=KTML_Bold=شنكال.. منطقة مدمرة وسكان مهجرون=KTML_End=
د.#طارق حمو#
أصدرت اللجنة العليا للإغاثة ودعم المهجّرين التابعة لوزارة الهجرة والمهجّرين العراقية، في 20 أغسطس/آب الجاري قراراً يقضي بتسجيل المهجّرين من أبناء قضاء شنكال الموجودين خارجه (خاصة المقيمين في مخيمات إقليم كردستان) كمواطنين في المنطقة التي نزحوا إليها ورفع صفة “لاجئ” عنهم، وبالتالي إغلاق ملف عودة هؤلاء المهجّرين إلى قرى ومجمعات القضاء، وتجميد برامج الدعم والتشجيع على العودة، التي كانت الوزارة قد أقرّتها منذ عام ونصف. وجاء القرار متزامناً مع الذكرى الحادية عشرة للهجوم الواسع الذي شنه تنظيم “داعش” الإرهابي على قضاء شنكال ذي الأغلبية الكردية الإيزيدية في #03-08-2014# ، وأسفر عن مقتل وجرح وسبي الآلاف من الكرد الإيزيديين، إضافة إلى تهجير أغلبية السكان إلى خارج شنكال بين نازح داخل العراق، ولاجئ في العديد من بقاع العالم.
وكانت وزارة الهجرة والمهجّرين العراقية قد أعلنت في #24-01-2024# يوم #30-07-2024# “موعداً نهائياً” لعودة المهجّرين الإيزيديين من مخيمات إقليم كردستان إلى مناطقهم الأصلية في قضاء شنكال. ولتشجيع العودة، كشفت الوزارة عن “حزمة من المساعدات والحوافز” قالت إنها ستقدمها للعائدين إلى قراهم وبلداتهم الأصلية، منها مبلغ يُدفع مرة واحدة بقيمة 4 ملايين دينار عراقي (حوالي 3 آلاف دولار أميركي) لكل أسرة تقرّر العودة، فضلاً عن تعيينات في وظائف حكومية، ومزايا الضمان الاجتماعي، وقروض للمؤسسات التجارية الصغرى بدون فوائد (انظر: شنكال: معوقات تطبيع الأوضاع وعودة المهجرين. المركز الكردي للدراسات #31-05-2024# )، إلا أن عودة المهجّرين لم تتم بالشكل الذي جرى الترويج له.
الآن وبعد مرور أكثر من عام على انقضاء “الموعد النهائي” على عودة المهجّرين الإيزيديين، بقيت الأوضاع على ما هي عليه، ولا يزال أكثر من 24 ألف عائلة إيزيدية تعيش في 24 مخيماً للمهجّرين (منها 15 في دهوك)، في حين لا يزال نحو 38 ألف عائلة إيزيدية تعيش خارج المخيمات في العديد من المدن والقرى في إقليم كردستان بعيداً عن مساكنها في شنكال (يٌقدّرعدد من يقيم في داخل وخارج المخيمات في إقليم كردستان ب 183000 مهجّر إيزيدي، مع وجود معلومات غير رسمية تتحدث عن أكثر من 300000 شخص من أبناء قضاء شنكال يعيشون خارجه، موزعين في مناطق عديدة تقع تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان). وبالإضافة إلى القصف التركي المستمرّ لشنكال، وهو السبب الرئيسي في رفض المهجّرين الإيزيديين العودة، فإن هناك أسباباً أخرى وهي حالة اللاثقة بوعود الحكومة العراقية في منح المساعدات المالية وتنفيذ برنامج إعادة الإعمار، وتوفير مصادر الدخل وتأمين الأنظمة التعليمية والصحية والاجتماعية المطلوبة. كما ويتخوف الأهالي من اندلاع صدامات بين المجموعات المسلحة التي تتوزع النفوذ في القضاء.
الإدارة الذاتية في شنكال، وفي بيان أصدرته، ندّدت بقرار وزارة الهجرة والمهجّرين العراقية الأخير بإلغاء عودة النازحين والمهجّرين الإيزيديين، قالت فيه “في هذا الوقت الذي ينشغل فيه الجميع بالانتخابات البرلمانية العراقية (المقرر أجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني 2025)، فإن مثل هذا القرار لا يصبّ في مصلحة المجتمع الإيزيدي، بل هو هجوم سياسي واجتماعي جديد على وجوده، ونؤكد نحن كإدارة ذاتية في شنكال أن هذا القرار سياسي وهو استكمال لمخطط داعش في تهجير أهالي شنكال وتغيير ديمغرافيتها”. وتابع البيان بأن قرار الوزارة هو في الواقع “خطة لتقسيم شنكال، فداعش لم يستطع رغم هجماته العسكرية أن يُفرغ شنكال من أهلها، لكن عبر هذا القرار تريد وزارة الهجرة إخراج شنكال من يد الإيزيديين، وتسجيل المهجّرين كمقيمين دائمين في إقليم كردستان. هذا القرار يجعل المخيمات معسكرات دائمة، ويُراد من خلاله تفتيت المجتمع الإيزيدي”.
وفي نفس السياق قرّر مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية استبعاد المرشح خديدة جوكي حسين الهسكاني لشغل منصب “الكوتا” للمكون الإيزيدي في محافظة نينوى لانتخابات مجلس النواب العراقي. وجاء في نص قرار مجلس المفوضين أنه تم المصادقة على توصية محضر لجنة تدقيق أهلية المرشحين لانتخابات مجلس النواب العراقي 2025 والمشكّلة بالأمر الوزاري (79) في #16-07-2025# بالعدد (43) في#18-08-2025# والمتضمنة استبعاد المرشح ومدير ناحية سنوني (خديدة جوكي حسين آدو لهسكاني) عن المقعد الفرد للمكون الإيزيدي في محافظة نينوى لانتخابات مجلس النواب العراقي 2025 والحاصل على رقم القرعة (312) لمخالفته نص المادة (7/ثالثاً) من قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لسنة 2018 المعدل .وأكد المجلس أن القرار صدر بالإجماع، موجهاً الإدارة الانتخابية باتخاذ الإجراءات اللازمة، على أن يتم نشر القرار عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للمفوضية. وذكرت مصادر قريبة من الإدارة الذاتية في شنكال، بأن القرار سياسي ولا أساس قانونياً له، وأن الاستبعاد تم بضغوط من جهات معادية للإدارة الذاتية ولحقوق الإيزيديين وتمثيلهم في مؤسسات الدولة، مُذكِّرة بتاريخ المرشح الإيزيدي الهسكاني في مقاومة هجوم “داعش” عام 2014، بالإضافة إلى توليه إدارة ناحية سنوني، والإشراف على رعاية مصالح السكان، أثناء غياب مظاهر الدولة العراقية، العسكرية والمدنية، إبان توسّع تنظيم “داعش” واستيلائه على قطعات عسكرية ومبانٍ ومؤسسات تابعة للدولة العراقية في شنكال وغيرها.
وشهدت مخيمات المهجّرين والنازحين في إقليم كردستان مظاهرات نظمها المهجّرون من أبناء شنكال للتنديد بقرار وزارة الهجرة والمهجّرين العراقية بدمجهم في الإقليم بعد رفع صفة “لاجئ” عنهم، وبالتالي منعهم من العودة إلى قراهم وبلداتهم. وتظاهر المئات في مخيم زاخو للتنديد بقرار الوزارة العراقية، وللمطالبة بوضع برنامج إعادتهم ودمجهم في شنكال، ومنح مساعدات مالية لهم على غرار ما تفعله الوزارة مع العائلات التي أعادتهم السلطات العراقية من مخيم (الهول) في إقليم شمال وشرق سوريا، والتي منحت لكل عائلة منها “تعويضاً” يُقدّر ب 10 مليون دينار عراقي. واعتبر المتظاهرون قرار رفع صفة “لاجئ” عنهم وتسجيلهم كمقيمين خارج منطقتهم، سياسياً يرمي إلى منع عودة الإيزيديين إلى شنكال، وتوطين فئات أخرى مكانهم في مناطقهم في ظل سياسة تغيير ديمغرافي ممنهج، وهو ما نفته وزارة الهجرة والمهجّرين العراقية في بيان أصدرته ونشرته على موقعها في شبكة الإنترنت.
لا يزال قضاء شنكال يئن جراء تداعيات الهجوم/عملية الإبادة التي تعرّض لها على يدي تنظيم “داعش” الإرهابي في أغسطس/آب 2014، حيث هناك مئات الآلاف من الإيزيديين خارج مناطقهم، ومنهم أعداد كبيرة غادرت العراق نهائياً إلى دول غربية (أشارت الأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2025 إلى أن نحو 70 في المئة من الإيزيديين لا يزالون خارج شنكال بسبب انعدام الاستقرار الأمني والسياسي وتأخر إعادة الإعمار، إذ لا يزال 70 في المئة من منازل المدنيين والبنية التحتية مدمرة)، في الحين الذي لا تزال الحكومة المركزية تماطل في عملية إعادة إعمار القضاء وإقامة مشاريع تنموية فيه. كذلك لا يزال هناك 2800 شخص في عداد المفقودين، بينما جرى تحرير 3576 شخصاً ممن اختُطِفوا على يد تنظيم “داعش”. ولا تزال السلطات المختصة تمضي في تحديد المقابر الجماعية التي خلّفها هجوم “داعش” على شنكال، حيث تم تثبيت 96 مقبرة جماعية حتى الآن، جرى فتح 74 مقبرة منها.
ورغم أن مجلس النواب العراقي قد اعتبر في عام 2020 ما تعرّض له الإيزيديون على يد مسلحي “داعش” جرائم إبادة جماعية، وأقرّ قانوناً لإنصاف وتعويض الضحايا، سُمِّي بقانون “الإبادة الجماعية للإيزيديين”، شمل تسهيلات مادية لإدماج النساء من ضحايا التنظيم، ومنحهن راتباً تقاعدياً وقطعة أرض سكنية، وأولوية في التوظيف، إلى جانب تسهيلات أخرى تتعلق بشروط الدراسة، والعمل على إعادة إعمار شنكال وفتح مشاريع وتحسين الخدمات، إلا أنّ القانون لم ينفّذ وبقي حبراً على ورق، في ظل التجاذبات السياسية، ورفض بغداد الاعتراف بالإدارة الذاتية وبوحدات مقاومة شنكال، ورضوخها للضغوط التركية، من جهة التعامل بشكل أمني مع المنطقة، واعتبار ذلك حجّة لتعطيل مشاريع إعادة الإعمار وإعادة المهجّرين الإيزيديين إلى مناطقهم. وجاء القرار الأخير برفع صفة “لاجئ” عن المهجّرين الإيزيديين من أبناء قضاء شنكال المقيمين في مخيمات “مؤقتة”، كآخر إجراءات الحكومة المركزية للتخلّص من الملف وشطب كل تعهداتها والتزاماتها السابقة في إنصاف الإيزيديين وإعادتهم إلى مناطقهم وإعادة إعمار منازلهم، وبناء مشاريع وهياكل خدمية واقتصادية ومؤسسات تعليمية وطبية، وهو ما يجعل من قضية عودة الإيزيديين إلى شنكال صعبة للغاية، ويدفع بالمهجّرين والنازحين إلى أحد الخيارين: إما البقاء في المخيمات إلى زمن غير معلوم، أو مغادرة العراق دون رجعة. [1]