سقوط أداة الحوار
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4365
المحور: الادب والفن
سقوط أداة الحوار:
نُظر إلى الحوار، في عدد من الأجناس الأدبية، إلى وقت طويل، كإحدى الأدوات الأكثر أهمية،على أنه يعدُّ حاملاً لتطورات الحدث، على امتداد الشريط اللغوي للنص الأدبي، منذ بدايته، ومروراً بعقدته أوذروته، فخاتمته، وفق نواميس الأدب والنقد الكلاسيكيين، وكان هناك من يشير إلى درجة حضور الحوار في أي نص، وفق خصوصيته، حيث هناك مقادير ومقاييس معينة، عليه ألا يخرج عنها، لئلا يكون طاغياً، فهو إن نجح على صعيد إخلاصه لنقل التفاعل بين الشخصيات المختلفة، فإنه قد يخل بالمعادلة الفنية، بل قد يشكل عبئاً على إيصال الحدث.
ومادام الحوار لابدَّ منه في المسرح، على اعتباره عموده الفقري، وملمحه الرئيس، بحيث لا يمكننا تصورأي نص مسرحي من دونه، فإن السينما-كفن لاحق- استعانت بهذه الأداة، إلى وقت طويل، وإن كنا سنجد السينما الصامتة كما التمثيل الصامت، أو الإيمائي، حيث يتم الاستعاضة عن الحوار بالحركة، أو صورتها، في حال تعميمها، مادامت الصورة صدى الحركة، وترجمانها الذي يفرض سطوته على حيواتنا مع ترسخ هيمنة الاتصالات بعد ثورتها الكونية الأكبر في تاريخ الإنسان، على الإطلاق.
وإذا كان الحوار بات يتلاشى في عدد من الأجناس الأدبية، فهو كذلك بات يرتكس إلى رمزيته، سواء أكان ذلك في اللوحة، أو الموسيقا، نظراً لأسباب عدة، تتعلق بتطورها، وفي مطلع ذلك مقدرة المبدع: كاتباً وفناناً، على جعل التفاعل بين أدوات فنية في مخبريهما الإبداعيين، للإنابة عن الاعتماد على الحوار، وهو ما تحقق على مراحل عديدة، بدأت بالتكثيف، والإيجاز، والإبراق، إلى أن أدت إلى اللاحوار، ما تساوق مع تطورات اللوحة، والموسيقا- أيضاً- كي يستنطق الفنان هرموني اللون أو النغمة، ويرتفع بهما من حال مواتهما، إلى حال بث روح الحياة فيهما، وتوظيفهما، ضمن سياقات جديدة، تكاد تكون غير مطروقة من قبل، وإن كانت أية عودة إلى أرومة التشكيل والسمفونية تجعلنا نقع على نويات أولى أنتجهما الفنان السابق، في كلا المجالين.
انهيار الحوار في الأدب والفن، ربما لم يكن مجرد حاجة، تقنية، جمالية، يستعاض عنها بسواها، من الأدوات، ما يضفي عليها مسحة جمالية، جذابة، تقارب الإبداع، من حقيقة علاقة الواقع بالفن، حيث هو تناول لهذا الواقع بلغة لاواقعية، وهنا-تماماً- يبرز دور المبدع، في التعامل مع نصه، لئلا يسقط في مصيدة العبثية التي لا ينجو منها إلا ذلك الفنان المتمكن من أدواته، ورؤيته، والحريص على العلاقة بمتلقيه. بل إن هذا الانهيار بات امتداد لاضمحلال دور الحوار في الحياة الجديدة، وإن أية قراءة ليس في حياة المدينة المعاصرة، ولا العمارة الواحدة، بل حتى في البيت الواحدة، والغرفة الواحدة تؤكد أفول هذا الحوار، نتيجة الغرق في غوايات أدوات التكنولوجيا الهائلة التي تمغنط فضاء سكنانا، بل وأرواحنا، وهو ما ينعكس-عملياً- على قضايا معقدة، لا يمكن للصورة، ولا للأداة التكنولوجية، ولا للغة السلاح أن تنيب عنها، وإنما يجب توفير بيئة الحوار المبني على أسس راسخة، لاسيما عندما يكون في ذلك ما يتعلق بأمن الإنسان، وحياته، وواقعه، ومستقبله، في الجغرافيا المهددة بالأفول، بل بهيمنة حوار من طرف واحد معها، هو حوار الدمار والزوال والموت.
[1]
کوردیپێدیا بەرپرس نییە لە ناوەڕۆکی ئەم تۆمارە و خاوەنەکەی لێی بەرپرسیارە. کوردیپێدیا بە مەبەستی ئەرشیڤکردن تۆماری کردووە.
ئەم بابەتە بەزمانی (عربي) نووسراوە، کلیک لە ئایکۆنی

بکە بۆ کردنەوەی بابەتەکە بەو زمانەی کە پێی نووسراوە!
دون هذا السجل بلغة (عربي)، انقر علی ايقونة

لفتح السجل باللغة المدونة!
ئەم بابەتە 210 جار بینراوە
ڕای خۆت دەربارەی ئەم بابەتە بنووسە!