »
ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ – ﺍﻟﻌﺪﺩ /70/ و /71/
[1]