منذ أن بدأتُ بقراءة التاريخ بشكل عام و موضوع مجازر الأرمن على يد العثمانيين بشكل خاص ، صار من أولوياتي الاهتمام بهذا النسل العظيم ، و خاصة كل من كان له دور بمساندتنا كأرمن مسيحيين وحمايتنا من بطش آل عثمان الطورانيين ،ويرافق ذلك رفضي المطلق تجاه الاتهامات الباطلة بحقّ الإخوة الكورد بتورطّهم بهذه المجازر ، خاصة أنّ الكورد و الأرمن ينحدران من أصل واحد وهو القومية الآرية حيث انفصلا عبر الزمن بسبب المفاهيم الدينية و أصبح لكلّ منهم خصوصيّته ،وكذلك أكدت أبحاث العالمة الإيطالية سونيا التي أكدت التشابه الانثروبولوجي التام بين الأرمن و الكورد من حيث شكل الجماجم المسطحة والعيون الواسعة ، و سنسرد بعض الحقائق التي تدحض قيام الكورد كمؤسسات بمساعدة الأتراك العثمانيين وذلك لتوريط المتشددين والجهال حتى بعض آغاوات الكورد الإقطاعيين الذين ﻻيمثلون إلا مصالحهم ، وطبعاً تورط هؤلاء تعتبر حالات فردية تهدف لمصالح شخصية لا تعمّم على شعب يعتبر الأقرب للشعب الأرمني ، فهذا لا يعني أنّ الشعب الكوردي ارتكب المجزرة أو تورط فيها كشعب ! - بهجت احمد
فقد أكد البطريرك الأرمني لقنصل روسيا في اسطنبول بأنّ الكورد والأرمن عاشوا سوياً منذ آﻻف السنين ولم يكن بينهم إلا أخوة ومحبة ، وكذلك ذكر عبد الرحمن بدرخان في مقدمة العدد27 من جريدة كُردستان كلام الشيخ عبدالله النهري الذي رفض اﻻشتراك في قتل الأرمن معتبراً الأرمن أخوة المصير المشترك .
وقد حاولت الدولة العثمانية إلصاق التهمة بالكورد من خلال فرسان الحميدية ولكن هوﻻء كانوا مجرد جنود يتلقون الأوامر من الباب العالي ، و المفاجئة هي أنّ كومندان فرسان الحميدية الكوردي و رئيس عشائر الملان ابراهيم باشا المللي الذي كان قائداً لفرسان الحميدية قام باستقبال ما يقارب من 10 إلى 15 ألف أرمني وحمايتهم في ويران شهر عاصمة الإمارة المللية ، ويران شهر التي التقى الباحث الكوردي الشاب جوان سعدون ببعض من سكانها ووجهائها وأحفاد ابراهيم باشا والذين أكدوا جميعاً حدوث هذا الأمر في ويران شهر ، وبحث أيضاً في الأرشيف العثماني الذي من خلاله اكتشف توتر العلاقة بين سلطات العثمانيين و كومندان فرسان الحميدية ابراهيم باشا المللي منذ بداية تسلّمه المنصب ، والجدير بالذكر أن الكومندان ابراهيم باشا المللي توفي إرهاقاً بسبب كبر سنه أثناء معركة شرسة قام بها ضد الجنود الأتراك بالقرب من الحسكة بين عامي 1907-1908م ، وقد أكدت القنصلية البريطانية في حلب أثناء زيارة بعض زعماء الكُرد لها عام 1918م بأنّ الكورد قاموا بحماية إخوتهم الأرمن أثناء عملية الإبادة الجماعية .
تبقى للأحداث تفاصيل كثيرة و دلائل فائضة ستظهر قريباً فلا حقّ يضيع ، و في النهاية يبقى الكورد و الأرمن شعب واحد ، ويجمعهم تاريخ واحد ، ومصير واحد...
دور عشائر عباسا الكوردية
إنّ العلاقات الكوردية الأرمنية كانت دائماً علاقات ود و إخاء منذ مجاورة الشعبين التاريخية لبعضهم البعض وحتى التاريخ الحديث . سنتحدث مثلاً على الوجه الخصوص في فترة ما قبل المجزرة الكبرى ولا سيما عام 1912 م أثناء الانتفاضة الكُردية التي حصلت في كلّ من ولايات موش ، بدليس ، ديار بكر ، ماردين ، حيث طلب الأتراك من الأرمن حمل السلاح ضد الكورد لكنهم رفضوا ذلك ، حتى بعد المجزرة الأرمنية الكبرى و ثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925 م حيثُ حصلت لقاءات كثيرة بين حزب الاتحاد الثوري الأرمني (طاشناق) و حزب خويبون الكوردي بهدف التنسيق والتعاون ضد الأتراك .
وقد قال الباحث والمؤرخ الأرمني أرشاك عن هذه اللقاءات أنّها خيرُ دليل على عمق العلاقة و أواصر المحبة بين الشعبين.
أمّا الباحث الكُردي الشاب جوان سعدون فقد استنتج من خلال بحثه في المراجع (1) و (2) :
أنّه بالرغم من تورّط ما يقارب ثلاثة آلاف كُردي تابعين لزعيم عشيرة زيلان الكُردية في مجزرة أرمنية ارتُكبت في قرى أرمنية في ساسون عام 1896 م ، و أيضاً تورّط مئات الرجال المرتزقة من عشيرة مزرك الكُردية عند استئجار العثمانيين لهم في ذبح بعض الأرمن عام 1897 م في مدينة وان في شمال كُردستان (شرق تركيا)، فإنّ العلاقات الودية استمرّت مستقبلاً وظهرت في العديد من الاتفاقيات العسكرية والسياسية بين الأرمن والكُرد خاصة أثناء انتفاضة جبال آرارات بين عامي ( 1927-1930) م بقيادة الجنرال إحسان نوري باشا ، لذلك لا يجوز تحميل الشعب الكُردي ذنب المجازر الأرمنية التي حصلت على يد العثمانيين الأتراك وبعض الكُرد المرتزقة و المتشددين دينياً التابعين لبعض العشائر الكُردية .
لذلك وكما تحدثنا آنفا عن دور ابراهيم باشا المللي زعيم عشائر الملان و مصطفى باشا زعيم عشائر الميران في حماية الأرمن ، سوف نتناول دور آغاوات عشيرة عباسا الكُردية المتواجدة في غربي كُردستان (شمال سوريا حالياً) في حماية الأرمن كذلك .
حيثُ يعتبر رميلان آغا (3) وهو أحد الآغوات الكورد من الذين كانت لهم يد بيضاء في الأزمة الأرمنية أثناء عملية الإبادة الكبرى , وخاصة في قريتي كانيا گركي عباسا ورميلان الشيخ حيثُ لا يزال أحفاد أولئك الأرمن الذي احتموا بعشيرة عباسا الكُردية هناك يستذكرون فضلهم في ذلك .
أما نجيم آغا (4) الملقب بروتو وهو آغا ديركا چيايي مازي التابعة لماردين فقد قام بحماية الأرمن والسريان معاً , وباعتراف من السيد حنا قس آزخ الذي كان على علاقة جيدة معه , وقد عُرفت تلك العائلات ب مسيحية نجيم أو باسم روتا .
يقول المؤرخ الأرمني الشاب بهجت أحمد هوفانيسيان أنّ جدي القس الأرمني موفسيس هوفانيسيان احتمى بعشيرة عباسا في قرية تل زيارات عباسا و تزوج بأحد أقرباء رميلان آغا كبادرة حسن نية و شكر على حمايتهم ورفضه تسليمهم للأتراك .
- إنّ أكثر ما يدلّ على حماية الكورد للأرمن بدافع المحبة و الإخاء هو مساعدة ابراهيم باشا المللي و مصطفى باشا الميراني و نجيم آغا العباساني لهم وحمايتهم بدون أي انحياز سياسي للعثمانيين و خاصة أنّه كانت هناك عداوة بين كل من ابراهيم باشا و مصطفى باشا و بين ابراهيم باشا ونجيم آغا .
بهجت أحمد هوفانيسيان / ماجستير في التاريخ
جوان سعدون / باحث في التاريخ الكُردي
دارا شيخي / صحفي كُردي
المصادر
1- Kurds, E.J. Brill's first encyclopaedia of Islam, 1913-1936 , p. 1133, By M. Th Houtsma Published by BRILL
2-Ministère des affaires étrangères, op. cit., no. 212. M. P. Cambon, Ambassadeur de la Republique française à Constantinople, ŕ M. Hanotaux, Ministre des affaires étrangères, p. 239; et no. 215 p. 240.
3- رميلان آغا وهو ابن دلي آغا بن دلي آغا بن چولو بگ ، و قبر رميلان الشيخ موجود حالياً في قرية علوانكا و الصحفي الكُردي دارا شيخي أحد أحفاده .
وقد سُميت مدينة الرميلان النفطية الواقعة في غربي كُردستان (شمال شرق سوريا حالياً ) باسمه .
4- نجيم آغا وهو ابن أيو بن عڤدي بن مصطفى بن محمد بن چولو بگ بن حسن .[1]
موقع الكتروني: دیروكا-كردي